تقرير- نجدة بشارة
بدأت في الآونة الأخيرة ومنذ سقوط الحكومة المعزولة، معارك لا تنتهي وساحات لا تجف بين التيارات الإسلامية (الإسلام السياسي) من جهة، والتيارات العلمانية بكل تشكيلاتها يسارية وليبرالية من جهة أخرى، خاصة في ظل الظهور المتكرر للإسلاميين في ساحة الحرية بحجة الإفطار وإحياء ذكرى بدر الكبرى، وهو الشيء الذي أثار حفيظة قطاع عريض من المتابعين والرافضين للأسلمة السياسية بكل أطيافها وألوانها بعد فشل تجربة الثلاثين عاماً الماضية وفقاً لشهادة الإسلاميين أنفسهم.
لكن ورغم هذا الصراع المكتوم يرى خبراء أن من المهم أن يدرك التيار الإسلامي، وتيار الثورة ، أنه لا يستطيع أي منهم أن ينهي وجود الطرف الآخر، على الأقل في الوقت الراهن، لاسيما وأن العقيدة تظل، (العقدة) التي تربط كل المجتمع السوداني بمختلف سحناته السياسية.
ووسط هذه الصراعات الجيوسياسية التجأ رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك للبحث عن الوسطية، ودور الصوفية في نشر التسامح ودعم التعايش السلمي، من خلال زيارته إلى مسيد وخلاوى الشيخ الياقوت أمس الأول.
ما وراء الزيارة؟
زار رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك مسيد وخلاوي الشيخ الياقوت جنوب الخرطوم يرافقه وزراء شؤون مجلس الوزراء والشؤون الدينية والأوقاف والثقافة والإعلام والري والموارد المائية، حيث تناول إفطار رمضان على مائدة الشيخ الياقوت.
ووفقاً للخبراء والمحللين فإن الطرق الصوفية في السودان ظلت تلعب دورا بارزاً في الترسيخ للتعايش السلمي وفي نشر الإسلام في السودان والعالم الإفريقي بصورة عامة، ودورها كذلك في دعم ورتق النسيج المجتمعي، السودانية استمدت من التصوف ثقافة التسامح وقبول الآخر، وأن الزيارة تعبير عن اهتمام الحكومة الانتقالية بالمجموعات الإسلامية الوسطية، وإشارة حمدوك إلى أن الدين الإسلامي في السودان محمي بالإرث الصوفي وأنه لا خوف عليه.
رسائل في عدة اتجاهات
ووفقاً لمتابعين فإن الإفطار الذي أقامه الشيخ الياقوت الشيخ محمد شيخ الطريقة السمانية الخلوتية على شرف رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك بمسيده بضاحية الخرطوم الجنوبية، شهد تقديم رسائل مهمة، في عدة اتجاهات من حيث إشادة حمدوك وإقراره بالأدوار الوطنية العظيمة التي ظل يقوم بها الشيخ الياقوت، فضلاً عن أدواره الروحية والمجتمعية، قال إن الصوفية غرست الروح والأسس التي تأسست عليها المواطنة في السودان، وأضاف أن الصوفية أكدت القدرة علي التعايش مهما كان الاختلاف، وقال لا خوف على الدين لأنه محمي بالقيم والتعاليم، وكان السيد رئيس الوزراء قد أكد على مساعي الحكومة للإصلاح الاقتصادي، والذي قال إنه يستغرق وقتاً طويلاً، لأنه حصاد دمار ثلاثين عاماً، كما أكد على مضي حكومته في إنجاز مهام المرحلة الانتقالية، مشيرًا إلى أن ما تحقق في ملف السلام، والجهد الذي يقومون به لاستكمال ما تبقى، مؤكداً عزم الحكومة على تكوين المجلس التشريعي، وقيام المؤتمر الدستوري، وإقامة انتخابات حرة نزيهة.
