(1)
استضاف برنامج أغاني وأغاني في حلقة اليوم الثالث عشر الشاعر المهندس محمود الجيلي.. وهو واحد من الشعراء الشباب الذين ظهروا في الساحة الفنية مؤخرًا وانتشرت قصائده وتوزعت بين أصوات الفنانين الشباب.. ويمثل محمود الجيلي والشاعر الشاب أحمد البلال فضل المولى جيلاً جديداً بمفاهيم شعرية مختلفة عن المدارس الكلاسيكية في الشعر الغنائي وتمثل مفردتهم تمردا واضحاً على النمط الغنائي القديم.. وذلك يهيئ المسرح لأصوات شعرية تحاول أن تخرج من الجلباب القديم الى فضاءات جديدة في الفكرة والطرح والمضمون..
(2)
راهن الساحة الفنية وواقعها يحتم التعامل مع ظواهر شعرية كمحمود الجيلي.. فهو فرض نفسه كشاعر تجديدي يحاول أن يكسر الأطر التقليدية وهي محاولة صعبة ولكن ليست مستحيلة.. وهو يحاول أن يقدم نفسه كشاعر غنائي له أسلوبه الخاص.. وأشعار محمود الجيلي الغنائية لها مميزات جيدة حيث نجد أشعاره لا تقتصر في محتواها على الجانب المادي بل يركز على الجانب الوجداني والعاطفي أيضاً. وهو في ذلك بالإرث الكبير للشعر الغنائي السوداني ومحمود الجيلي بين أبناء جيله فهو شاعر مؤثر فعال في تحويل أغراض الشعر الوجداني وموضوعاته.
ولديه قدرة عالية في تركيز مواضيعه حول المشاعر الإنسانيّة وتقلباتها. التحول والتطوّر من الغزل الصريح الفاحش إلى غزل عذري وشعر ذي فكرة ومغزى.
(3)
لما يقارب الخمس سنوات ظل الفنان الشاب مهاب عثمان حضورًا في برنامج أغاني وأغاني وبشكل راتب وذلك التواجد في البرنامج الأشهر والأعلى كثافة من حيث المشاهدة أتاح له أن يقدم نفسه للمستمع السوداني ولعله وجد قدرًا من القبول وإن لم يكن مطلقًا وتتفاوت مكانته في الوسط الفني ما بين الحضور العادي واللا نجومية.. فهو إذا قارناه بين أبناء جيله مثل حسين الصادق وشكرالله وأحمد فتح الله البندول فهو تقريبًا يجلس في المنطقة الدافئة وبلا تأثير واضح.. وواقع الحال يقول بأن مهاب عثمان وجد فرصته وأكثر، ولكنه لم يستثمرها بطريقة ذكية لتقديم نفسه كفنان من الممكن أن يشكل إضافية نوعية وعددية.. ولكنه منذ لحظة ظهوره وحتى الآن ظل واقفاً في ذات المكانة التي بدأ منها حيث لم يتطور صوتياً ولا أدائيًا ولم يقدم ما يشفع له بالاستمرار كفنان صاحب رؤية أو مشروع غنائي يقوم على أرضية صلبة ينطلق منها للأمام.. فهو يحتاج لجرد حساب ووقفة مع النفس وضرورة التمعن في ما مضى من تجربته الفنية.. وعليه أن يطرد من رأسه فكرة أنه فنان ناجح لمجرد اختياره في أغاني وأغاني.
(4)
إذا تأملنا جميع الألحان التي قدمها الموسيقار عبد اللطيف خضر ود الحاوي نجدها تجتمع تحت عنوان واحد هو التحرر، فأصبحت القاعدة أنه لا توجد قاعدة، فقد تحرر ود الحاوي في قطعه الموسيقية من القوالب القديمة للموسيقى البحتة والتي كانت تضم التراث الشعبي والحقيبة والطنبارة وكل الأشكال الكلاسيكية القديمة.. وظلت تلك الأشكال سائدة حتى تفنن ود الحاوي في تكسيرها واحدة وراء الأخرى، وهنا لن ندخل في تفاصيل أكاديمية (لا تتوافر لنا) لكن يمكن إيجاز القول في أنه نجح في فك أسر الموسيقى من قوالبها التي جمدت مع الزمن، ومع تحول الفن من التطريب إلى التعبير بمقدم الفنان والموسيقار محمد الأمين في مطلع الستينينات أصبح للتعبير الأولوية المطلقة عند الموسيقيين والجمهور على السواء.
(5)
استخدم عبد اللطيف خضر ود الحاوي في تلحين أغنياته إمكانيات مختلفة للتعبير، وقد أثرى بذلك حركة الموسيقى عمومًا فلجأ المؤلف الموسيقي إلى توظيف الأداء الموسيقي بالاهتمام بالأوركسترا وإدخال آلات جديدة وإيقاعات جديدة وتراكيب ميلودية مبتكرة، وببروز ألحانه ذات الثراء أصبحت الحاجة أكثر إلى التوزيع الموسيقي مما أفاد الموسيقى السودانية بشكل عام لتنفتح على عوالم علمية جديدة لم تكن متوافرة في الزمن السابق..
(6)
حينما قدم مصطفى سيد أحمد أغنية (في عيونك ضجة الشوق والهواجس).. مثلت الأغنية فتحاً جديداً في الأغنية السودانية وتجربة مصطفى سيد أحمد ذات نفسها .. لأن الأغنية تمثلت فيها قمة الحداثة الشعرية وتجاوزت مربعات الكتابة العادية بلغة جديدة ومتفردة وأخيلة شعرية تنم عن موهبة متفتقة ومجنحة بالخيالات الإبداعية .. والأغنية شعرياً بدأت بإدهاش شعري عال حينما قال شاعرها:
في عيونك ضجة الشوق والهواجس
ريحة الموج البنحلم
فوقا بى جية النوارس
ياما شان زفة خريفك
كل عاشق أدى فرضه
مافي شمساً طالعه طلت
إلا تضحكى ليها برضو
والغمام الفيكي راحل
في الصنوبر يلقى أرضو
والصباح امتد يا ما
كل ما جاوبتى نبضو
كانت الأغنية ذات نفسها عبارة عن سؤال كبير حول الشاعر أبوذر الغفاري.. فهي لم تقدم كشاعر فحسب بل قدمت حوله السؤال الكبير(أين اختفى الشاعر أبوذر الغفاري منذ العام 1992 وحتى اللحظة).. ذلك هو السؤال الذي استعصى على الإجابة حتى الآن.