في الذكرى الثانية لسقوط الطاغية.. أهداف الثورة لم تكتمل!!
الخرطوم- الصيحة
لم يكن الثوار الذين ضاقت بهم ساحة القيادة العامة، يتوقّعون أن تؤتى نضالات الأشهر الأربعة التي خاضوها كراً وفراً، في مُواجهة القبضة الأمنية للنظام، منذ منتصف ديسمبر وحتى بداية أبريل، تؤتى أكلها في أربعة أيام فقط بعد وصولهم ساحة القيادة واعتصامهم أمام مقر الجيش، إذ لم تكن الأوضاع تُنبئ بتغييرٍ قريبٍ، خاصةً في ظل محاولات فض الاعتصام المتتالية التي عمدت جهات عدة لتنفيذها، أفشلها بشكل أساسي انحياز القوات المسلحة للثوار والعمل على حمايتهم، مقدمين في سبيل ذلك شهداءً وجرحى، ولكن في وسط ذلك الخضم تفاجأ الثوار فجر الخميس 11 أبريل 2019م، بإرهاصات التغيير تترى وما لبث أن ثبت قبل شروق شمس اليوم، أن شرقت شمس الوطن بإعلان زوال عهد الظلم الذي جَثَمَ على صدر الوطن لثلاثة عقود.
ساعة النصر
الحادي عشر من أبريل 2019م، استحق عن جدارة أن يكون ساعة النصر واكتمال هلال ثورة ديسمبر المجيدة، إذ تُوِّج اعتصام القيادة العامة للقوات المُسلّحة الشهير، بإزاحة البشير والطُغمة الحاكمة، من خلال انحياز المُؤسّسة العسكرية لثورة الشعب وخياراته، بعد ثورة تراكمت لسنواتٍ وعضّدها التصعيد المُستمر من ديسمبر 2018م وصولاً لاعتصام عجّل برحيل الإنقاذ.
فجر الخلاص
فيما يشبه الحُلُم، بدأ فجر الحادي عشر من أبريل بدايةً مُختلفةً، تُنبئ بفرحةٍ قادمةٍ، فالمَارشات العسكرية والبيان المُرتقب من القوات المُسلّحة السُّودانيّة يعني أمراً واحداً، هو أنّ الجيش قرّر الانحياز لخيارات الجماهير السُّودانية، التي قالت كلمتها بشأن استمرار حكومة البشير، ودوّنت كلمة واحدة ظلّت تُردّد منذ بداية الثورة وأيام الاعتصام “ارحل”، وكان للجماهير ما أرادت.
فرحة الانتصار
ألوان طيف الشَّعب السُّوداني تدافعت لداخل ساحة الاعتصام تترقّب بيان القوات المُسلّحة لساعاتٍ طويلةٍ، بين مُصدِّقٍ ومُكذبٍ، وبين واثقٍ من النصر وآخر يخشى الأسوأ، حالة أشبه بالفرح الهستيري اجتاحت الجُمُوع والهتافات وزغاريد النساء تشق عَنَانَ السَّماء، تعطّل مُعظم خُطُوط المواصلات يومئذٍ لم يمنع المواطنون من التدافع، قاطعين مسافات طويلة من شرق النيل والكلاكلة وجنوب الخرطوم وأمدرمان وبحري صوب القيادة التي ضاقت وتمدّدت مساحاتها لتستوعب الملايين الهادرة ولسان حالها يُردِّد مع العملاق وردي “باسمك الشعب انتصر.. حائط السجن انكسر”.
تحفظ
كان الجميع يتدافعون نحو ساحة الاعتصام، حتى قبل أن يدركوا ماذا حَدَثَ وسَيحدث، وكأن العقل الجمعي اختار أن يكون الجميع كتلةً واحدةً وفي مكانٍ واحدٍ، أيّاً كان القادم، واتّسعت دائرة الفرح لاحقاً مع إذاعة النبأ السَّعيد “تم التحفُّظ على رأس الدولة ووضعه في مكان آمنٍ، قيد الإقامة الجبرية” وإن كانت حينها فرحة الشعب قد ولدت منقوصة كون أنّ من أذاع بيان النصر كان وزير دفاع المخلوع، لكن الجميع فرح على الأقل بخلع الرئيس، فقد كان ذلك عنواناً لنشيد آخر لوردي العملاق يقول “بلاء وانجلاء.. حمد الله ألف على السلامة.. إنهد كتف المقصلة”.
