تقرير – نجدة بشارة
في خطوة وصفها مراقبون بالتصعيدية، كشفت معلومات عن دفع السودان بخطاب إحاطة شاملة لمجلس الأمن الدولي عبر بعثته الدائمة بنيويورك خلال اليومين الماضيين حول التعقيدات التي تمر بها مُفاوضات سد النهضة والتعنت الإثيوبي بشأنها.
وأكدت مصادر ذات صلة بملف سد النهضة وفقًا لـ(الصيحة), أنّ الحكومة لم تتلق حتى اليوم أي موافقة على الدعوة التي قدمها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لعقد لقاء قمة ثلاثي لبحث التداعيات في ظل تعليق المُحادثات واقتراب الموعد الإثيوبي للملء الثاني.
ووفق المعلومات، فإن كلاً من القاهرة أو أديس أبابا أو (كينشاسا) عاصمة الكنغو باعتبارها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي لم ترد سلباً أو إيجاباً على دعوة حمدوك.
وقالت المصادر (إنه في حالة عدم تلقِّي الرد على عقد الاجتماع حتى الأسبوع الحالي، فإنّ الموقف العام من اللقاء يكون الرفض).
وأكدت أن دعوة حمدوك جاءت وفقاً لاتفاق إعلان المبادئ الذي أشار في أحد بنوده لأهمية عقد لقاء على مُستوى الرؤساء في حال وصول الأطراف المتفاوضة لطريق مسدود.. وفي الأثناء بدأ القلق يكتنف المشهد مع اقتراب الموعد المضروب من قبل اثيوبيا ببداية الملء الثاني لسد النهضة.. ويتساءل متابعون هل استنفد السودان الخيارات الدبلوماسبة المتاحة مع أثيوبيا؟.
نقطة اللاعودة
في تصريح سابق كان وزير الري السوداني، ياسر عباس، أكد في مقابلة مع صحيفة “الشروق” المصرية أن السودان “يدرس خطوات تصعيد عديدة ضد إثيوبيا، لكن لم يصل بعد إلى نقطة اللاعودة في أزمة سد النهضة”.
وتابع عباس بقوله “أولى خطوات التصعيد، سنقيم دعاوى قضائية ضد إثيوبيا، ثم دعاوى قضائية ضد الشركة الإيطالية المنفذة لسد النهضة”.
وأكمل وزير الري السوداني “أما الخطوة التصعيدية الثالثة فهي التوجه بالقضية برمتها إلى مجلس الأمن”.
كما أوضح وزير الري السوداني أن “كل المقترحات باللجوء لأي محكمة ما زال قيد الدراسة وهناك خيارات متعددة كثيرة.
وأردف بقوله “لا يُمكن أن نقول بأن الأزمة وصلت إلى نقطة اللاعودة باعتبار أن هناك سُبلاً للتفاوض والتباحث بين الدول الثلاث، وهو الطريق الأمثل لحل الخلافات بشأن الملء والتشغيل والجوانب القانونية التي تحفظ حقوق الدول الثلاث، وهناك كثير من الخيارات التى يُمكن اللجوء إليها”.
لكن أما الآن وبعد لجوء السودان إلى مجلس الأمن يثير استفهامات كثيرة من خلال تصريحات عباس وهو هل دخل السودان إلى نقطة اللاعودة بذهابه إلى مجلس الأمن؟.
حفظ حقوق:
المحلل الأستراتيجي والأكاديمي د. عصام بطران قال في حديثه لـ(الصيحة)، إن السودان تأخر كثيرا في اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي نسبة إلى أن مجلس الأمن يمثل المنظم للقوانين والأطر الدولية وبالتالي سيحفظ حقوق السودان دولياً.. وقال إن الخرطوم والقاهرة قضيتهما مشتركة لجانب العبور والمصب وخواتيم حصص المياه بينما أديس أبابا تمثل المنبع ولها واجبات وحقوق نص عليها القانون الدولي فيما يتعلق باستحقاقيات المياه، وأردف: مجلس الأمن الدولي حالياً المنبر الأصلح للفصل بين هذه الدول .
وأشار إلى أن السودان كان ولا يزال يطرح الخيارات بينما ظلت إثيوبيا منعنتة في مسألة المفاوضات.. وبالتالي يحق للاول أن يدعم موقفه القانوني دولياً وذلك بالتأكيد لا يعني استنفاده للخيارات الدبلوماسية وإنما تحسباً لأي نزاع مسلح قد ينشب في حال استمرار اثيوبيا ف غلق الأبواب أمام السودان ومصر.
