مُصنّفة دولة مؤسسات.. التقارُب السوداني الأمريكي.. سلحفائي أم تحكمه مصفوفات مُلزمة؟
تقرير – مريم أبشر
في حوار أجرته معه قناة العربية الجمعة الماضية قال رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية تمضي بصورة بطيئة وسلحفائية لا سيما في الجانب الاقتصادي، مضيفاً أنه ليس كما كان السودان يتوقع خاصة بعد الإيفاء بالمطلوبات من (جانبنا) في وقت أكد أن الجوانب الأمنية فيها تعاون جيد، وأنهم ينظرون لأمريكا كشريك استراتيجي حقيقي. وقال البرهان إن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تحدث تغييراً في السياسة الموضوعة من قبل الإدارة السابقة، وأوضح أن الإدارة الجديدة طلبت مصفوفة كما كانت تطلب سابقتها، واعتبر أن ذلك لا يساعد في تطوير العلاقة بل يعقد الأمور أكثر، غير أنه ومن المعروف بالضرورة أن الولايات المتحده الأمريكية دولة مؤسسات وتقيم علاقاتها الخارجية وفق أسس واستراتيجيات ثابتة لا تتغير بتغير الرؤساء والحزب الحاكم فيها، فضلاً عن ذلك، فإن علاقات واشنطن مع الخرطوم عقب ثورة ديسمبر المجيدة وفق رؤية خبراء ومراقبين مضت بخطى متسارعة نحو التطبيع وأسهمت التفاهمات التي تمت خلال الفترة الماضية في رفع اسم السودان من قائمة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب فضلاً عن منح السودان الحصانة السيادية، لكن يبدو وفق مراقبين أن عدم اتضاح الرؤية السياسية للحكومة الانتقالية وعدم الاستقرار وبعض حالات التشاكس بين شقي الحكومة المدني والعسكري والتأخير في تنفيذ الوثيقة الدستورية واتفاق سلام أسهم في إبطاء عجلة التقارب الأمريكي السوداني إلى حد ما خاصة وأن الإدارة الأمريكية تتعامل مع الأنظمة والحكومات المستقرة والسودان لن يكون استثناء.
دولة مؤسسات
واتفق السفير والخبير الدبلوماسي الصادق المقلي مع حديث البرهان فيما اسماه بسلحفائية العلاقات السودانية الأمريكية.. لكن لا بد من القول إن هذا البطء له مسوغاته القانونية من وجهة النظر الأمريكية. فالمصفوفة التي أشار إليها البرهان مدرجة في التشريع الأمريكي المعروف بقانون دعم التحول الديمقراطي في السودان والمحاسبة والشفافية المالية، يحتوي على 16 بندًا تخص مسار العلاقات بين البلدين آنيًا ولاحقاً. فامريكا دولة مؤسسات لا تعمل بحكاية رزق اليوم باليوم، واعتبر الصادق في حديثه لـ(الصيحة) أن واشنطن وبعد نجاح ثورة التاسع عشر من ديسمبر وضعت مصفوفة هي بمثابة خارطة طريق عبر خطوات ممرحلة لتدرج علاقاتها مع الخرطوم وصولًا للتطبيع الكامل.
وأضاف أن المصفوفة تم وضعها وفق قوانين التشريع الأمريكي الخاص بالكنغريس الأمريكي بشقيه البرلمان والشيوخ وتمت إجازة القانون (2020) بالأغلبية ومضيفاً أن القانون أكد على دعم الانتقال الديمقراطي وفقًا للشفافية والمحاسبية وأنه يجب على الحكومة الانتقالية الالتزام بها مع الولايات المتحدة وزاد: هذه المنصفوفه ليست عصا أو جزرة كما كانت تتعامل واشنطن مع النظام البائد إنما خارطة طريق متكاملة يجب على الخرطوم أخذها أو تركها, ولفت للخطوات الإيجابية التي اتخذتها واشنطن مع الحكومة الانتقالية من إبداء لحسن النوايا ابتدرتها بترفيع التمثيل الدبلوماسي ورفع العقوبات ومنح السودان الحصانة السيادية.