تفاصيل السقوط
السَّاعات الأخيرة التي سَبَقَت ذلك اليوم الذي غيّر تاريخ السودان، ولحظات القبض على البشير، “والتحفُّظ عليه في مكان آمن” كانت عامرة بالتفاصيل الدقيقة، فقد أكد مصدر (الصيحة)، أنّ أول من أخبر البشير بسُقُوطه هو رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ومَضَى مصدر الصحيفة قائلاً (بعد ذلك ذهب البرهان لإذاعة البيان، بيد أنه قام بتقديم الفريق عوض بن عوف رئيساً للمجلس العسكري، الأمر الذي أدّى لاشتعال شرارة الثورة من جديد برفض الثوار لـ”ابن عوف”)، وأضاف: “كانت هنالك ضُغوطات كبيرة من قِبل الدولة العميقة وتخوّفنا من أن يفشل المُخطّط كلياً”، وكشف أنّ عملية السُّقوط تمّت بمراحل، وأشار للدور الكبير الذي قام به جهاز الأمن والمخابرات في عملية التغيير، وأن الفريق صلاح “قوش” أعلن انحيازه للثورة، وأنّ مواقف الدعم السريع كانت واضحة منذ البداية ومُساندة للتغيير.
رفض أوامر
ونوّه المصدر إلى أنه وعند اجتماعهم الأول بالمخلوع البشير في بداية التظاهرات، طلب البشير من “حميدتي” فض الاعتصام، ولكن جاء رد “حميدتي” واضحاً ورفض ذلك بشدة في وجه البشير، وأوضح أنّه تمّ عقد اجتماع آخر بمنزل الفريق ابن عوف في الثالثة صباحاً للبحث عن حُلُولٍ قبل السُّقوط، ولكن التظاهرات وقتها كانت قد اشتدّت خارج القيادة، وبدأ البعض يُنادي بحلول أمنية وليست سياسية، وكان هنالك جدلٌ كبيرٌ جداً في الاجتماع لم يخلُ من الشتائم، إلا أنّ صلاح “قوش” أكّد للكل أنّ الحل سياسيٌّ قبل أن يكون أمنياً وإنه “لازم نصل إلى قيادات الحراك السياسي في الشارع للتفاوض معهم”. ربما يسند رواية المصدر ما قاله لـ”الصيحة” القيادي بحزب البعث السوداني محمد وداعة، الذي أكد أن صلاح قوش اجتمع بهم ليل الأربعاء، وأكد لهم أن هناك تغييراً قادماً.
مياه تحت الجسر
عامان مَرّا على السقوط الكبير لنظام الإنقاذ، مَرّت خلالهما الكثير من المياه تحت الجسر كانتا عامرتين بكثير من التفاصيل منها الجيد، شاكلة خروج السودان من دائرة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات الاقتصادية عن كاهله ما يُمكنه من الاندماج الاقتصادي، ومنها توقيع اتفاق السلام الذي يمضي متعثراً حتى الآن، غير أن كل ما تم إيجابياً تهزمه أزمات متتالية تأخذ بزمام المواطن الذي نزلت عليه ثورته وبالاً اقتصادياً ونكالاً كبيراً، لكن أهم ما يشغل بال المواطن حتى الآن هو استحقاقات الثورة التي لم تكتمل بعد، فلا تزال مؤسسات الحكم المدني في الولايات غائبة، ولا تزال أركان الحكم منقوصة في غياب السلطة التشريعية الرقابية على الحكومة، بينما ينتقص ركن العدالة بعدم تكوين المحكمة الدستورية، ما يجعل الثورة حتى الآن مُشتعلة من الثوار الممسكين على جمرها سعياً لتحقيق أهداف شعارها الأساسي “حرية.. سلام وعدالة”.
آمال
وفي ذكرى السقوط الثانية، ينتظر المواطن بحسب استطلاعات أجرتها “الصيحة”، إكمال مؤسسات الحكم وتنفيذ اتفاق السلام، وإكمال نواقصه بضم الحركات غير الموقه، فضلاً عن فرض هيبة الدولة وسيادة دولة القانون في العاصمة والولايات لمنع مظاهر التفلتات التي حصدت مئات الأرواح البرئية، ويناشد المواطنون مجلس الوزراء بالعمل على إنشاء سياسات واضحة لتنفيذ أهداف الثورة، مُشيرين إلى أن المواطن ظل صابراً، كونه لم يفقد الأمل حتى الآن في أن الحكومة الانتقالية قادرة على إحداث التغيير.