فلامينغو الروسية.. صراع المصالح والمحاور
الخرطوم: مريم أبشر
تضاربت الأنباء حول إيقاف السلطات المختصة في الحكومة الانتقالية للسلطات الروسية مواصلة بناء قاعدة فلامينغو العسكرية، ففى الوقت الذي أعلنت فيه مصادر عسكرية لقناة العربية نهاية الأسبوع المنصرم أن القيادة العليا في الدولة علقت إكمال بناء قاعدة فلامينغو العسكرية الروسية بالبحر الأحمر، نفت فيه سفارة موسكو في الخرطوم إبلاغها بأي قرار من الحكومة السودانية في هذا الصدد.
لهذه الأسباب…
غير أن المعلومات المتداولة على الوسائط كشفت أن السلطات السودانية طلبت من قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية إيقاف الدخول الروسي إلى القاعدة والحصول على تصاديق الدخول القديم فضلاً عن إيقاف أي دخول جديد من الجانب الروسي، وأضافت المصادر أنه تم إبلاغ قائد القوة الروسية المتواجدة حالياً أن المصادقة على الاتفاق لن تتم إلا بواسطة المصادقة عليه من المجلس التشريعي أو من يمثله (مجلسا السيادة والوزراء) وهو النظام المعمول به حاليًا في الحكومة الانتقالية لإجازة القوانين واللوائح والاتفاقيات لحين تعيين المجلس التشريعي.
إلحاق ضرر :
بالرغم من أن المعلومات الصادرة عن المصادر العسكرية حول إيقاف القاعدة العسكرية الروسية منطقياً تحمل قدراً كبيراً من الصدقية نظراً لأن قيام مثل هذه المشروعات يحتاج لمسوغ موافقة رسمية، إلا أن السفارة الروسية في الخرطوم نفت بشدة المعلومات التي تناولتها وسائل الإعلام بقرار الخرطوم تعليق اتفاق إنشاء مركز دعم لوجستي وتقني للسفن الحربية الروسية في بورتسودان. وقال بيان صادر عن السفارة الروسية في الخرطوم إن هذه المعلومات لا صحة لها وإن الجانب الروسي لم يتلق أي إبلاغ من الطرف السوداني بشأن تنفيذ هذه الاتفاقية.
وأوضح البيان أن الاتفاقية المتعلقة بالقاعدة الروسية تدخل حيز التنفيذ بعد المصادقة عليها من برلماني البلدين الأمر الذي لم يحدث لحد الآن، مشيرًا إلى أن مثل هذه الادعاءات تهدف فقط إلى إلحاق الضرر في علاقات الصداقة التقليدية بين روسيا والسودان.
القاعدة البحرية الروسية في السودان: وصول أول سفينة حربية روسية إلى ميناء بورتسودان الاستراتيجي على البحر الأحمر.
دخلت سفينة حربية روسية اليوم ميناء في السودان تعتزم روسيا بناء قاعدة بحرية فيه.
وقالت وكالة أنباء انترفاكس الروسية، إن المدمرة التي تحمل اسم “الأدميرال ريغوروفتش” هي السفينة الحربية الروسية الأولى التي تدخل ميناء بورتسودان، وهو ميناء استراتيجي مهم على البحر الأحمر.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعطى موافقته على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية.
وستضم هذه القاعدة، وهي الأولى لروسيا في أفريقيا، قرابة 300 فرد من العسكريين والمدنيين. وهناك بالفعل سلسلة من القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة. فالإمارات العربية المتحدة لديها قاعدة “عصب” في إريتريا وكانت تعتزم فتح قاعدة أخرى لها في جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد. كما أن جيبوتي تأوي العديد من القواعد العسكرية الأجنبية ولدى تركيا قاعدة ضخمة على الساحل الصومالي.
تسابق نحو الثغر :
نهاية فبراير الماضى شهد وصول أول سفينة حربية روسية إلى ميناء بورتسودان بعد يوم من وصول السفينة الحربية الأمريكية (يو أس أس تشرشل) إلى الميناء نفسه، لتصبح بذلك السفينة الأمريكية الثانية التي تزور المياه الإقليمية السودانية خلال أقل من أسبوع. وقد رست في ميناء بورتسودان لتكون بذلك أول سفينة تتبع للبحرية الأمريكية تزور ميناء سودانياً منذ عقود.
ويعتبر هذا التطور مؤشراً على التحسن الكبير في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسودان، ويأتي على خلفية تقارير تتحدث عن رغبة الولايات المتحدة في تعزيز وجودها العسكري في المياه الإقليمية السودانية في البحر الأحمر. ومعلوم أن روسيا والسودان قد وقعتا اتفاقية في ديسمبر حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر بهدف “تعزيز السلام والأمن في المنطقة”، وأن الاتفاق لا يستهدف أطرافاً أخرى، وأن السودان سيحصل مقابل ذلك على أسلحة ومعدات عسكرية من روسيا.
أصل الاتفاق:
تضمنت اتفاقية إقامة منشأة بحرية روسية في السودان على بنود تجعل منها كقاعدة قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، وتكون المنشأة الجديدة المقرر بناؤها بالقرب من ميناء بورتسودان، قادرة على استيعاب ما يصل إلى 300 عسكري ومدني ويسمح للمنشأة استقبال أربع سفن في وقت واحد. على أن تستخدم القاعدة في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين وأيضًا مكان يمكن أن يرتاح فيه أفراد البحرية الروسية.
