الإصلاحات الاقتصادية.. شهران والنهاية!!
الخرطوم- جمعة عبد الله
تدخل “الإصلاحات الهيكلية” التي تطبقها الحكومة على الاقتصاد، شهرها الخامس، كما دخل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج الإصلاحات شهره العاشر وتبقى شهران على النهاية، إلا أن تلك المدة لم تؤدّ في الواقع لتحسين فعلي على الاقتصاد في أي جانب.
برنامج قاس
ومنذ مطلع العام الجديد، واصلت الحكومة تنفيذ برنامج قاس قوامه تحرير أسعار السلع المدعومة في مسعى لإنعاش الاقتصاد المتدهور، وبدأت البرنامج في العام السابق له بتحرير تدريجي لأسعار الوقود قبل أن يكتمل هذا العام بإضافة الخبز والطاقة، وأخيراء الدواء.
وبموجب ذلك خرجت الحكومة كلياً من مسؤولية توفير بعض السلع الإستراتيجية، تاركة المجال للقطاع الخاص الذي يستورد ويبيع وفق أسعار السوق الحر، وهو ما تم فعلياً في الوقود والدواء الذي خرج من قائمة الدعم مباشرة عقب قرار توحيد سعر الصرف الرسمي والموازي، وبالرغم من عدم صدور قرار رسمي بتحرير أسعار الدواء، إلا أن الواقع الفعلي لا يوجد فيه دولار مخصص للدواء وما يتم استيراده سواء عبر الحكومة أو القطاع الخاص، يتم بحساب السعر الحر، وهو ما ضاعف من معاناة المرضى وذويهم الباحثين عن العلاج.
وأدى تحرير سعر دولار الدواء من 120 جنيهاً إلى 380 جنيهاً لارتفاع متوسط سعر العلاج الحكومة لم تعلن عن تحرير دولار الدواء بقرار رسمي ولكنها فعلياً قامت بتحريره، حيث كان دولار الدواء محدداً بـ(55) جنيهاً، ومن ثم أصبح (120) جنيهاً نهاية 2020م قبل أن يحرر ليصبح (380) جنيهاً في مارس 2021م.
مأزق حكومي
وتبدو الحكومة في مأزق حقيقي لمواصلة تنفيذ كافة الإصلاحات المطلوبة من الصندوق الدولي، ورغم تنفيذ كثير من المطلوبات إلا أن هنالك مطلباً حاسماً ينتظر الحكومة تطبيقه قبل نهاية يوليو المقبل، وهو مطلب يتعلق بتوحيد سعر الصرف، وتحديدًا الدولار الذي يجب أن يكون سعره واحداً في كل التعاملات، وهو مطلب معني به تحديداً الدولار الجمركي ومن شأن الخضوع لهذا المطلب أن يؤدي لنتائج كارثية لا يمكن التكهن بمآلاتها، وهي الجزئية الأصعب وما عداها من الإصلاحات شبه تمت لكن تبقى الأصعب وهو مساواة أسعار الدولار وتعويمها.
زيادة الإيرادات
وأدركت الحكومة منذ وقت مبكر، صعوبة مهمتها في إجراء سياسات تؤدي لإنعاش الاقتصاد، أو في الحد الأدنى وقف التدهور المتسارع في سعر الجنيه، ومعدل التضخم، فعمدت لإجراء تعديلات على الفئات الضريبية في الموازنة وبعضها تم رفعه بأكثر من 100% وفرض ضرائب جديدة، كما تم تحرير أسعار اليورو وخدمات الموانئ وتحريره بشكل كامل من 65 جنيهاً إلى 456 جنيهاً فور تحرير أسعار الصرف، كما شملت الزيادات الدولار الجمركي وإنه بشكل تدريجي من 15 إلى 18 جنيهاً، ثم إلى 30 جنيهاً، ومن المتوقع أن تشمله زيادة وشيكة، وكل هذه الخطوات سعت من ورائها الحكومة لتحقيق زيادة في الإيرادات العامة، وهو ما تم نظرياً، بيد أن انعكاساتها السلبية على الأسواق والسلع والاستيراد كانت بائنة ودفع المواطن والمستهلك فاتورتها أولًا بأول.
تحديات كبيرة
وفي أحدث بيان له، قال فريق صندوق النقد الدولي الذي يراقب البرنامج الاقتصادي في السودان إن التحديات التي تواجه السلطات لا تزال كبيرة، لكنه أكد وجود تحسينات في كل من البيئة المحلية والخارجية.
وقال الصندوق في بيان صحفي إن الحكومة الانتقالية شرعت في برنامج مراقبة الموظفين الذي يدعمه صندوق النقد الدولي في عام 2020 للمساعدة في معالجة الاختلالات الرئيسية في الاقتصاد الكلي الناجمة عن عقود من سوء الإدارة، ووضع الأساس للنمو الشامل، وإنشاء سجل بالسياسات السليمة المطلوبة لتخفيف ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون في نهاية المطاف.
