عبد الله مسار يكتب.. الشراكة السياسية
حَدَثَ تَغييرٌ لنظام حكم الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ بعد حكم ناهز الثلاثين عاماً، وحدث في هذه الثلاثين عاماً الكثير المثير، بدءاً بنظام عسكري خلفه حزب سياسي.
وهو نظام الحزب الواحد نظام ديكتاتوري، ثم تدرج حتى أشرك كل القوى السياسية في السودان عبر مراحل مختلفة بما في ذلك القوة الحاكمة الآن. وأغلب المُشاركين كانت مشاركتهم وفق اتفاقيات وقّعها النظام مع هذه القوة بعضها خرج وبعضهم بقي حتى آخر لحظة ولكل من هؤلاء أسبابه.
والنظام قام بأعمال كبيرة لصالح الوطن وأخفق في أخرى، ولكن أهم شيء أنه يملك قراره وتحس أنّ القرار وطني وصناعة سودانية.
بعد قيام التغيير في أبريل ٢٠١٩، جاءت حاضنة سياسية أغلب أحزابها من اليسار وهم قلة في الشارع السوداني قديماً وحديثاً، وهذه الحاضنة السياسية احتكرت القرار والرأي السياسي، بل انفردت بالحكم وأبعدت حتى جزءاً ممن شارك في التغيير، وعزلت كل القوى السياسية الأخرى ليس من المشاركة في السلطة التنفيذية، ولكن حتى في القرار والرأي والمشورة السياسية وبذلك انتهكت حقاً أساسياً لأيِّ بشر في الدنيا وهو حق المُواطنة، ومنعت البشر السوداني حقاً كفلته كل الشرائع السماوية والوضعية، وبل أبعدت حتى الشباب الذين صنعوا وقادوا الثورة.
الشراكة السياسية لا تعني المشاركة السياسية. المشاركة السياسية تعني المشاركة التنفيدية وهذه لا رغبة للمعارضة المشاركة فيها طيلة مدة الفترة الانتقالية.
اما الشراكة السياسية تعني المشاركة في الحق العام والقرار والرأي والمشورة والمُشاركة في صناعة مستقبل الوطن. والمشاركة في أمهات القضايا والقضايا المصيرية مثلاً قضايا السلام والحرب وقضايا القوانين والحوار حول الدستور ونظام الحكم وقوانين تنظيم الأحزاب والانتخابات وقضايا الأمن القومي
وأمور وشؤون الحياة والوضع الاقتصادي ونظام الأسرة والطفل وحتى شكل الدولة وقضية فصل الدين عن الحياة العامة وعلى الدولة، وهكذا كل هذه القضايا تهم كل مواطن سوداني وتهم كل تنظيم سياسي حاكما أو معاوضا، وحق قانوني للكل.
إذن هنالك فرق بين المشاركة السياسية والشراكة السياسية، المشاركة السياسية تعني المشاركة في السلطة التنفيذية وهذه تهم الأحزاب الحاكمة وهي تعني إدارة الشأن اليومي وهي هنا في الفترة الانتقالية محدودة جداً ليس من حق الحاضنة السياسية الحاكمة أن تخرج منها لمهام أخرى وكما أن الشرعية الثورية محدودة المهام والتفويض وهذه لا رغبة لأحد المشاركة فيها.
أما الشراكة السياسية تعني المشاركة في القرار السياسي والسياسة العامة التي تخص صناعة الوطن ومستقبله وهي تعني مشاركة المعارضة والحكومة في ذلك.
وعليه اعتقد ان ما تقوم به الآن حكومة الفترة الانتقالية وحاضنتها يخالف التفويض الثوري الممنوح لها بموجب الشرعية الثورية، لأنها الآن تمارس صلاحيات وسلطات حكومة منتخبة ومفوضة من الشعب. وتمدد في الفترة الانتقالية لوحدها دون مشورة الآخرين، امر آخر هي تعزل كل القوى السياسية الأخرى من الهَمّ العام والقضايا الوطنية الكبرى وهذا يخالف الوثيقة الدستورية ويخالف كل القوانين التي تنظم الحياة العامة وتزيد من المعارضين للحكومة وتجعل كل قراراتها محل نظر بل غير معترف بها قابلة إلى الإلغاء والتغيير في أي وقت آخر.
ثانياً المشاركة السياسية حق عام لا يُعزل منه تنظيم سياسي أو فرد وليس من حق أي حكومة منتخبة أو ثورية ان تمنع منه احدا لانه حقٌ مطلقٌ.
ثالثاً المعارضة جزء من السلطة لأنها سلطة ظل وجب على الحكومة استشارتها في أمور الدولة الكبرى التي تمس مستقبل البلاد.
مثلاً كيف تُقرِّر الحكومة الانتقالية في نظام الحكم وشكل الدولة بمعزل عن المعارضة، كذلك قرار السلام والحرب والاتفاقيات في ذلك دون النظر الى الأطراف السياسية الأخرى، وببساطة يُمكن إلغاء ذلك فور وصول المعارضة للحكم لأنها لم تتشاور في ذلك وهكذا علمانية الدولة وغير ذلك.
رابعاً المشاركة السياسية حق خاص والشراكة السياسية حق عام، ولذلك لا يمكن أن تغيب القوى السياسية خارج الحكومة في كبريات القضايا وأمهاتها، ونرفض ذلك ونقول للحكومة وحاضنتها يجب ان تعمل من التدابير ما تمكن الجميع من الشراكة السياسية.
خامساً التدخل الخارجي في قضايا السودان وشؤونه أصبح واضحاً جداً والخرطوم صارت ناديا مخابراتيا كبيرا، ولذلك نحتاج ان نجعل القرار وطنيا كاملا، خاصة وان الخارج يعمل لمصالحه لا مصالح السودان، وجعل كل العمل السياسي بيد آخرين وجعل الشراكة السياسية نافلة وهي فرض.
عليه رسالتي لحاضنة الحكومة السياسية وكذلك لمجلس شركاء الفترة الانتقالية وحتى للإخوة الجانب العسكري، يجب أن تؤسسوا على العمل لشراكة سياسية وتكوين منبر لهذا الغرض يناقش قضايا الوطن الكبرى، لأن السلطة الانتقالية مؤقتة ومحددة المهام، ومشاكل السودان محتاج حلها لإجماع وشراكة سياسية لا تستثني احدا.
أرجو ان تعلموا ان الوطن للجميع ودوركم تنظيم كيف ان يسع الجميع.
تحياتي