الخرطوم- عبد الله عبد الرحيم
أعلن جيش تشاد عبر التلفزيون الرسمي أمس (الثلاثاء) مقتل الرئيس التشادي إدريس دبي إتنو متأثراً بإصابة على جبهة القتال في معارك مع حركات مسلحة. وتدور المعارك منذ أيام في منطقة زيكي بإقليم كانم شمالي البلاد بين القوات الحكومية وحركات مسلحة، وقد أسفرت عن مقتل المئات، وإن دبي كان يقود بنفسه معارك ضد حركات مسلحة.
وتم الإعلان في أنجمينا عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي لمدة (18) شهراً لإدارة البلاد وحل البرلمان وإقالة جميع أعضاء الحكومة. وتفيد مصادر (الصيحة) من داخل العاصمة أنجمينا أنه تم تشكيل المجلس العسكري الانتقالي، من عضوية عشر شخصيات عسكرية برئاسة ابن الرئيس المقتول محمد (كاكا) إدريس دبي قائد الحرس الجمهوري وعضوية محمد إسماعيل شيخو القائد العام وقائد الاستخبارات الطاهر أردا. وأكد المصدر أنه تم إعلان حالة الطوارئ بالبلاد وإعلان حالة عدم التجول تبدأ من الساعة السادسة مساء وإغلاق الحدود البرية للبلاد. فيما تأكد استقرار الوضع الأمني بالبلاد بعد أن تم حسم المعارضة التشادية ومقتل قائدها ونائبه.
ولكن معلومات تقول إن (جبهة التناوب والتوافق في تشاد) الجماعة المتمردة على حكم الرئيس التشادي إدريس دبي وهي مجموعة سياسية عسكرية معظم أعضائها من قبائل الغوران الصحراوية في شمال البلاد قد أعلنت الثلاثاء التحرير الكامل لمنطقة (تيبستي) الشمالية.
رواية جديدة:
وتفيد معلومات جديدة أن الرئيس التشادي إدريس دبي إتنو تعرض لخيانة من أحد حراسه الشخصيين في طريق العودة من المعارك في الشمال، وقد تحفظت المعارضة التشادية على خبر مقتل دبي، فيما كشفت مصادر تشادية لصحفيين في باريس عن مقتل دبي بواسطة أحد حراسه الشخصيين. وتطابقت تقارير المعارضة مع شخصيات قيادية في تشاد حول ملابسات وفاة الرئيس إدريس ديبي. وأبلغت المصادر الصحفيين أن الرئيس المغدور ديبي كان قد تعرض إلى ما وصفته بالمؤامرة بعد أن فتح عليه حرسه النار من مسافة قريبة وذلك في طريق عودته من جبهات القتال مع المعارضة. ووفقاً للرواية فقد أصيب ديبي في الرأس حيث فشلت معها محاولات إنقاذه فتوفي بعدها بيوم واحد.
الوضع حذر:
وكشفت مصادر دبلوماسية تحدثت لـ(عزة) من أنجمينا، أن الأوضاع في تشاد وعاصمتها أنجمينا حذرة للغاية وقابلة للانفجار في أي لحظة في أعقاب مقتل الرئيس التشادي على أيدي خصومه أمس. وقالت المصادر إن السفارة السودانية بانجمينا والقنصلية في أبشي وضعت خطة متكاملة لإجلاء الجالية السودانية والطواقم العاملة في حال حدوث انفلات أمني. وأفادت المعلومات أن الحكومة التشادية تحارب المعارضين حالياً بقيادات الصف الثاني في الجيش بعد مقتل خمسة من كبار جنرالات دبي وجرح مثلهم في المعارك التي دارت بين الأطراف المتصارعة. وأشارت المعلومات لرفض مكتوم بين الأوساط لتعيين نجل دبي محمد كاكا رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي لأنه مخالف للدستور. ولم تستبعد المصادر انفجار الوضع في أية لحظة إضافة لتخوفات من الانفلات الأمني سيما في ظل الانتشار الكثيف للسلاح في أيدي المواطنين.
السودان ينعاه:
تقدم رئيس وأعضاء مجلس السيادة الانتقالي بصادق العزاء والمواساة للشعب التشادي الشقيق في وفاة الرئيس إدريس ديبي إتنو، الذي تلقينا نبأ وفاته أمس الثلاثاء ومجلس السيادة إذ ينعاه ويترحم عليه يذكر بالأدوار الكبيرة التي قام بها الراحل في تعزيز العلاقات الأخوية بين السودان وتشاد، فضلاً عن جهوده ودعمه لتحقيق السلام بالسودان، إلى جانب دوره وإسهامه الفعال في خدمة قضايا القارة الأفريقية وتوثيق أطر التعاون المشترك بين شعوب المنطقة.
ووصل ديبي، قائد الجيش السابق، إلى الحكم عام 1990 عندما أطاحت قواته المتمردة بالرئيس السابق حسين حبري، الذي أدين لاحقاً بانتهاكات حقوق الإنسان في محكمة دولية بالسنغال. وعلى مدار سنوات، نجا ديبي من عدة عمليات تمرد مسلحة، وتمكن من البقاء في الحكم حتى آخر تمرد قادته جماعة تطلق على نفسها “جبهة التغيير والاتفاق في تشاد”. ويعتقد أيضاً أن المتمردين تدربوا وسلحوا في ليبيا المجاورة قبل العبور إلى شمال تشاد يوم 11 أبريل. وجاء وصول المتمردين في اليوم نفسه الذي سعى فيه رئيس تشاد لتولي فترة سادسة يوم الانتخابات التي قاطعها عدد من أبرز مرشحي المعارضة.
