الخرطوم- عبد الله عبد الرحيم
الأحداث التي تشهدها بعض ولايات السودان وخاصة الولايات الغربية ولاية غرب دارفور وحاضرتها الجنينة، أعادت للأذهان ذكرى الانفلات الأمني الذي شهدته ذات الولاية عقب سقوط النظام البائد ما دفع بالبعض إلى الإشارة إليه بضلوعه في تلك الأحداث، لكن سرعان ما ثبت بما لا يدع مجالاً للشك درجة الهشاشة الأمنية والمجتمعية العالية لتلك الأوساط التي نشأت خلالها تلك الأحداث وأفرزت أحداثاً مأساوية، وكان نتاجها هو الصراع القبلي لتلك المكونات بتلك الولاية. وليت الأمر انتهى هناك، فقد انتقلت جذوة تلك الصراعات إلى الولايات المجاورة ما ساعد في تفاقم الأزمة وأضرارها الكبيرة في الأرواح والأنفس والأموال.
تلك الأحداث دفعت الجميع للتنادي لإيجاد مخرج لها يضع حداً لتفاقمها، فنشطت المبادرات المجتمعية الكبيرة والاجتماعية ومنها مبادرة لمركز دراسات “إشراقات الغد” الذي ساهم من خلالها في طي الخلافات بين المكونات القبلية بتلك الولايات. ولكن سرعان ما بدأ بركان الخلافات ينشط هناك ولم يطل على إخماد نيران الصراعات الكثير من الوقت. وبالأمس عقد مركز “إشراقات الغد” ورشة تناولت شرحاً مفاهيمياً لاتفاقية سلام السودان الموقعة بجوبا أواخر أكتوبر الماضي، تحدث فيها عضو مجلس السيادة رئيس الجبهة الثورية د. الهادي إدريس بجانب الأستاذ معتصم أحمد صالح القيادي بحركة العدل والمساواة، ولفيف من قيادات وأكاديميين وخرجت بالعديد من التوصيات.
انتقال التفلت
وخلال حديثه حذّر الهادي إدريس عضو المجلس السيادي الانتقالي، رئيس الجبهة الثورية من أن ما حدث في دارفور من انفلات أمني شهدته الأسبوع الماضي وراح ضحيته أكثر من مائة شخص وجرح آخرين، يمكن حدوثه في الخرطوم، مشيراً إلى أن هناك معلومات عديدة تؤكد من أنه ينتظر فصل الخريف لتفجير الأوضاع في كل الولايات. وزاد أن الوضع القائم الآن والسلام، هناك من لا يريده وأن الصراعات هناك من يقف خلفها.
وانتقد رئيس الجبهة الثورية وضع الجيوش الكبير في السودان، مشيراً إلى أن هناك بطئاً وتراخياً في تنفيذ اتفاق السلام، ملقياً باللائمة على الجانب الحكومي بقوله: الحكومة تتحمل ما يحدث من خلال بطئها في إنفاذ مقررات السلام، وزاد “ما حدث بالجنينة يمكن أن يحدث بالخرطوم”.
بيد أن إدريس أبدى تفاؤله بقوله “رغم كل ذلك إلا أن هناك فرصاً كبيرة لإنفاذ السلام، وأن هناك إرادة سياسية من كل الأطراف لإنفاذ الاتفاق. وقال: نحن نقود دولة هشة، وأن أي فشل سيهدد الوضع عامة في السودان. وأكد إدريس أن الاتفاق جاء بمكاسب كبيرة للسودانيين وللمتضررين من الحروب، لكنه قال إن الحكومة الانتقالية ورثت تركة تحديات كبيرة من الحكومة السابقة. وقال الهادي إن الاتفاق مفتوح وإن هناك قضايا تم تحويلها للشعب، وإنه لم يبت فيها حتى الآن مثل قضايا الإقليم، مبيناً أنه لا بد من إدارة حوار مع كل السودانيين حول إنفاذ مقررات سلام جوبا. وأشار أنه رغم توقيعنا لهذا السلام في هذه الفترة، إلا أن هناك من يقول لنا إنكم جئتم في الزمن الخطأ. مبيناً أنه لا يوجد شخص لديه مصلحة في إلغاء اتفاقية السلام، لكنه رأى أن التركة الثقيلة لمخلفات الحكومة البائدة هي ما تعتري طريق إنفاذه الآن. مشيراً إلى أن الاتفاقية تم توقيعها بإرادة تامة والتفاف قوي، ولم يجبروا عليه إطلاقاً. وأكد أن الحكومة الانتقالية لديها إشكالياتها بعد أن ورثت بلداً مفلساً تماماً ولا تمتلك المال لإنفاذ مقررات السلام، وقال إن جزءاً كبيراً من تباطؤ تنفيذ اتفاق جوبا نابع من هذا الضعف. ووصف إدريس مؤتمر الحكم القومي والانتخابات ليستا بحدث وإنما عمليات تنتظر الجانب العملي للخروج بها إلى فضاءات التطبيق والإنفاذ.