كرت ضغط :
وبسؤاله إذا كانت خطوة السودان ستمثل كرت ضغط على أثيوبيا للجلوس للتفاوض؟ يقول بطران: على العكس تمامًا أن سياسة الأمر الواقع فرضتها أثيوبيا على دولتي المصب.. وهذا يتطلب الوصول إلى اتفاق لإرضاء جميع الأطراف.. وليس الضغط من كل الأطراف لأنه سيقود إلى نزاع وحرب تتضرر منها كل مناطق القرن الأفريقي.. وهنالك دول لم ترفع العصا حتى الآن وفي حال نشوب أي نزاع ستتدخل هذه الدول.. وبالتالي حسناً فعل السودان بإحاطة مجلس الأمن بالتعقيدات التي تمر بها مفاوضات سد النهضة.
في الوقت ذاته، استبعد نشوب حرب بين الدول الثلاث وما يحدث اعتبره مجرد كروت ضغط للوصول بالقضية إلى إعلاء سقوف الخيارات المطروحة.. وقال إن مطالب السودان مازالت مشروعة لجهة مطالبه بتنظيم جريان المياه وحتى لا يتسبب الملء الثاني للسد في أضرار له وخيار السودان التفاوض ثم التفاوض.
ضرورة أم استعجال
في المقابل جاءت مطالب على رأس الدولة، للتدخل الدولي في الملف تحسباً لحرب مياه قادمة مالم يستجب المجتمع الدولي، وقال العميد الطاهر أبوهاجة المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة السوداني، إن حرب المياه قادمة وبشكل أفظع إذا لم يتدخل المجتمع الدولي. وأضاف أبو هاجة، في تصريحات سابقة نشرت على موقع للجيش وأكدها في اتصال مع الجزيرة، أنه لا يوجد سبب قوي لخلق الأعداء أكثر من الحرمان من المياه. وأوضح أن مواقف أثيوبيا ورفضها كل الخيارات المطروحة لحل مشكلة سد النهضة ورفضها كل الوساطات تكشف بجلاء عن نيتها المبيتة لعدم التعاون، وهذا ما فسره مراقبون على أنه تحذيرات قوية وضرورة أن يبين السودان موقفه للمجتمع الدولي.
لكن في اتجاه آخر رأى الدبلوماسي د. جمال محمد في حديثه لـ(الصيحة) استعجال السودان لخطوة مخاطبة مجلس الأمن الدولي لجهة أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قدم طلباً قبل يومين لقمة ثلاثية لبحث التداعيات .
وقال: كان حرياً بالسودان انتظار ردود الفعل من الاتحاد الافريقي عن الدعوة التي قدمها قبل استباق الخطوة بتقديم الأحاطة لمجلس الأمن.
تصعيد مضاد
في المقابل وعقب إطلاع الخرطوم مجلس الأمن آخر التطورات في ملف سد النهضة.. صعدت أثيوبيا من لهجتها “الأحد” وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في تغريدة له إنه قبل بدء المرحلة الثانية من ملء سد النهضة، ستطلق إثيوبيا المزيد من المياه من تخزين العام الماضي من خلال المنافذ المكتملة حديثاً، مشيراً إلى أن عملية الملء ستتم بموعدها في يوليو وأغسطس المقبلين.
وأضاف أحمد: “مكّنت الأمطار الغزيرة العام الماضي من نجاح ملء سد النهضة.. في حين أن وجود السد نفسه منع بلا شك حدوث فيضانات شديدة في السودان المجاور”.
وتابع: “قبل مرحلة تعبئة السد الثانية، تقوم إثيوبيا بإطلاق المزيد من المياه من تخزين العام الماضي من خلال المنافذ المكتملة حديثاً، ومشاركة المعلومات”، مشيراً إلى أن “عملية التعبئة التالية ستتم فقط خلال أشهر هطول الأمطار الغزيرة في شهري يوليو وأغسطس المقبلين، ما يضمن الحد من الفيضانات في السودان”.
وكانت الخارجية السودانية أكدت في تصريحات سابقة لـ”الشرق” أن إثيوبيا تصر على المضي قدماً في إجراءات الملء الثاني لسد النهضة، على الرغم من الخطر الذي يشكله ذلك على حياة السودانيين.
وقالت الخارجية إن “إثيوبيا تنوي ومصرة على إلحاق الضرر بالسودان من خلال الملء الثاني لسد النهضة”، مشددة على أن “إثيوبيا متعنتة على الرغم من علمها بأن الملء الثاني يهدد حياة الملايين من السودانيين وله عواقب وخيمة”.
ودعت الخارجية السودانية إثيوبيا إلى “مراعاة الاتفاقيات الدولية من أجل الوصول لاتفاق ملزم بشأن ملء سد النهضة.