(1)
ثمة تقاطعات ينبني عليها برنامج أغاني وأغاني.. فهو أولاً برنامج رابح جدا لقناة النيل الأزرق من الناحية المالية ويعتبر الأعلىً دخلا وإنتاجاً ما بين كل البرامج في كل القنوات السودانية وتخصص له ميزانية ضخمة تقدر بالمليارات.. وذلك سبب كافٍ للأطماع التي تحوم حوله وما يليها من شبهات.. كما أن الاختيار للبرنامج عادة لا يلتزم بالمواصفات الفنية والاشتراطات والقدرات الإدائية..
(2)
وفي زمن ما وقبل قيام الثورة كان الاختيار يتم بقرارات فوقية من شخصيات نافذة في الدولة.. وحتى داخل البرنامج هنالك مراكز قوة لها سطوة وقرار يتدخل حتى في اختيار الأغاني ومن يؤديها.. مع أن ذلك من المفترض أن يتم وفق القدرات الأدائية والصوتية.. لذلك نجد أن بعض الأصوات الشابة والجديدة التي تم أختيارها للظهور في البرنامج في الأعوام السابقة فشلت في أثبات وجودها بسبب الأختيار الخاطئ للأغنيات التي لا تتناسب وأصواتهم..
(3)
ولن أذهب بعيدًا في وجود مثال حي لما ذكرت.. وهي الصوت الجديد (لينا قاسم) والتي لم تظهر حتى الآن قدراتها الأدائية والصوتية بسبب منحها أغنيات لا تناسب صوتها مطلقاً..
بتقديري أن الصوت الجديد لينا قاسم يمكنها أن تشكل إضافة جادة للصوت النسائي في السودان وهي يمكنها أن تملأ بعض الفراغات التي تحدث أحيانا بسبب المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها أي فنانة في السودان.. ولينا قاسم تتحرك في مساحة صوتية تتحرك ما بين (الألتو والسبرانو) كما أفادني من سألته عن خامتها الصوتية ذات الخيال الأدائي العالي وقدرتها علي التحرك بجمال وفق قدراتها الصوتية.. لذلك تجدني أنحاز لها كصوت واعد يمكنه أن يكون باعثا للأمل بظهور فنانة تملأ بعض الفراغات التي تركتها حنان النيل وأسرار بابكر.
(4)
تميزت غنائية الاستاذ الهادي حامد ود الجبل بعدة خيوط إبداعية وليس براعته في التلحين هي سمته الأبرز ولكنه يتميز بخاصية انتقاء المفردة الشعرية المختلفة.. والهادي حامد فنان مغامر في زمن قلت فيه المغامرات الفنية فتحول بذلك لمدرسة غنائية وحالة تلبسها الكثير من باب التقليد.. وواحدة من إبداعات الهادي رهانه على مفردة شعرية جديدة غير سائدة ومختلفة عن المستسهل من الشعر..
(5)
ونحن حينما نتوقف في التجارب الجادة لا يمكن أن نتخطى الهادي أبداً.. وقد يقال على الفنان الذي يراهن على نص جديد بأنه صفوي ونخبوي وهذا ليس رأياً مزعجا.. وأستطيع أن أقول بأن الهادي اختط طريقاً لا يشبهه فيه أحد.
. الهادي حامد فنان ممتاز وله ملكات لحنية متجاوزة وأداؤه جديد ومتميز..
(6)
ولكنه فنان سيئ الحظ برغم الذي قدمه من أغنيات جميلة ولكنه لم يأخذ وضعيته الاعتبارية ويبدو أن هجرته الى ليبيا وتنقلاته ما بين السعودية والخليج ساهم في عدم استمراره واستقراره ولكنه برغم ذلك من المفترض أن يأخذ حقه من التقييم والقراءة في تجربته الموسيقية.. ولكن في تقديري ـ هو فنان مؤثر في الحركة الفنية والغنائية بدليل أن معظم الأجيال الغنائية الحالية تغني بطريقته ومتأثرة به.. ورغم كل ذلك يغيب فنان بقامته عن برمجة رمضان.
(7)
عادل مسلم فنان مبدع جملته الموسيقية تنتمي للحداثة ألحانه ذات ثراء نغمي بديع.. أفكاره اللحنية متجاوزة لحال السائد من الألحان الدائرية والرتيبة.. يحشد للنص تصاوير جديدة من حيث القدرة على التعبير والتحلل من الأنماط اللحنية العادية.. وهو يحمل ذات الملامح السودانية القديمة من حيث الموهبة العظيمة في مجال الألحان.. فهو يعد من العباقرة في مجاله.. وهو يمكنه أن يسير على ذات الدرب الذي مشى عليه من قبل ملحنين كبار أمثال برعي محمد دفع الله وعبد اللطيف خضر ود الحاوي وعمر الشاعر.
أتمنى أن تكون هذه الحلقة هي بداية الالتفات لتجربة مغايرة مثل عادل مسلم وحالة الغيبوبة الفنية التي نعيشها حالياً تقتضي التوقف والانتباه لمثل عادل مسلم.. وكلي ثقة بأننا لو جلسنا يوما ما لإحصاء التجارب الجادة فلن نتجاوزه مطلقا.