لكاتب – أي كاتب – مطالب في كثير من الأحايين أن يخفي مشاعره الشخصية حتى لا تؤثر على ما يكتب بالذات فيما يخص الحقائق التي ترتبط بالضمير الإنساني.. لذلك تجد أن معظم الكتاب تنحسر علاقاتهم الاجتماعية في أضيق مساحة.. وذلك بالطبع شيء مؤلم ويصل مرحلة الفداحة.. وربما الجهر بالحقيقة يكون ثمنه غالياً لأن البحث حينها يكون إرضاء الضمير وليس الأشخاص.. وشخصياً عانيت من هذه المعضلة كثيرًا وكانت سبباً في الكثير من الخصومات مع أن طبيعتي الشخصية لا تميل للخلافات والخصومات وأحاول تجنبها قدر الإمكان بلا تنازل عن قيمي وأخلاقي.
قول ذلك وفي ذهني ما يحدث ويدور في فرقة عقد الجلاد حالياً.. فهي مجموعة تربطني بها علاقة محبة وجدانية وأعتبر نفسي واحداً من (مجانين عقد الجلاد) أحبها بذات الهوس والنسق الصبياني.. وتجمعني مع أفراد المجموعة علاقات اجتماعية ممتدة.. وكلهم تقريبًا بمثابة أصدقاء وأحباب ولكن كل تلك العلاقات المتشابكة لم تمنعني من انتقادهم أبداً.. لأن همي الأكبر أن تستمر الفرقة وأكثر ما أكون حرصاً أن لا أقف مع طرف ضد الآخر.. وشمت محمد نور مثلاً يعتقد بأنني أقف ضده ولا أنحاز له.. والصحيح أنني لا أنقاد له ولا أتبع آراءه بروح القطيع وأطبل له كالمنبهرين به..
وكنت دائماً ما أقول وأردد بأنني تشوقني جداً الطريقة التي يؤلف بها شمت محمد نور موسيقاه سبقه غيره في ذلك، أشكال وعناصر جديدة أدخلها جعلت أغنياته تتميز عن موسيقى الآخرين في شكل الطرح والقالب الأدائي الذي تقدم به، وهو بذلك قد حقق نوعاً من الريادة بفضل القواعد الجديدة التي أرساها في طريقة تفكيره لوضع موسيقاه حتى يكون نسيج وحده.
ولا يستطيع أحد التشكيك في شمت محمد نور كموسيقي مبهر ومتجاوز ومجمل الألحان التي قدمها لعقد الجلاد تؤكد بأنه قدم لعقد الجلاد.. أعطى ولم يستبق شيئاً.. ولا ينكر دوره إلا مكابر.. ولكن شمت في الآونة الأخيرة أصبح الكلمة النشاذ في الفرقة ومثيراً للمشاكل والقلاقل وجعل الفرقة تتوقف في محطة المشاكسات الصبيانية.. ولعل حالة عدم الاستقرار التي تعيشها الفرقة والتوهان الإبداعي يرجع بالأساس للروح العدائية التي طغت على الروح الإبداعية.. فهو لم يكتف بإثارة المشاكل والصراعات داخل الفرقة وأصبح مستورداً لها من الخارج.. ولعل موقف الشعراء الأخير هو نتاج مجهودات ضخمة لشمت لكسر عظم الفرقة من خلال إثارة الضغائن والغبائن ضد الفرقة.. ومما يؤسف له أن جميع الشعراء الذين أوقفوا أغنياتهم..هم في الأصل يخدمون شمت ومحاولة عودته للفرقة من خلال قضية الحقوق.
سيحفظ التاريخ لهؤلاء الشعراء الكبار أنهم كانوا عبارة عن (مطية) أراد أن يعبر بها شمت للضفة الأخرى واستخدمهم كدرع بشري وتوارى هو خلفهم وزج بهم في أتون المواجهة مع عقد الجلاد وتاريخها وجمهورها في امتحان كبير من المحنة والصبر.. ولعل حفل أول الأمس هو الرد المناسب لشمت بأن الفرقة ستمضي دونه.. ومن الأفضل لها أن تمضي دونه.. وطالما ذهب مبدع بقامة عثمان النو عن الفرقة ولم تتأثر أو تتوقف فذلك يعني ببساطة أن (الباب يفوت جمل).
كلمة أخيرة:
كنت سأحترم موقف الشعراء إذا كان مرتبطاً بالحقوق.. فذلك مكفول بنص القانون وقوته.. وعلى إدارة الفرقة أن تكون أكثر شفافية وتدفع للجميع حقوقهم ولكن الدفع عادة لا يتم بطريقة (كورالية).. وإنما يجب أن يوفى الشعراء حقوقهم كأفراد وليس على طريقة (التوقيع الجماعي).