في انسدادِ الأفق هذا، يلوّحُ مثقّفون من الاتّحادي المعارض بموضوع الانتخابات المبكّرة. لكأنَّ الانتخابات هي المَخرجُ من الأفق المنسدّ هذا. ذلك أنَّ الوقائعَ تُشيرُ إلى أنَّ النيّةَ مبيّتةٌ بتأخير الانتخابات أو الزوغان منها. في الوقتِ الرّاهن يمكنُ قراءة الدّعوة الاتّحاديّة المثقّفة على أنّها أوّلُ الغيث في الاتّجاه الصّحيح، بالرّغم من خلوّ الخطوة من اجتراح الحلّ، وعقمها عن استيلاد مستقبلٍ جديد. فالبناء الحزبي الرّاهن لا يبشّرُ بخير. ليس هناك من أطروحات سياسيّة أو غيرها لدى أي من الأحزاب. جوهر الفكرة الاتّحاديّة المعارضة هي معارضتها للحكومة السّابقة التي أُطِيحَ بها، ومعارضتها لكلّ خطّ من خطوط السيّد محمد عثمان الميرغني وأبنائه. ليس هناك من أبنيةٍ فكريّة أو برامج سياسيّة أو اقتصاديّة. سيكون على الجميع تلفيق كلامٍ عن الدّيمقراطيّة والحرّيات وحقوق الإنسان. وهي ذات الكلامات التي سيجري تلفيقها من قِبَلِ المؤتمر السُّودانيّ، مع بعض أشعار مدرسة الغابة والصّحراء وعباراتٍ أدبيّة منمّقة، تُشبه الجمعيّات الأدبيّة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. ذات الأمر – أو شبيهٌ له – ستفعلُه الأحزاب الأخرى. بحيث يمكنُ وصفُ الحال بأنّه “مملكة التشابه”، باستعارة عبارة صديقنا النّاقد الكبير محمّد الرّبيع محمّد صالح، وهو يصف المشروع الشّعريّ لمصطفى سند.
مصطفى سند، الشّاعرُ الكبير وتلاميذه أقاموا صفحات النّقد في الصّحف السّودانية، أيّامها، ولم يقعدوها. كيف لنّاقد مغمور طارئٍ على المشهد الثّقافيّ أنْ يصف مشروعاً متفرّداً بأنّه عبارة عن “مملكة تشابه”. على، محمّد الربيع محمّد صالح ترك النّقد وانزوى في الدّوحة، العاصمة القطَريّة، تاركاً المملكة كلّها، متشابهةً وغير متشابهة.
المفردة والتراكيب، الأخيلة الشّعرية والصوّر، الموضوعات التي عكف عليها الشّاعر سند، هي التي جعلت الرّبيع يصمه. فماذا لدينا هنا؟ يصفُ الجميعَ الوضعَ بأنّه مُزرٍ، سياسيّاً. ليس هناك من أحدٍ يغالط في عجز الحكومة عن أداء واجباتها تجاه مشكلات المواطن وأزماته. تتفاقم كلَّ يومٍ وكلّ ساعة، لكنْ ليس من أحدٍ من الأحزاب المكوّنة للحكومة الرّاهنة يستطيعُ أنْ يصف طّريق الخروج. تدخلُ نملةٌ وتأخذ حبّة وتخرجُ. يتحدّثُ الجميعُ بصوتٍ واحدٍ يقولون ذات الكلام ويبرِّرون ذات المبرّرات التي تُقعِدُ بالحكومة عن أداء واجباتها. العبارة الرّنانة “ورثنا مشكلاتٍ متراكمة منذ ثلاثين عاماً”. حسناً. هل من خطّة للخروج من كلّ ذلك؟ لأنّه ببساطةٍ شديدة تمَّت إضافة مشكلات الثلاثين عاماً القادمة في عامين، وليس من سبيلٍ للخروج.
حينَ يتعلّقُ الأمر بالمستقبل، فإنَّ الجميعَ يرونه زاهياً دون بذل أيّ جهدٍ ليكون كذلك. لكأنّما ستمطرُ السماء ذهباً لو أنّنا أجرينا الانتخابات نهاية هذا العام، وفازتِ الأحزاب المفترّض فوزها واستلمتِ الحكم. من المشروع – بالطبع – أنْ يكون هناك سقفٌ زمنيٌّ وقانون للانتخابات وتشكيل للمفوّضيّة وتقسيم للدّوائر أو غير ذلك مما يضمنُ لنا حكومةً شرعيةً تأتي عبر الصّندوق. لكنْ ذلك ليس هو الحلّ. فمنْ يتنافس على الفوز هي ذات الأحزاب الخاوية الوفاض، المتشابهة مثل أشعار مصطفى سند، على رأي محمّد الرّبيع محمّد صالح، دون أنْ يكون لدى واحدٍ منها خطّة للخروج من أزماتنا. وبالتّالي فإنَّ قيام انتخاباتٍ مبكّرة لن يغنينا، أبداً. ما يعوزنا هو أفكارٌ كبرى، وبرامج سياسيّة واضحة وأفق للخروج، نظر مستقبليّ جرئ يعيدُ الأمل إلى الغلابة والمستضعفين. سأقف هنا ضدَّ تأخير الانتخابات والتلاعب بنا لتطويل أمد الفترة الانتقاليّة، وضدّ الدّعوة لانتخابات مبكّرة – قبل انقضاء أجل الفترة الانتقالية – لتحقيق مكاسب سياسيّة أو إفساح المجال لمزيد من الفشل ليجثم، واضعاً مبرراتٍ للاستيلاء على الحكم، وضدَّ أنْ تستمرّ حكومة بائسة لا تملكُ رأياً أو فعلاً يشفي غليل المواطن ويُخاطب احتياجاته.