إدريس ديبي ــ الميلاد
إدريس ديبي مواليد 1952، رئيس تشاد ورئيس حركة الإنقاذ الوطنية. ينتمي لقبيلة الزغاوة أرسل إلى فرنسا للتدريب، وعاد إلى تشاد في 1976، بقي مواليا للجيش وللرئيس فليكس معلوم. دب خلاف بينه وبين حسين حبري رئيس تشاد الأسبق، واتهمه حبري بالتخطيط لانقلاب. ترك تشاد واتجه إلى ليبيا ثم السودان وشكل ما يعرف بـ”جبهة الإنقاذ الوطنية” المدعومة من ليبيا والسودان وبدأ الهجوم ضد حسين حبري سنة 1989، واستولى على أنجامينا سنة 1990. متزوج من هيندا ديبي اتنو. اتسمت علاقته مع ليبيا بالود والتقارب بعد أن كان من أشهر أعدائها خلال الحرب بين البلدين. أما مع السودان فيتهم إدريس ديبي السودان بدعم المتمردين الذين أوشكوا على احتلال أنجامينا سنة 2008. قام بتعديل الدستور وبموافقة شعبية عارمة، حيث رشح نفسه لفترة رئاسية ثالثة، مما أثار استياء المعارضة، ووصفت فترة رئاسته “بالاستقرار الأمني والتحسن الاقتصادي الملموس”. حسب آراء بعض المواطنين حيث يتمتع بشعبية عارمة بين أوساط قبيلة الزغاوة. ويعد وصوله للحكم فترة انتقالية بين الدكتاتورية إلى الديمقراطية ومن إنجازاته استخراج البترول التشادي عام 2003 وكذلك في عهده انطلقت أول قناة فضائية للتلفزيون التشادي عام 2009 . في 2 ديسمبر 1990، وبدعم من فرنسا، أطاح بحسين حبري من السلطة واستبدله في 4 ديسمبر بلقب رئيس مجلس الدولة. ثم عيّن رئيساً لجمهورية تشاد في 28 فبراير 1991 بعد إقرار الميثاق الوطني. فاز في الانتخابات الرئاسية للأعوام 1996 و2001 و2006 و2011 و2016. وفي العام نفسه، في 30 يناير 2016، انتخب رئيساً للاتحاد الأفريقي لمدة عام واحد. وهو حاليًا واحد من أقدم القادة الحاليين في العالم مع ما يزيد قليلاً عن 30 عامًا في السلطة.
السودان في عهد دبي:
استطاع السودان وتشاد تجاوز فترة الخلافات الثنائية بينهما والتي وصلت لأوجها في العام 2008 حينما بدأ كل طرف منهما دعم معارضة الطرف الآخر، ووصل الصراع المسلح والمواجهات إلى أطراف وداخل عاصمتي البلدين ويقول د. أبوبكر آدم الخبير والمختص في العلاقات السودانية التشادية، لـ(الصيحة)، إن الطرفين تجاوزا هذه الخلافات بصورة سريعة ووقعا على اتفاق مشترك قضى بإبرام ميثاق لجيش مشترك لحماية الحدود بينهما مستمر إلى الآن تحت قيادة مشتركة من الجيشين تقسم ستة أشهر لكل طرف وتتخذ من أبشي مقراً لها. وقد عادت العلاقات بين البلدين إلى حالة من التصافي والتواؤم في المواقف الدولية. وكان دبي مشاركاً في المناسبات السودانية وداعماً لكل الخطوات السودانية بالداخل والخارج بل وإنه كان وسيطاً ناجحاً بين الحكومة السودانية والمعارضة في أصعب الأوقات اشتداداً.
محب للسودان وشعبه
وقال نائب رئيس الحركة الشعبية شمال ياسر عرمان إن إدريس ديبي استطاع خلال تقلبات إقليمية ودولية مميتة؛ أن يحافظ على وحدة شمال وجنوب تشاد وهي شبيهة بجنوب وشمال السودان ونجح فيما فشل فيه السودانيون مع اختلاف الوقائع والمعطيات. وقال عرمان إن ديبي كان محباً للسودان وللسودانيين ودرس مراحل تعليمه الأولى في السودان وبدأ في كرنوي، وفي حديث مطول له معه في آخر زيارة لانجمينيا؛ قال عرمان تحدثنا عن الفرص المهدرة في علاقات البلدين. وأشار عرمان إلى أن السودان خسر من سياسات نظام البشير وعدوانه وتآمره المستمر على تشاد؛ الأمر الذي أدى الى انضمام تشاد إلى تجمع سياسي واقتصادي وعملة واحدة مع بلدان غرب أفريقيا وابتعادها عن السودان. وشارك إدريس ديبي في الحرب على الإرهاب في غرب أفريقيا وفعل ما لم يستطعه الجيش النيجيري الكبير. وقال عرمان إن رحيل إدريس ديبي له آثار عميقة على تشاد وعلى الإقليم ويضع تبعات على السودان فهو صاحب خبرة ودربة في موازنات الشأن الإقليمي قلما تتوفر لغيره. وأكد أن دبي دفع في اتجاه سلام السودان متحدثاً عن حوارات طويلة دارت معه حول مستقبل العلاقات بين وتشاد السودان. وزاد عرمان: في جوبا حينما حضر ضامناً وموقعاً على اتفاقية سلام جوبا قال لي يجب أن تأتي الى تشاد لزيارتنا قريباً وقد اتصل بي أحد الدبلوماسيين التشاديين مؤخرًا قبل عدة أسابيع وتحدثنا حول الزيارة. وقال: رحل دبي ولكن تبقى قضايا تشاد ومستقبلها من اختصاص التشاديين مشيراً إلى أن رحيله خسارة كبيرة لتشاد والإقليم.