وحسب المعلومات تقدم الحكومة السودانية الأرض مجاناً وستحصل موسكو على الحق في جلب أي أسلحة وذخيرة وغيرها من المعدات التي تحتاجها عبر مطارات وموانئ السودان لدعم المنشأة. ووفق الاتفاق فإن مدة الاتفاقية 25 عامًا قابلة للتمديد 10 سنوات إضافية بموافقة الطرفين. وبموجبها يمكن للحكومة السودانية استعمال أرصفة المنشأة بموافقة الجانب الروسي.
وتعد قاعدة فلامينغو مهمة للغاية لروسيا تحرص عبرها على تعزيز وجودها ونفوذها في القارة الأفريقية التي تمثل مصدراً كبيراً للثروات الطبيعية وسوقاً ضخمة للسلاح الروسي. وتشير الوكالة الرسمية الروسية إلى أن القاعدة الجديدة ستسهل كثيرًا على موسكو عمليات الأسطول البحري الروسي في المحيط الهندي إذ سيكون بمقدور البحرية الروسية تبديل طواقم القطع البحرية الروسية المنتشرة في المحيط الهندي عبر نقلهم جواً إلى السودان. أضف إلى ذلك فإنه يمكنهم نشر أنظمة دفاع جوي في المنشأة بهدف حمايتها ومنع تحليق الطيران في أجواء القاعدة.
وضع غير طبيعي :
الاتفاق الذي بموجبه سارعت موسكو خلال الفترة الأخيرة الماضية بتحريك بوارجها والعمل على إنشاء قاعدة فلامينغو تمت فى وضع غير طبيعي حسب رؤية الخبير الدبلوماسي السفير الرشيد أبو شامة حيث تم التوقيع على الاتفاقية فى العام 2017 إبان العهد البائد وبطلب من الرئيس المخلوع ولم تمض في تنفيذ الاتفاق حينها حيث ترددت كثيراً خاصة بعد ذهاب نظام البشير، ولكن الآن يبدو أنها غيرت رأيها وسارعت بالمضي نحو إنفاذ الاتفاق وبذات الاتفاقية التي أزيح النظام الذي وقعت في عهده بثورة شعبية غير مسبوقة وبدأت في تحريك أساطيلها الحربية واعتبر أبو شامه تصرف روسيا بالشاذ، لجهة أنها لو أقدمت على تلك الخطوات إبان العهد البائد كان يمكن يمضي المشروع ولكن الوضع الآن تغير ولا يمكن لمثل هذه الاتفاقيات المهمة أن تمضى هكذا.
الاتجاه نحو الغرب :
أبو أشامة لفت لنقطة هامة وهي أن السودان وبعد ذهاب النظام البائد تحسنت علاقاته بشكل جيد مع الولايات المتحدة بشكل خاص والغرب عمومًا، بل أن واشنطن رفعت اسم السودان من قائمة تلك العقبة التي أقعدت السودان لثلاثة عقود وعزلته عن العالم بل قدمت له مساعدات مالية وأعفت ديونه من البنك الدولى وتمضي خطوات تحسين العلاقات وتقديم الدعم والمسانده بصورة جيدة، أضف إلى ذلك فإن الدول الغربية ساندت بشكل فردي وعبر الاتحاد الأوربي الثورة السودانية ودعمها ومؤتمر برلين للمانحين للمساعدة ليس ببعيد والآن يجري الترتيب لمؤتمر باريس في مايو المقبل ويرى أن مصالح السودان الحالي وسياساته تتجه نحو الغرب والوجود الروسي ليس في مصلحة السودان خاصة وأن روسيا ليس لديها ما تقدمه للسودان، بجانب ذلك فإن العلاقات بين واشنطن وموسكو ليس على ما يرام خاصة بعد الاعتداء الروسى على أوكرانيا وجزيرة القرم ولذا من مصلحة السودان وهو يمر بمرحلة انتقال معقدة تواجه صعوبات اقتصادية وأمنية وتحتاج للدعم أن يبني علاقات تعاون بناء مع أمريكا والدول الغربية .
تحايل :
واعتبرت مصادر عليمة أن تبرير الحكومة لوقف العمل في قاعدة فلامينغو الروسية بأن الاتفاق يحتاج للموافقة من المجلس التشريعي أو المجلس المشترك بأنه نوع من التحايل لوقف المشروع على الأقل في الوقت الراهن وأكدت أن كل الترتيب يمضي نحو الاتجاه غربًا حيث حيث يحتاج السودان لوقفة الدول الغربية معه لإعفاء الديون المترتبة عليه أضف إلى ذلك يحتاج لمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمنظمات الداعمة وروسيا ليس لديها ما تقدمه للسودان كما أن تحركها جاء في الزمن الغلط ربما تكون استشعرت خطأ تقديراتها السابقة في تجاهلها لانفاذ المشروع والآن رأت أن أمريكا ودول الغرب تمضي نحو تحسين علاقاتها في سودان ما بعد الثورة.. كمان أن الوضع الاستراتيجي الهام لمنطقة البحر الأحمر والتسابق الدولي المحموم نحوه ربما دفع بموسكو بأن تسارع لإنجاز ما أمهلته لخمس سنوات مضت، غير أنها ربما غاب عنها أن التحرك يعد خطأ لجهة أن الاتفاق وقع مع نظام أصبح في عداد الماضي، ويقول مراقبون إن مثل هذه الاتفاقيات الهامة الخاصة بإنشاء قواعد عسكرية يجب أن تتم وفق مبادئ ولوائح القانون الدولي وهذا ربما واحد من الأسباب التي دفعت الحكومة الانتقالية لتجميدها في الوقت الراهن.