جدل التطبيق والتوقيع.. التوقيع على (سيداو).. إنصاف أم تهديد للمرأة؟
تقرير- صلاح مختار
اعتمد مجلس الوزراء، اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، مع التحفظ على 3 من موادها. وقالت (سونا) إن المجلس أجاز في اجتماعه، برئاسة عبد الله حمدوك، بروتوكول حقوق المرأة في إفريقيا، الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. كما أجاز المجلس اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، مع التحفظ على المواد (2)، (16)، (29/1). وستتم المصادقة النهائية على الاتفاقية في اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء، اللذين يتوليان معاً الدور التشريعي في ظل غياب تشكيل المجلس خلال الفترة الانتقالية حتى الآن. وتشمل تلك المواد المساواة بين المرأة والرجل، وأخرى متعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية للتحكيم في أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية. التوقيع أثار جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعترض بين التيارات الداخلية ولكن ما يسأل عنه الكثيرون، هل الاتفاقية تأتي إنصافاً للمرأة أم تهديد لكيانها؟.
نقاش الوثيقة
النقاش حول الانضمام إلى اتفاقية سيداو، ليس وليد اللحظة أو بعد الثورة، بل أن النظام السابق برئاسة الرئيس المعزول عمر البشير قد أفصح في 28 مايو 2018، عن عزمه المصادقة على اتفاقية سيداو، مع التحفّظ على بعض البنود على غرار ما فعلته المملكة العربية السعودية. وربط بعض المراقبين بين المصادقة والضغوط التي تعرضت لها الحكومة من أجل الاندماج مع المجتع الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي اشترطت ذلك. غير أن الحكومة الانتقالية بدأت منذ وقت مبكر في التحضير للمصادقة على الاتفاقية حيث جرت ترتيبات في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، لمصادقة السودان على جملة من الاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق المرأة، ومن ضمنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) المثيرة للجدل، وكان وكيل الوزارة يوسف الطيب عيسى أكد سعيهم للمصادقة على تلك الاتفاقيات، موضحاً أن الوزارة بدأت الدراسات والمشاورات مع الشركاء لتقديم الرؤية الموحدة لاتفاقية (سيداو) للمصادقة عليها. وقال عيسى، خلال اللقاء التفاكري حول (سيداو) الذي نظمته إدارة المرأة والأسرة بالوزارة بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إن اللقاء يأتي إيفاءً لموجهات قيادة الحكومة للالتزام بكافة المعاهدات الدولية التي أتت باستحقاق دستوري (الوثيقة الدستورية)، مشيراً إلى أن الدور الذي تضطلع به الوزارة في هذا المجال هو إعداد الدراسات الفنية، وإنزال الاتفاقية على أرض الواقع ومتابعتها.
مع وضد
في 19 أكتوبر الأول 2019، سلمت منظمات نسوية سودانية، محسوبة على التيارين اليساري والليبرالي، وزير العدل، نصر الدين عبد البارئ، مذكرة مؤيدة للانضمام إلى اتفاقية “سيداو، ورفعت المشاركات لافتات تطالب بانضمام السودان إلى اتفاقية “سيداو”، وإلغاء قانون النظام العام والأحوال الشخصية، مذكرة التنظيمات النسوية، دعت إلى إلغاء قانون النظام العام، والانضمام إلى العهود الدولية، ومنها ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. ودعت المذكرة إلى إلغاء المواد والقوانين التي تهدف إلى التمييز ضد المرأة الواردة في القانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية في ذلك الوقت قالت الأمينة العامة للحزب الجمهوري، أسماء محمود محمد طه، خلال الحفل، “لا بد من إلغاء قوانين النظام العام والأحوال الشخصية، وترسيم حقوق المساواة الكاملة بين النساء والرجال”. وأضافت “الحكومة الانتقالية إذا لم تواجه هذا الهوس الديني سنرجع للمربع الأول. أطالب الحكومة أن تتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهة تلك التحديات”. ولكن في المقابل نشطت حركة مضادة من النساء حيث شهد مقر وزارة العدل بالخرطوم حركة احتجاجات نسوية، نظمتها مبادرة مجتمعية تُسمى “سودانيات ضد سيداو”، طالبت بعدم التوقيع على الاتفاقية.
الخطوة المقبلة
ويبدو أن إجازة المجلس، للاتفاقية وجدت ترحيباً من الجمعيات والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة، حيث قالت الناشطة ناهد جبرالله لـ(العربي الجديد) إن اليوم هو يوم تاريخي للمرأة السودانية ولحركة حقوق الإنسان، لأن ما قام به مجلس الوزراء يشكل إطاراً هاماً جداً لتعزيز وحماية حقوق المرأة، مبدية في ذات الوقت استغرابها لتحفظ المجلس على مواد مهمة في الاتفاقية يتعلق بعضها بعدم التمييز بين الرجل والمرأة. وشددت جبر الله على أن تكون الخطوة المقبلة هي مواءمة القوانين الوطنية مع الالتزامات التي تفرضها سيداو والبروتوكول الأفريقي. وأضافت أن النظام السابق سعى في آخر أيامه إلى التوقيع على الاتفاقية، ما يؤكد أن رفضه السابق لم يكن على أساس مبدئي، إنما أراد به ممارسة أشكال مختلفة من الترهيب في حق المرأة السودانية.
