ولايات السودان .. بدأت منها الشرارة.. وكان النصر
أجراه: محمد : إيهاب: أحمد: أنس
يعتبر يوم الحادي عشر من أبريل يوماً خالداً في تاريخ السودان، ففي هذا اليوم من العام 2019م انتهى أطول فترة حكم للسودان امتدت لثلاثين عاماً، واليوم تمر الذكرى الثانية لسقوط نظام الإنقاذ وتسلم المجلس العسكري لزمام الأمر في السودان، وما كان لهذه الخطوة أن تتم لولا خروج كل الولايات في مواكب مستمرة رفضت جميعها لنظام الحكم السابق، وبمناسبة هذه الذكرى الثانية نستعرض الحراك الذي دار في بعض ولايات السودان لنعتبر لما هو قادم في مستقبل السودان.
الدمازين.. الشرارة
مثلت مدينة الدمازين حاضرة ولاية النيل الأزرق شرارة الثورة بلا منازع، حيث كان لطلاب وتلاميذ مدارس الدمازين قصب السبق في الخروج الذي كان بسبب الأزمات الماثلة حينذاك المتمثلة في أزمة الخبز والوقود والمواصلات وانعدام السيولة، الشيء الذي جعل تلاميذ المدارس بشمال الدمازين يخرجون في تظاهرة لم يكن الكثيرون يظنون أنها الشرارة لثورة ديسمبر، وتوالت حالات الخروج بالمدينة ثم حي قنيص بالرصيرص لتجد بقية المدن التي خرجت بعد ذلك، وقد انكسر حاجز الخوف، ويتواصل التصعيد بالنيل الأزرق في شكل مواكب ووقفات احتجاجية من قبل المحامين وتعم حالة الثورة مدن وأرياف الولاية، وتنتظم حركة الاحتجاجات عبر الواجهات التنظيمية المختلفة، إلى أن جاء الاعتصام أمام قيادة الفرقة الرابعة مشاة بالدمازين، وتنتشر اللوحات واللافتات تحمل شعار حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب، ومن ثم أصبحت منطقة الاعتصام مكاناً للأنشطة السياسية والمخاطبات، إلى أن جاء يوم الحادي عشر من أبريل بإذاعة بيان الثورة وبزوغ فجرها، وقد كان يوماً له طعمه الخاص في ولاية النيل الأزرق، حيث التعبير عن الفرح بالسلمية ولم تسجل أي حالات تفلت أو اعتداء على مؤسسة أو قيادي من قيادات النظام السابق، أو تخريب للممتلكات حيث امتاز الجو بالفرح وجابت حاضرة الولاية الدمازين السيارات يرفرف عليها علم البلاد ويعلو صوت الأناشيد الوطنية وإشعال الحماس.
وقد أجرت الصيحة استطلاعات مختلفة مع فئات مختلفة بالنيل الأزرق حول الذكرى.
أكدت مشاعر عثمان ـــ ربة منزل ــ أن مواطني النيل الأزرق تفاءلوا كثيراً بالتغيير، وأنهم خرجوا من أجل تحقيق أهداف معينة أهمها الاهتمام بمعاش الناس وأن يتحقق السلام ويعيش المواطن في أمان، وقالت مشاعر: رغم كل الآمال العراض، إلا أن تلك الأهداف لا زالت تحيط بها الصعاب والمهددات، بيد أنها أكدت أنهم حتى الآن مازالوا متفائلين وعلى الحكومة الاجتهاد للخروج من هذا الوضع.
ويرى دكتور الرفيع بابكر محمد رجب، حسب تقديره أن الحكم هبة إلهية إن أحسنا التعامل معها وأقمنا العدل والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات وما حدث من تغيير فيه رسالة عظيمة وهي أن الله ينزع الملك ممن يشاء، وأما على صعيد الاقتصاد فما زلنا نتردى ونسأل الله أن يصلح الحال والمآل.
بينما يقول أحمد موسى الحاج ــ محاسب ــ إن الثورة لم تحقق حتى الآن ما خرجت الجماهير من أجله، وإن مبدأ المحاسبة لم يفعل والتحقيقات لم تظهر نتائجها حتى الآن، كما أن الوضع الاقتصادي أسوأ من قبل، ولم يظهر حتى الآن ما يدل على أنها حكومة كفاءات.
