السودان بلدٌ مُتعدِّد الأعراق والأديان والإثنيات، وبلدٌ مُترامي الأطراف، كل سُكّانه سياسيون، وسُكّانه مُتعلِّمهم وجاهلهم ومثقفهم يجيد ساس يسوس، وتجد الكل يتحدّث في الشأن العام في كل الأماكن والمواقع، والكل مُطّلعٌ على العالم ويتابعون ما يدور في العالم كلّه وبشغفٍ وكأنّه السودان.
قامت ثورة التغيير بالسودان في أبريل ٢٠١٩م وتكوّنت الحكومة الأولى الانتقالية تكنوقراط، ثُمّ بعد عامٍ أو أكثر وقّعت اتفاقية السلام في جوبا وتَكوّنت الحكومة الثانية خليطٌ بين أحزاب الحُرية والتّغيير وحركات الكفاح المُسلّح، وتكوّنت حاضنةٌ سياسيةٌ جديدةٌ، وسُميت مجلس شركاء الفترة الانتقالية من حركات الكفاح المُسلّح والعسكر وأحزاب الحرية والتغيير، وهذه الحاضنة صار منصوص عليها في الوثيقة الدستورية والتي خُرقت في أماكن ومواد كثيرة.
ثانياً كانت الفترة الانتقالية في الوثيقة الأولى تسعة وثلاثين شهراً، الرئاسة فيها مناصفة بين العساكر والمدنيين، ثم صفر العداد وجاءت فترة انتقالية مُدتها تسعة وثلاثون شهراً جديدة بعد توقيع اتفاقية السلام في جوبا.
الآن وقّعت اتفاقية مبادئ بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو وهذه أيضاً تستدعي فترة انتقالية جديدة وتصفير العداد.
عليه:
١/ تتطاول الفترة الانتقالية باستمرار لتأخذ كل اتفاقية سلام وقت ومدة حكم جديدة.
٢/ أزمات السودان المُختلفة مُستمرة وفي ازدياد، منها أزمات المعاش وأزمات الخدمات وأزمات الحياة والوضع الأمني الداخلي في المدن وخاصةً الخرطوم، والأزمة الاقتصادية على أشدّها، والنعرات القبلية والجهوية ترفع وتيرها وتزداد، بل الخلافات داخل مُجتمع السودان تتفاقم باستمرار بعد توقيع كل اتفاقية سلام.
٣/ كل هذه الأزمات هي نتاج للأزمة السياسية التي تضرب الوطن وهي التي تقبض بتلابيب السودان. ويؤثر ذلك على كل مناحي الحياة، وكلما تطاولت الفترة الانتقالية كلما زادت الازمة السياسية وزاد على إثرها باقي الأزمات.
٤/ تطاول الفترة الانتقالية معناها ستستمر البلاد بتدابير انتقالية ومؤقتة، وهذه التدابير قطعاً تمنع قيام انتخابات، ولذلك تؤخر قيام حكم ديمقراطي مُنتخب مفوض من الشعب، وتظل البلاد تحت الإدارة المؤقتة التي تُمارس في كثيرٍ من الأحيان مهام الحكومة المُنتخبة وهذا ما يجري الآن.
حيث إنّ مهام الانتقال مُحدّدة ومعروفة لا تتجاوز وضع البلاد وتجهيزها للانتخابات، ولكن يُلاحظ أن حكومة الانتقال تعمل عمل الحكومة المُنتخبة ولا تتحدّث عن الانتخابات مُطلقاً ولَم تبدأ أية خطوة في الطريق، لذلك لا تعداد سكاني ولا شروع في قانون الانتخابات ولا تحديد الدوائر ولا.. ولا.
٥/ الوثيقة الدستورية صارت محل تعديل كلّما قامت اتفاقية سلام، وتكون هنالك حاضنة سياسية جديدة، بل صارت قابلة للتعديل كلّما جدّ جديدٌ بأمر مجلسي السيادة والوزراء، وهما الجهاز التشريعي مجتمعين بنص الوثيقة الدستورية.
٦/ وطيلة الفترة الانتقالية السابقة لم يتم قيام المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية مُعطّلة.
٧/ بهذا الوضع غيّبت تماماً إرادة الشعب السوداني مع كثرة الأزمات التي تعلو ولا تنخفض، وخاصة أزمات المعاش والخدمات وأمن المواطن، بل التدخُّل الخارجي في القرار الوطني.
إذن كل هذه الحالة بأزماتها المختلفة، تحتاج لمصالحة وطنية شاملة يحدث فيها تراضٍ سياسي جمعي وطني ليعمل الجميع على استقرار الفترة الانتقالية والمُشاركة في صناعة دولة السودان بعد نهاية الفترة الانتقالية. وخاصة أن فترة الانتقال صارت مفتوحة ومتطاولة، وتوسّعت سلطات وصلاحيات أجهزة الحكم الانتقالية لما كان لا مجال لإقامة انتخابات الآن وهي وسيلة الحكم الأمثل، ولا أعتقد أن كل أجهزة الدولة سيادية وتنفيذية راغبة في ذلك، وكذلك الحرية والتغيير.
إذن الحل لقضية الوطن الآن مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحداً ولا تمنع أي مُجرم أو مُفسد من العقاب والمصالحة الوطنية، تدفع الوطن الى التعافي السياسي، وتعمل استقراراً للوطن وثباتاً واستقراراً للفترة الانتقالية.
تحياتي