ووصف المقلي تلك الخطوات بالإيجابية خاصة وأنها أعادت السودان للعالم بعد عزلة امتدت ثلاثة عقود وعبرها عاد السودان للمجتمع الدولي ومؤسساته المالية المانحة فضلاً عن المنح المليارية التي دفعتها واشنطن للسودان حتى يصبح قادراً للتعامل مع المؤسسات المالية وبالتالي تحفيز المساعي الدولية لإعفاء ديونه الخارجية، وفي هذا الخصوص لفت للقاء المهم الذي جمع رئيس الوزراء مع وكالة التنمية الدولية وتقديم منحة تقدر بـ 2 مليار ونصف مليار دولار لاستعادة حركة التنمية، فضلاً عن إبداء عدد من الشركات الأمريكية الرغبة للاستثمار في السودان. غير أن المقلي لفت إلى أن استكمال خطوات المصفوفة من قبل واشنطن مرتبط لحد كبير بخطوات التدرج نحو الحكومة المدنية في السودان وفقاً للوثيقة الدستورية، وأشار إلى أن الرئيس الأمريكى مطالب بتقديم شهادة أمام الكونغرس حول الخطوات التي أنجزتها الحكومة الانتقالية فيما يلي مدنية الدولة وانتقال الرئاسة من المكون العسكري للمدني وفق الوثيقة، أضف إلى ذلك بجانب المصفوفة هنالك أيضًا عامل آخر يتحكم في اكتمال تطبيع العلاقات هو التطبيع الكامل مع إسرائيل وقال: كلما حدث تقدم في المصفوفة الأولى والثانية الخاصة بالتطبيع مع تل أبيب مضت خطوات علاقات التقارب مع واشنطن ومؤسسات التمويل الدوليةـ سيما وأننا شئنا أم أبينا مسار التطبيع مع أمريكا وما يتم من خطوات إيجابية في هذا الصدد مربوط إن لم يكن مرهونًا كما ورد على لسان مسؤولين سودانيين مع مسار التطبيع مع إسرائيل. ولفت المقلي إيضاً إلى أهمية إكمال عمليات الإصلاح المتعلقة بالنظام المصرفى والاسثمار وإجراء تعديلات على قانون الاستثمار، لافتاً إلى أن رؤوس الأموال الأجنبية مربوط دخولها بإجراء تلك الإصلاحات .
خطأ التطبيع :
واعتبر ما تم حتى الآن من تطبيع مع إسرائيل خطأ دبلوماسياً باعتبار انه وفق القانون الدولي أي خطوة لتبادل الزيارات أو إقامة علاقات مع أي دولة لا بد أن يسبقها توقيع اتفاق وإقامة علاقات دبلوماسية أولاً وأضاف أنه حتى الآن لم يتم توقيع اتفاق سلام بين الخرطوم وتل أبيب أضف إلى ذلك فإن توقيع أي اتفاق مرهون بموافقة المجلس التشريعي الذي لم يشكل.
الرؤية غير واضحة
في ذات خط الربكة الداخلية للحكومة الانتقالية، مضى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات عبد الرحمن خريس في حديثه لــ(الصيحة) أمس، رابطًا بطء العلاقات بين الخرطوم وواشنطن لحالة الربكة وعدم وضوح الرؤية للحكومة الانتقالية حتى الآن مؤكداً أن أمريكا دولة مؤسسات لا تتأثر بتغيير الرؤساء وأنها تقيم علاقاتها على هدي خطط استراتيجية سياسية واضحة وثابتة وقال إن انقسام الرؤية داخل شقي الحكومة المدني والعسكري أدى لتذبذب العلاقة مع أمريكا خاصة وأن هنالك مكونات حزبية داخل الحكومة ترفض الإمبريالية ومضيفًا أنه لا بد من وضوح الرؤية وحدوث استقرار سياسي وسلام لجهة أن التغيير السياسي للأنظمة غير كافٍ لأمريكا لتنفتح على السودان.
العشوائية :
أما الدكتور صلاح الدومة الخبير الأكاديمي فقد أمن هو الآخر على مؤسسية الأجهزة الأمريكية واتهم بعض أطراف الحكومة خاصة الشق العسكري بالتدخل في الملفات ليس من صميم صلاحياتهم وفق الوثيقة الدستورية وأشار في حديثه لــ(الصيحة) أن تدخلات المسؤولين في الشق العسكري بمن فيه رئيسه البرهان هي محاولات للعب دور أكبر من المخطط لهم وقال إن الولايات المتحدة يبدو أن لديها ملاحظات على أداء الحكومة خاصة وأن هنالك تلكوءاً في تنفيذ الوثيقة الدستورية واتفاق سلام جوبا.
ملاحظات:
واتفق السفير والناطق الرسمي السابق لوزارة الخارجية محمد إبراهيم في أن الولايات المتحدة قد تكون لديها ملاحظات حول أداء الحكومة الانتقالية وتحركات بعض أفرادها، مضيفاً بأن هناك بطئاً واضحاً في تنفيذ التزامات الحكومة فيما يلي اتفاق السلام ومصفوفات الوثيقة الدستورية.