وقال وليد علي آدم ــ إعلامي ــ إن ذكرى 11 أبريل تمر على الولاية في صمت وسكون، إلا من احتفالات في إطار محدود نسبة للوضع الصحي مع كورونا وبالمقارنة مع الوضع الراهن نجد أن عقارب الساعة عادت للوراء ومازالت الولاية تعيش أزمة الخبز والوقود والغاز والسوق يجتاحه غلاء الأسعار، مع غياب كلي لآليات الرقابة وضبط انفلات الأسواق. وأكد أن ذكرى أبريل تمر على الولاية وهي تعيش أوضاعاً صعبة صحيًا واقتصادياً، ومازالت طموحات المواطنين وآمالهم معلقة في انتظار إنزال شعارات الثورة على أرض الواقع. وأكد أن التغيير المنشود ما زال قيد الانتظار وهناك فجوة كبيرة بين مكونات الولاية والوعي الثوري بأطراف الولاية يحتاج لدفعة قوية.
وقال مهند خبير ــ وهو أحد مواطني الدمازين لـ(الصيحة) ــ إن ثورة 13ديسمبر المجيدة تمكنت بقوة الشباب واستبسال الكنداكات والصمود الأسطوري للشعب السوداني من إسقاط أكبر وأطول دكتاتورية ظلت جاثمة على صدر الشعب السوداني… وتمكنت الثورة بسلميتها التي شهد لها العالم من إسقاط الطاغية وزبانيته وبطانة السوء التي التفت حوله، وإزاحته الثورة فسقط بشخوصه ورموزه وأزيحت قيادات الصف الأول من رأس الدولة.
وقال مهند إن مسيرة الثورة قد مضت في تحقيق العدالة وتوجت العدالة بحكم القصاص على قتلة الشهيد المعلم أحمد الخير الذي مثل أيقونة للثورة. ومضت الثورة في تحقيق شعار الحرية بإلغاء قانون النظام العام وإلغاء صلاحيات جهاز الأمن الباطشة وتحويله إلى جهاز تقتصر مهمته في جمع وتحليل المعلومات فقط.
ولكنه قال: يظل التحدي الأكبر في إنجاز بقية الأهداف وأهمها تحقيق السلام الشامل العادل عبر مخاطبة جذور مشكلة الحرب وإعادة النازحين والمهجرين إلى ديارهم وإنجاز العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية. ويظل إحداث التحول الديمقراطي وإرساء معالم دولة القانون من أهم الغايات. وكذلك يبرز إلى السطح التحدي الاقتصادي ومشروع نهضة السودان وكيف يمكن استغلال الموارد الطبيعية وتطويرها لتحقيق دولة الكفاية والرفاهية. وكذلك التأسيس للبنيات التحتية وتقديم الخدمات الجيدة في التعليم والصحة.
بورتسودان ..أم الثورة
فيما يرى أهل مدينة الساحل بورتسودان أم المدائن يرون أن لهم القدح المعلى في هذه الثورة، وأول من أوقد نارها، وذلك إثر احتجاجات نتيجة لقرار زيادة سعر الخبز من جنيه إلى ثلاثة وصادف ذلك زيارة لرئيس الجمهورية المخلوع الذي جاء إلى المدينة صباحاً إلى مكان الاحتفال المعد فلما نشبت الاحتجاجات رجع إلى المطار على متن هليكوبتر وبعدها لم تهدأ المدينة حتى السقوط، هذا ما أكده لـ (الصيحة) رئيس تحرير صحيفة الفجر الجديد التي تصدر ببورتسودان، حيث قال:
لقد كان لمدينة بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر القدح المُعلى في تفجير ثورة ديسمبر المجيدة، من هنا من مدينة بورتسودان وتزامن الحراك الثورى بمدينة بورتسودان مع زيارة للرئيس المخلوع عمر البشير في التاسع عشر من ديسمبر 2019م وهي الزيارة التي استقبلتها الولاية بزيادة أسعار الخبز من واحد جنيه إلى ثلاثة جنيهات الأمر الذي أشعل شرارة الاحتجاجات ببورتسودان.
وأشار: صحيح كان هنالك حراك هنا وهناك منذ 13 ديسمبر 2018م، ولكن الانفجار الجماهيري الكبير بدأ من مدينة بورتسودان كأول مدينة، وقد قال ذلك مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني لنظام الإنقاذ البائد الفريق صلاح قوش في مؤتمر صحفي في أيام الحراك الأولى. وأشار رئيس تحرير الفجر إلى أن المواكب في بورتسودان كانت متعددة ومتنوعة ما بين مواكب كبيرة وأخرى صغيرة في المدينة الرئيسية والأحياء ورغم عدم سقوط أي شهيد، إلا أن الثوار الأماجد دفعوا ثمناً باهظاً من الانتهاكات الجسيمة والإهانات وعدد من الإصابات أربعة منها كانت إصابات خطيرة وامتلأت معتقلات الأمن بالمعتقلين الذين فاق عددهم مئتي معتقل وتعرض بعضهم للضرب والتعذيب والشتم والإهانات، وتم ترحيل أكثر من اثنين وستين معتقلاً إلى معتقلات الأمن بالخرطوم.
