سراج الدين مصطفى يكتب.. أخطاء السر قدور المؤلمة
(1)
قبل دخولي لمجال الإعلام والصحافة تحديدا.. وقبل أن ألتقي بشخصيات الساحة الفنية المعروفة والمشهورة.. كنت أرسم لهم صورة ذهنية محددة فيها الكثير من المثالية.. كنت أعتقد بأنهم بشر خارقون وليس مثلنا.. ولكن تلك الصورة إنكسر إطارها حينما أقتربت من بعضهم ووجدت الفوارق الكبيرة بين ما كنت راسمه قبلا وما وجدته واقعا.. وعدد كبير منهم تمنيت أن لا ألتقي به أبدا حتي لا تنهار تلك الصورة.. وكانت هناك شخصيات بمثابة صدمة قاتلة..
(٢)
لذلك كانت خلاصة التجربة أن نحتفظ بمسافة بيننا ومن نحب.. أقول ذلك ليس من باب التعميم على كل الوسط الفني.. فهناك أسماء كبيرة التقيت بها في الشأن العام وامتدت علاقتي بها حتى اللحظة.. ومن النماذج الأخلاقية التي أحتفى بها الدكتور عبد القادر سالم.. الإنسان الاستثنائي بمعنى ومبنى الكلمة.. والفنان العظيم أبوعركي البخيت نموذجي الطيب للأخلاق الرفيعة.. والفنان عمر إحساس وهو إنسان مميز للحد البعيد في علاقاته المجتمعية.. ولن أستثني من هذه القاعدة المبدع الأصيل عمر الشاعر.
(٣)
فهو مبدع تتقاصر أمامه الكلمات كإنسان وكفنان.. جمعتني به علاقة (ملح وملاح).. رجل على درجة عالية من الخلق الرفيع وطيب المعشر.. يقابلك بابتسامة عريضة لا تفارق وجهه الوضيء..
وأنا لا أخفي محبتي الشخصية له أبداً.. وأفخر بأنه بمثابة الأخ الأكبر والصديق الحميم الذي ألجأ له كلما تناوشتني هموم الحياة فأجد عنده الملجأ والملاذ.. أقول ذلك عن عمر الشاعر الإنسان الذي اقتربت منه.. أما عمر الشاعر الفنان فذلك لا يحتاج للكتابة.. فهو يسكن وجدان كل سوداني تشبع وتشرب بأغنياته التي صدح بها رفيق دربه زيدان أو غيره من الفنانين..
(٤)
جمعتني قبل أيام قلائل مكالمة هاتفية مطولة مع (جنابو عمر) تحادثنا في الكثير من المواضيع ما بين الخاص والعام ولكن توقفنا في جزئية مهمة وهي أهمية وجود (الباحث البرامجي) في أي برنامج.. وتناولنا أهمية ذلك لبرنامج جماهيري ومهم كأغاني وأغاني.. وأن لا يعتمد علي البرنامج فقط علي ذاكرة الاستاذ السر قدور.. فهو حاليا في سن ٨٧ أمد الله في أيامه.. وهذه السن ربما يصحبها تشويش في الذاكرة مما يسهم في تقديم معلومات خاطئة كما حدث في أغنية (البيني بينك) التي نسب لحنها لزيدان إبراهيم وهي أصلا من إلحان الفنان والملحن الراحل (الفاتح قميحة) ومن كلمات الشاعرة الراحلة (حكمت محمد يس) وأيضاً المعلومة الخاطئة حول أغنية (ليك مدة ما بنت) وهي من كلمات وألحان (عبد الرحمن الريح) وليس من ألحان الراحل العظيم الفنان (محمد أحمد عوض)..
(5)
تكرر ذات الخطأ في الحلقة التاسعة التي خصصت للفنان الراحل حمد الريح.. حيث نسب لحن أغنية (لو عارف عيونك) للملحن الكبير عبد اللطيف خضر ود الحاوي وهي في الأصل من ألحان (عمر الشاعر) وفي الحلقة العاشرة من البرنامج أخطأ السر قدور أيضاً وهو ينسب لحن أغنية (لو بتعرف) للملحن أحمد المك والصحيح أن ملحنها هو الراحل عازف الكمان أحمد المبارك.
(6)
ومثل تلك الأخطاء الكارثية لها انعكاسات سالبة فهي أولا تكرس للمعلومة الخاطئة وفي ذلك تغيير وتزييف في التاريخ.. ولها أثارها النفسية السالبة كما لمحت ذلك في نبرة الأسي التي كان يحادثني بها المبدع الشاعر.. فهو كما يبدو لي من كلماته قد تضرر نفسياً أمام أسرته وأمام المجتمع وأمام كل الشعب السوداني.. لذا من الواجب على قناة النيل الأزرق أن ترد الحقوق لأصحابها وتصحح تلك المعلومات الخاطئة التي بثتها عبر برنامج أغاني وأغاني.
(7)
المبدع محمد أحمد عوض.. فنان بسيط في كل شيء ولكنه عميق القيمة الفنية لأنه ببساطته تلك استطاع أن يكون مدهشاً وتجاوز حتى الذين يتغنون بالموسيقى والآلات .. كان محمد أحمد عوض يكرس للتطريب الشفيف ويجعل من تجربته الخاصة تجربة مشاعة لكل الناس.. محمد أحمد عوض أو ملك الأغنية الشعبية كما يحلو للبعض تسميته بذلك عرفه الناس في بداية الستينات وهو الذي ادخل تعريف «الأغنية الشعبية» وكان من ضمن أربعة مطربين أقاموا اتحاد فن الغناء الشعبي.
(8)
يتميز محمد أحمد عوض بأن صوته من الأصوات القوية والنادرة والمعبرة وله مساحات تطريبية كبيرة قلما نجدها عند أي فنان شعبي. تعاون مع الشعراء عبد الرحمن الريح وسيف الدين الدسوقي، وأحمد باشري، ماضي خضر، حسن الزبير، عبد الله السماني، عمر الشيخ، وغيرهم. وفي بداية حياته الفنية أهداه عبد الكريم الكابلي أغنية عشمتيني في حبك ليه؟ وهي من كلماته وألحانه وأهداه الكاتب والممثل الفكاهي الفاضل سعيد أغنية أبويا يا يابا ما تقول ليه لا.. كل أغنيات محمد أحمد عوض من ألحانه ما عدا القليل جداً منها إذ أنها من ألحان عبد الرحمن الريح والملحن أحمد المبارك..
(9)
غدًا أعود بإذن الله لإنصاف عبد الرحمن تأسيسًا على الفقرة أعلاه التي تحدثت فيها عن الملك محمد أحمد عوض.