وأضاف: “لا تزال التحديات التي تواجه السلطات كبيرة، ولكن كانت هناك تحسينات في كل من البيئة المحلية والخارجية، اكتسبت الجهود الدولية لدعم السودان زخماً وتعززت بإزالة السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وتحديد ممولي الجسر لتسوية متأخرات السودان للمؤسسة الدولية للتنمية وبنك التنمية الأفريقي، وأكد أن الحكومة مضت قدماً في إصلاحات هيكلية مهمة، وأكد الموقعون على اتفاقية جوبا للسلام الالتزام ببرنامج الإصلاح الاقتصادي.
وغير البيان المتحفظ على أداء الحكومة فيما يتعلق بالإصلاحات، تثور الشكوك حول ما وصل إليه الطرفان من رضا عن التطبيق، والراجح أن الحكومة ما تزال مدعوة لمزيد من الخطوات وأن ما تقوم به “ليس كافياً تماماً”. وحسب الاتفاق من المقرر أن يقوم وفد دولي من صندوق النقد الدولي بزيارة للسودان لتقييم الإصلاحات التي طبقتها، وهي مرحلة أخيرة قبل نهاية البرنامج في يوليو المقبل، مع تبقي شهرين لنهاية برنامج الإصلاحات.
وفي نهاية الشهر الماضي، أعلن وكيل وزارة الزراعة، عن زيارة لوفد من البنك الدولي للبلاد وحدد موعدها بمطلع أبريل وتحديدًا بين “1 – 3” أبريل، كما أعلن عن زيارة وفد مستثمرين أمريكيين للاستثمار في القطاع الزراعي، بيد أن أجل الزيارة حان وانقضى ولم يصل الوفد.
وبعد ذلك بأيام وتحديداً في مطلع أبريل أعلن وزير المالية، د. جبريل إبراهيم، عن زيارة وشيكة لرئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس للخرطوم دون تحديد موعد قاطع للزيارة، بيد أن مالباس لم يصل البلاد، كما لم ترسل المالية أي إشارة بشأن عدم قيام الزيارة، وهل تأجلت أم ما تزال قائمة.
نتائج هزيلة
وقلل المحلل الاقتصادي، قاسم الصديق، من نتائج إصلاحات الحكومة الاقتصادية، وقال إن الجوع هو النتيجة الوحيده لمسيرة الاصلاحات.
وأوضح الصديق، لـ “الصيحة” أن حصيلة الإصلاحات الاقتصادية ما تزال “دون المطلوب” مشيرًا لاستمرار هيمنة السوق الموازي على التعاملات المالية لأن أسعاره مجزية مقارنة بالسعر الحكومي، لافتاً إلى فشل الحكومة في توفير النقد الأجنبي لمستوردي الوقود مما يضطرهم لشراء الدولار من السوق الموازي، وقال إن ذلك يشكل هزيمة مجلجلة لسياسات البنك المركزي النقدية، مشيرًا إلى أن الدولار ارتفع في الموازي خلال يومين بنحو 10 جنيهات ليصل “395” جنيهاً، محدثًا زيادة مستمرة في التضخم الذي تعدى الـ 345%.
وتوقع الصديق حال استمرار هذا الوضع أن تحتاج الحكومة قريباً جداً لتعويم الجنيه مرة أخرى إذ سرعان ما يبلغ الـ 420 جنيهاً.
وبشأن ما تحقق من فوائد خلال الفترة الماضية، أوضح الصديق، أن الوقت ما يزال مبكرًا لتوقع فوائد ملموسة، لافتاً إلى عدم وصول أي استثمارات أجنبية حتى الآن، كما لم تستطع الدولة الاستفادة من عوائد الصادر وخاصة الذهب.
ديون لسداد الديون
وأشار إلى أن البلاد ما تزال تحت العقوبات وذلك بمطالبة المانحين ومقدمي القروض إلى إجبار الحكومة على المضي قدمًا في رفع ما تبقى من دعم وسداد مستحقات المؤسسات المالية الدولية من قروض على السودان، وأصبحت الدول تقدم القروض لسداد الديون السابقة وتخدع الحكومة على أن سداد القروض هو سبيلها للتمتع بقروض جديدة من البنك الدولي، وبرأيه من المفترض عند بداية الاستجابة لشروط البنك الدولي أن يصاحب ذلك تشجيع منه بإتاحة بعض القروض والهبات، موضحًا أن ذلك لم يحصل واستمرت ضغوط البنك الدولي والدول المانحة في طلب الاستجابة الكلية للإصلاحات.