وأضاف بأنه تزامن مع الاعتصام الذي بدأ فى 6 أبريل 2019م أمام القيادة العامة للقوات المسلحة اعتصام أمام الفرقة (101) ببورتسودان، وكان تعبيراً حياً وميدانياً عن الثورة السودانية تضمنت أنشطته جوانب ثقافية وإبداعية من غناء وطني وثوري، وفن تشكيلي أبرز مواهب الفنانين التشكيليين بولاية البحر الأحمر، والذين زينوا جدار السور الشرقى لجامعة البحر الأحمر في الشارع الفاصل بين الجامعة والفرقة 101 ببورتسودان والذي كان ساحة للاعتصام بأدبيات الثورة وصور الشهداء ولوحات تعبر عن بطش النظام السابق وتنكيله بالمعارضين وخصومه السياسيين.
خالد محمد نور أحد الذين تم اعتقالهم وأحد القيادات البارزة في الثورة، قال في تصريحات لـ (الصيحة) إنهم وعلى المستوى السياسي وقعنا على مذكرة التنحي لموكب ٣ يناير ببورتسودان تحت اسم “القوى السياسية والمهنية بالبحر الأحمر”، واستمر إصدار البيانات بهذا الاسم حتى سقوط النظام، وأضاف: يوم سقوط نظام الإنقاذ فإن ذلك كان يوماً تاريخياً لن يمحى من ذاكرة شعب بورتسودان، حيث خرجوا في مسيرات فرح عارمة حالهم كحال كل أطياف الشعب السوداني، عبروا عن فرحة عارمة، أكدت على مستوى الغضب الذي كان مشتعلاً ويغلي في الدواخل من جراء ما اتفقوا على فساد حقبة الإنقاذ التي أوردت البلاد الضنك والتخلف.
مدني.. جداريات عناق مع الجيش
ولاية الجزيرة في يوم الخميس الحادي عشر من أبريل من العام المنصرم، استيقظت على صوت المذياع والقنوات الفضائية وهي تنقل المارشات العسكرية وأن هنالك بياناً مهماً من القوات المسلحة فترقبوه هذه العبارة التي ارتسمت في أذهان كثير من عاش حقبة القرن الماضي بإعلان انقلاب وأحياناً أخرى انحياز القوات المسلحة السودانية لخيار الشعب السوداني وعبارته التي تمثل أيقونة (جيش واحد شعب واحد). لتكون بمثابة بداية لأمل جديد لشعب طالما عشق الحرية ويتنفس الأحلام وهو في حالة يقظة.
في ذلك اليوم تجمع مواطنو ولاية الجزيرة في الصباح الباكر بصورة تلقائية وعفوية بمختلف أعمارهم وأطيافهم أمام قيادة الفرقة الأولى مشاة بود مدني وأمام أمانة الحكومة يحتفلون بغروب شمس عهد الإنقاذ وحكم امتد لثلاثين عاماً من عمر الشعب، وهم يرددون حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب، والأطفال يحملون علم السودان وصور الشهداء والهواتف لتصوير هذه اللحظة التاريخية وسط تفاعل عدد من أفراد الجيش السوداني وهم يحملون الأطفال على أكتافهم في مشهد يدل على المودة والمحبة.
أما ساحة موقف (الأمجاد) في موقعها الجنوبي، فقد تحولت إلى ملتقى لتجمع أهل الجزيرة تحت سقف واحد تزينه الجداريات بصور الشهداء وبانوراما ثورة ديسمبر وسط وقفات حداد على أرواح الشهداء وأغانٍ وطنية ومنتديات وإبداعات هواهم للجيش السوداني (الجيش جيشنا ونحن أهله وبنستاهله) وعانقوا منسوبيه وحملوهم على الأعناق.
أما الكنداكات فكن يرددن (حتسقط وحنعرس جياشه)، فأصبحت ساحة الاعتصام تلهم الثوار الحماس وهم يصلون ليلهم بنهارهم حتى تكتمل أركان الثورة التي ينشدونها.
عدد من المراقبين في ذلك اليوم تحدثوا عن الاختراق الذي أحدثته المؤسسة العسكرية مما يتطلب من القوى السياسية مراعاة الواقع الاقتصادي وإسناد قادة المناطق العسكرية لقيادة دفة الحكم بالولاية.