توازن إسلامي
المحلل السياسي د. عصام بطران قال لـ(الصيحة)، إن الفترة الأخيرة شهدت انتقادات عديدة من قبل بعض شرائح المجتمع للحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية وعدم اهتمامها بالطرق الصوفية التي تمثل التيار الإسلامي الوسطي في السودان، ومعروف أن هذه الطرق وسيلة من وسائل الحشد السياسي منذ فترة طويلة في السودان ولها حالة روحية تحرك بها المجتمع، وبالتالي فإن زيارة د. حمدوك رسالة من الحرية والتغيير في بريد الصوفية استشعارهم بدورها المتعاظم في الإسناد المجتمعي، ورسالة في بريد المجتمع إلى اهتمام الحرية والتغيير بدور الطرق الصوفية والإسلام الوسطي الذي يمثله الصوفية.. وقال إن زيارة د. جبريل إبراهيم لخلاوى مسيد الشيخ ود بدر تأكيد لهذا الدور.
وبالتالي أرى أن هنالك تحريكاً لمحركات البحث لدى الحرية والتغيير لتقريب الموالين لها من الطرق الصوفية، واتجهت جنوباً لخلاوي الياقوت الذي عرف بآرائه المناهضة للنظام السابق، لذلك أعتقد أن الفترة القادمة ستشهد تحركات الحاضنة السياسية ناحية الطرق الصوفية المؤيدة لها لخلق توازن إسلامي في الشارع السوداني مع حراك الحركة الإسلامية هذه الفترة.
سند ودعم
الشيخ محمد النجل الأكبر للشيخ الياقوت وخليفته كان قد رحب برئيس الوزراء، والسادة الضيوف، الذين عطروا المكان بعبق الحرية والسلام والعدالة، وقال شيخ محمد إن الشيخ الياقوت يحمل هم هذه المرحلة، وسيظل سنداً للحكومة الانتقالية ما دامت على الحق، وما دامت تنشد دولة تشبه مكون البلاد الصوفي النقي.
السيد نصر الدين مفرح وزير الشؤون الدينية والأوقاف، أشاد بالمواقف الوطنية المشهودة للشيخ الياقوت، وكسبه ومساعيه المتواصلة لجمع الصف الوطني، وأعلن مفرح تبني الوزارة لمشروع المعهد الديني الذي كان قد طالب به الدكتور ياسر عبد الله عبد العاز، وقال إن السيد رئيس الوزراء وعد برعاية هذا المعهد.
الدكتور ياسر عبد الله عبد العاز، جدد تأكيد وقوف الشيخ وكل الأحباب مع الثورة من أجل بناء وطن معافى من كل الأدواء والأمراض، ونبه إلى ضرورة تأجيل القضايا المفصلية التي عليها خلاف ليحسمها الشعب عبر الآليات المعروفة.
جدل وسجال
ولعل زيارة حمدوك لخلاوى الياقوت؛ أزالت اللغط و(الضبابية) التي ظلت تحاط بها الحكومة الانتقالية، ورميها بالانحياز للفكر العلماني، وتجاهل العقيدة الإسلامية منذ اعتماد أو التوقيع على الوثيقة الدستورية التي تقدمت بها قوى الحرية والتغيير بعد الإطاحة بحكم البشير، جعلت البلاد في حالة سجال كبير بشأن هوية الدولة.. وهل هي مدنية أم علمانية، ومدى تقاطع ذلك مع الدولة الإسلامية، الحلم التاريخي للإسلاميين.
حيث نصت الوثيقة الدستورية والتي تكونت الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي بموجبها على أن “السودان جمهورية مستقلة ذات سيادة، مدنية، ديمقراطية، تعددية، لا مركزية، تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة بدون تمييز بسبب الدين والعرق والنوع والوضع الاجتماعي”.
وكان الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف قال في تصريحات سابقة إن الدولة المدنية هي “تعبير غربي في مواجهة الدولة الدينية أو الدولة الثيوقراطية التي يتحكم فيها رجال الدين من النصارى ممن يمنحون صكوك الغفران وقرارات الحرمان ويتحكمون في كل شيء ويقفون سداً منيعاً دون أي تطور علمي”.
وأضاف يوسف، “هذا لا ينطبق على الدين الإسلامي فليس في ديننا طبقة تسمى رجال دين، وإنما علماء شريعة متخصصون فيها مثلما يتخصص آخرون في فنون شتى، ولم نسمع أن شيخاً من شيوخ الإسلام قال للناس إن فلاناً أدخلته الجنة، وفلاناً أوجبت له النار، أو أن الاكتشاف العلمي الفلاني فيه كذا وكذا، بل نعلم من أصول ديننا أن الله أوكل كل ذي علم إلى أهله”.