فخ سيداو
لن يمر التوقيع على الاتفاقية على الشعب السوداني مرور الكرام سيكون هنالك سجال بين التيارين الإسلامي والعلماني بين دعاة التوقيع والرافضين له وسط المجتمع وسيستغل البعض المنابر لتكون منطلق الهجوم. ويرى الداعية عبد المحمود يوسف أنّ التوقيع على اتفاقية سيداو لن يكون في صالح المرأة لجهة أنّها مناقضة للحريات، وتعارض الدين والفطرة والقيم النبيلة وتجعلها وكأنها في عصر الجاهلية التي تعرّضت فيها إلى الإهانة قبل أن يكرمها الإسلام. وأوضح أنّ من ينادون بالتوقيع على اتفاقية سيداو سيعملون على سلب إرادة الدولة، ما سيجعل أممًا أخرى تتحكّم في شؤون البلاد. وأضاف “اتفاقية سيداو فخ يصعب الفكاك منه حال تمّ التوقيع والمصادقة عليها”.الهدف من خلالها تفكيك الأسر. وتابع” هذه الاتفاقية تجعل الوالد مسلوب الإرادة وبإمكان ابنته الزواح دون أنّ يعلم أو أنّ تأتي بالشاب إلى البيت ولا يسألها”. وشدّد عبد المحمود على ممانعتهم التوقيع على الاتفاقية لجهة أنّها تخالف شريعة الله، مطالبًا القائمين على الحكم في البلاد بصرف النظر عنها. وأردف “ما الذي يجبرنا للتوقيع من الأساس على هذه الاتفاقية، إنّ كانت ذات جدوى لكانت وقّعت عليها أمريكا، التي لم توقّع لاعتبارها تدخلًا في شؤون البلاد الخاصة”.
لا لسيداو
ووضع رئيس المؤتمر الوطني المحلول إبراهيم غندور في صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، وضع عبارة “لا.. لسيداو”. وقال إنها أكثر وثيقة في العالم تضرب ثقافتنا الإسلامية والسودانية. وأشار إلى أن أبرز المخالفات الشرعية في اتفاقية سيداو، هي أن المادة الثانية من الاتفاقية تنص على أنه يجب على الدول الموقّعة إبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميّز بين الرجل والمرأة من قوانينها، حتى تلك التي تقوم على أساس ديني. وتابع “هذه مخالفة واضحة للشريعة الإسلامية، وبمقتضى هذه القوانين تصبح جميع الأحكام الشرعية، المتعلقة بالنساء باطلة ولا يصح الرجوع إليها أو التعويل عليها، وقوانين الشريعة فيها تمييز للمرأة، وليس تمييزًا ضد المرأة، كما هو تعريف سيداو”. وأوضح غندور، أن المادة 16 هي أكثر المواد خطورة في الاتفاقية، والتي تمثّل حزمة من المخالفات الشرعية وتشمل إلغاء الولاية على المرأة، وأن يحمل الأبناء اسم الأم كما يحملون اسم الأب، ومنع تعدد الزوجات، من باب التساوي بين الرجل والمرأة، وإلغاء العدّة للمرأة بعد الطلاق أو وفاة الزوج، والحق في الممارسة الجنسية كمهنة أو كعلاقة خارج إطار العلاقة الزوجية.
انزلاق خطير
وقالت الممثلة القُطرية لهيئة الأمم المتّحدة للمرأة بالسودان، أتراتو أفاتو في تصريحات سابقة إن الظروف الآن في السودان مواتية للمصادقة على سيداو، معلنةً استعدادهم لدعم الاتفاقية لتطبيقها على أرض الواقع، مبينةً أن المصادقة على الاتفاقية تشير لعودة السودان إلى المجتمع الدولي”. في المقابل دعا رئيس حزب دولة القانون والتنمية محمد علي الجزولي المعتقل الآن في تصريحات سابقة، دعا إلى إسقاط سياسات قوى إعلان الحرية والتغيير، التي تستهدف هوية أهل السودان. وأضاف “وزير العدل لم يخرج لاستلام المذكرة الرافضة لاتفاقية سيداو، هذه إهانة شديدة للمرأة السودانية وفضيحة كبرى وغباء شديد في صناعة الغبن والتفرقة بين المواطنين وتقسيم المجتمع. من جانبه انضم حزب التحرير للمناهضين للاتفاقية واعتبر محاولات المصادقة على اتفاقية (سيداو) انزلاق خطير في هوة القذارة والفسق والفجور.