هذه الصور تجسد موقف ولاية الجزيرة في دفتر إنجازات وأحداث ثورة ديسمبر المجيدة والتي اكتملت أركانها بانحياز الجيش السوداني لشعبه في أبريل من العام الماضي.
القضارف.. ذكرى 11 أبريل
عام مضى على سقوط النظام السابق وتأتي ذكراه الثانية والبلاد في ظروف استثنائية لمواجهة مخاطر (فيروس كورونا) المستجد، الذي وقف حجر عثرة أمام أهل القضارف للاحتفال بالذكرى الأولى للحادي عشر من أبريل، وتتناهى للذاكرة تضحيات أبناء الولاية التي أشعلت شرارة ثورة ديسمبر في بواكيرها، وقدمت على إثر الحراك الذي أدى لسقوط النظام السابق فيما بعد اثني عشر شهيداً من أحياء متفرقة (الجنائن، الناظر، أكتوبر شرق وشمال، الصوفي الأزرق العباسية، بادوبة وقرية غبيشة).
وعشية الإطاحة بالنظام السابق وكغيرها من ولايات البلاد شهدت القضارف خروجاً عفوياً لجموع المواطنين الهادرة من كل حدب وصوب متجهة نحو الشوارع والميادين التي شهدت الكر والفر إبان الثورة وساحات أخذت شهرتها من خلال انطلاقة مواكب الاحتجاجات وبروز نوع خاص من فن الجداريات للتشكيليين الشباب تحمل صورا لوقود الثورة وتسمية بعض شوارع الأحياء بأسماء الشهداء وغيرها من مظاهر نتجت عن تفاعل الشارع بسقوط النظام.
ولم تقف فرحة الشباب عند هذا الحد، فكانت هتافاتهم تجوب شوارع بعينها انطلاقاً من شارع المستشفى من أمام استوب المشرحة المؤدي (لاستوب بنك السودان)، وهو الشارع المؤدي شرقاً إلى حي الجنائن، واحد من أشهر الشوارع التي شهدت توافد المسيرات والاحتجاجات انطلاقاً من منزل الشهيد مهند بالجنائن مروراً بوسط السوق لتنفيذ المخاطبات بالاستوب وترديد هتافات وشعارات الثورة والمطالبة (بالحرية والسلام والعدالة) كمطلب وحق اتفقت عليه جميع المواكب بمختلف ولايات السودان، فردد حتى الأطفال تلك الشعارات وتحركت مسيرات مماثلة من أمام منزل الشهيد أبو ذر أسامة بالصوفي الأزرق مروراً بمنزل الأستاذ عطا حسين القيادي بحزب الأمة والمعتقل حينها وتحرك الموكب صوب السوق العمومي مروراً بديم بكر ومواكب أخرى شهدتها أحياء العباسية وبادوبة وحي الناظر وقرية (غبيشة) إحدى قرى محلية وسط القضارف التي قدمت النور عبد الغني كل تلك المواكب في مقدمتها أسر الشهداء التقت بالسوق العمومي أمام استوب بنك السودان.
عامان مضيا على مشاهد الشارع والجموع الهادرة المنطلقة من أمام بوابات منازل الشهداء والمعتقلين السياسيين وفرحة تلاقحت بين هتافات الأحياء لتسيير جولات داخل سوق القضارف العمومي لتنفيذ تجمعات وهتافات أمام مكتبة النهضة، توجت بلقاء جامع وكبير دعت إليه عبر التنسيقيات والتجمعات المهنية بمسرح القضارف احتفالًا بسقوط النظام، وخاطب شقيق المعلم الشهيد أحمد الخير إنابة عن أسر الشهداء بمسرح القضارف، ومواكب أخرى اتجهت نحو مقر جهاز الأمن والمخابرات بالولاية وسط حماية من الجيش وفرحة عارمة عمت أرجاء القضارف التي خرجت ذلك اليوم عن بكرة أبيها ورغم بلوغها السنة الأولى من عمرها، إلا أن كثيراً من قيادات قوى الحرية والتغيير بالقضارف ما زالوا يرون أن الثورة مستمرة وأن كثيرا من مطالب الثورة لم تتحقق في ولاية ظل الشارع العام يحلم فيها بالحرية والعدالة والسلام وحياة كريمة لإنسانها وإزالة كل أشكال المعاناة وغلاء المعيشة التي حاصرت الكثير من الأسر المتعففة واتهامات صريحة بعدم إزالة التمكين في بعض مؤسسات الولاية الأمر الذي أدى لخروج معظم المؤسسات بوقفات احتجاجية ومطلبية منادية بتصحيح مسار الثورة التي رويت بدماء أبناء الوطن.