أزمة وطنية
رئيس الجبهة الثورية طالب بضرورة شرح الاتفاق للشعب السوداني ليسهل تنفيذه، مؤكداً أن الاتفاق قومي وعلى السودانيين أن يدافعوا من أجل إنفاذه. وكان الهادي قد طاف على معظم ولايات السودان لشرح اتفاقية جوبا للسلام في السودان وتمليكه لأصحاب المصلحة الحقيقيين من النازحين وسكان المعسكرات والذين نزحوا إلى المدن السودانية الكبيرة في الولايات الآمنة. وأكد الهادي أن الاتفاق وصل لكل السودان وطاف على الكثير من مدن وقرى السودان، لكنه لا زال يحتاج للتعريف به لأنه لا زال بعيداً عن تنفيذه على الأرض.
وأكد الهادي إدريس رئيس الجبهة الثورية، أن اتفاق جوبا عالج الكثير من المشاكل التي ورثناها وسميناها “بالأزمة الوطنية” مؤكداً أن الاتفاق جاء نتاج عمل شاق وحوار دؤوب لأطراف كثيرة، الجانب الحكومي وحركات الكفاح المسلح ودولة جنوب السودان التي لعبت دوراً محورياً في مفاوضات السلام بين الأطراف السودانية. وقال إنه تم بحث المشكلة السودانية منذ 1956م لاستيعاب التنوع وبحث الحلول الاجتماعية والسياسية للأزمة، وقال إنهم قد توصلوا إلى أن هناك مشكلة حقيقية بعد طرقهم على كل القضايا السودانية، وأشار إدريس إلى أن الاتفاقيات السابقة فشلت لأنه لا توجد عوامل نجاحها من إرادة سياسية جديدة. وقال إنهم ابتدروا منهجية جديدة لإدارة الحوار خلال منبر جوبا، مؤكداً أن تاريخ السودان كله اضطرابات وحروب وعدم استقرار سياسي واقتصادي وغيره. وقال إن موضوع المسارات نتج عندما أرادت القيادات أن تكون هناك مسارات أخرى لتباحث الأزمة، غير المسار القومي المعروف، موضحاً بأنها قد أسيئ فهمها، مشيراً إلى أنه من المهتمين بالعدالة الانتقالية ولديه قناعة راسخة أنها لا بد من أن تحدث مساومة حولها. ولذلك يرى إدريس أن الاتفاق الراهن يرجى منه معالجة اختلالات إرث الوطن وقضاياه مع العدالة الانتقالية. موضحاً بقوله: لا بد من أن تكون هناك مواقف واضحة للكيفية التي سيتم بها تقسيم الثروة بين بني الوطن.
مستويات الحكم
من جانبه، أوضح عضو لجان التفاوض معتصم أحمد صالح القيادي بحركة العدل والمساواة، الذي قدم ورقة عن قسمة السلطة والثروة أن اتفاقية السلام أقرت بإعادة حكم السودان بنظام الأقاليم بعد إضافة إقليمي جبال النوبة والنيل الأزرق وأوضح أن مؤتمر الحكم الإقليمي المزمع عقده في الفترة المقبلة يجب أن يحدد مستويات الحكم، وهو غير معني بما تم الاتفاق عليه بخصوص دارفور في اتفاقية السلام، إلا بالإضافة.
وأكد معتصم أن اتفاق السلام أمن على إعطاء أبناء دارفور نسبة عشرين بالمائة من وظائف الخدمة المدنية بالمؤسسات الحكومية مع تخصيص نسبة 17% في الكليات العلمية في المعاهد والجامعات السودانية مجاناً لأبناء دارفور مع تخصيص 20 في المائة من المنح الداخلية والخارجية لهم، وأوضح أن اتفاق السلام أقر بإعفاء أبناء دارفور في المعاهد والجامعات من الرسوم الدراسية، وأن الحكومة التزمت خلال الاتفاق بتخصيص 750 مليون دولار سنويًا لصندوق إعمار دارفور لإعادة بناء ما دمرته الحرب.
وقدمت في الورشة العديد من أوراق العمل التي تناولت وضعية إنفاذ اتفاق جوبا بطريقة تخرج البلاد من مآلات تكرار الصراعات وردم الهوة وإضفاء روح الشرعية على الاتفاقية التي ستساهم في عودة السودان لمربعه الإقليمي والدولي.