11 أبريل.. ليلة في ذاكرة المخلوع
لم تكن عبارة (تسقط بس) التي كانت تخرج من أفواه تلك الحشود الهادرة أنها كانت عبارة كمثلها من العبارات والشعارات، لأن كل من نطق بتلك العبارة أنها الوحيدة التي كانت تخرج من داخل أعماق الجميع الكل يتمنى سقوط الطاغية فكانت (تسقط بس) بداية النهاية لسقوط البشير، فكانت 11 أبريل ليلة في ذاكرة المخلوع تظل معالمها باقية إلى وقت الرحيل، فكما كان المنح والعطاء كان النزع والخلع فوعد الله أكبر وكلمته أكبر من تخطيط وتدبير البشر .
الخرطوم: النذير دفع الله
مشهد أول
قبل انطلاقة أولى الحشود والمواكب في السادس من أبريل كان قبل الميعاد هو انطلاق موكب رئاسي قادماً من القصر الجمهوري صوب بيت الضيافة وحسب التسريبات أنه موكب المخلوع الذي سبق مواكب الثوار والاحتجاجات إلى داخل منزله بالقيادة العامة وحسب المعلومات التي تحصلت عليها (الصيحة) أنه آخر موكب رسمي للبشير حيث قضى طيلة الأيام الخمسة الأولى بعد بداية الاعتصام وحتى إذاعة البيان الأول الذي أعلن فيه وزير الدفاع وعضو اللجنة الأمنية الفريق أول ابن عوف.
مشهد ثانٍ..
بينما لا زال الرئيس المخلوع البشير بعد اليوم الأول للاعتصام يجري اتصالاته من داخل مقر إقامته بأعضاء اللجنة الأمنية في محاولة لفض الاعتصام من أمام القيادة العامة، بينما تقول بعض المصادر الخاصة أن الرئيس اتصل برئيس المؤتمر الوطني المحلول مولانا أحمد هارون في الاستعانة به لإيجاد حل للأزمة التي بدأت تتشابك أمام قيادات الحكومة وقيادات الإنقاذ، وهي ذات الاتصالات التي أدت لاجتماع ثلاثي ضم مولانا أحمد هارون بالإضافة للإمام الراحل الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، ومدير جهاز الأمن والمخابرات قوش، وهو التاريخ الذي سبق سقوط النظام بيومين وإذاعة البيان، فيما لم تفلح كل الاتصالات التي قام بها البشير في فض الاعتصام إلا من بعض المحاولات اليائسة من قلة قليلة كانت تتصرف بطريقة فردية حيث كان الحدث أكبر من كل التكتيكات التي وضعها المنتمون للنظام وبالتحديد المنتفعون وأصحاب المصالح وهو ما ظهر عندما حاولت مجموعة اقتحام الاعتصام وإطلاق وابل من الرصاص على المعتصمين فردت عليها مجموعة من أفراد القوات المسلحة ..
مشهد ثالث..
كل المؤشرات كانت تؤكد بأن الواقع على الأرض أصبح مختلفًا من كل التقارير والتطمينات التي ترفع للبشير الذي كان يكتفي فقط بالاتصال بمجموعة محدودة من المقربين له، بينما كانت كل المكالمات التي يتلقاها المخلوع تؤكد بأن الأوضاع تحت السيطرة وسيتم فض الاعتصام خلال الساعات القادمة, وقتها لم تكن هنالك أي محاولة للبشير في التحرك خارج بيت الضيافة ويكتفي فقط بالجلوس في الصالون المعدد خصيصًا للضيافة مع دخول وخروج بعض القيادات العسكرية من الرتب الكبيرة التي كانت تأتي بحذر وبعض أفراد اسرته، كل المؤشرات لم تكن معروفة وإلى أين تتجه مآلات الواقع الجديد في الوقت الذي لم تكن فيه المجموعة التي شكلت المجلس العسكري وقتها في الحسبان حتى وقت متأخر من إذاعة البيان الذي جاء حسب المصادر والمعلومات التي امتلكتها (الصيحة) مرتجلًا وتجاهل عدداً من المعلومات الأساسية التي كان يطالب بها الثوار فاكتفى البيان بأن البشير تم التحفظ عليه، وبالتالي تم تشكيل المجلس العسكري الانتقالي بالقيادات التي ذكرها ابن عوف خلال إذاعة البيان .
مشهد رابع
كانت كل الأفكار والمحاور تدور في كيفية إيصال المعلومة للمخلوع ومن الذي يقوم بهذه المهمة، فالكل لم يمتلك الشجاعة لتلك المهمة في حال لم تنجح عملية إذاعة البيان وحدوث أمر آخر كل قيادات اللجنة الأمنية كانت تخطط لإعلان البيان، ولكنها كانت تتخوف من انحياز قوات الدعم السريع للبشير، وبالتالي تكون موازين القوى قد اختلت وهو ما يؤدي الى كارثة كبيرة قد تؤدي إلى انزلاق البلد في أتون حرب طاحنة فكانت تلاوة البيان وإعلان سقوط البشير وحكومته أمامه عقبة واحدة وهي مباركة قوات الدعم السريع للواقع الجديد وانحيازها لصفوف الثورة وهو ما حدث بالضبط الأمر الذي أدى لاستعجال إذاعة البيان الأول وإعلان حكومة برئاسة الفريق اول عوض ابن عوف كان خيار ابن عوف هل الخيار الأفضل والأسهل لدى قيادات الإنقاذ المدنيين والعسكريين الذين تمت مشورتهم؟ ولكن لم تتحسب تلك القيادات والرئاسة الجديدة للواقع الجديد وما يطلبه الثور الذين كانوا يهتفون وينادون بسقوط شامل كامل لحكومة الإنقاذ.
مشهد خامس..
بحسب المصادر لم يتردد عبد الفتاح البرهان وضابط آخر من الدخول إلى بيت الضيافة وهما في كامل بزتهما العسكرية مندوبين وحلقة وصل بين البشير واللجنة الأمنية التي قررت تنحي البشير بعد الضغط المستمر من الشارع والمجتمع الدولي، وذلك بعد أن استبقت ذلك بتغيير الحراسات وبعد المحاولات الفاشلة لفض الاعتصام دخل البرهان الى المكان المخصص وقتها للبشير حيث تم إخطاره بالداخل أن هنالك من ينتظره في الصالون الرئاسي بينما تشير معلومات أخرى أنه كان في الداخل وطلب حضورهما للداخل وبعد تلعثم وتردد أخطر البرهان البشير بأن القيادة العليا واللجنة الأمنية قد قررت أن تتنحى من السلطة وأنت قيد الأقامة الجبرية إلى حين إشعار آخر فتم إجراء الترتيبات اللازمة وتجريد الحرس الشخصي من السلاح وذلك في ليلة 10 أبريل.
مشهد أخير..
كانت الموسيقى العسكرية تعزف في كل وسائل الإعلام صبيحة يوم 11 أبريل وهي ذات الموسيقى التي كانت تعزف عندما تم الانقلاب على حكومة الصادق المهدي في 30 يونيو1989 مما كان يدل على أن هنالك أمراً ما سيتم الإعلان عنه حتى جاء وقت إذاعة البيان الساعة الثانية عشرة ظهرًا ولكن لم تصمد حكومة ابن عوف 24 ساعة حتى أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان بياناً جديداً بتنحي ابن عوف وإعلان المجلس العسكري الجديد بقيادة البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، وبالتالي دخول السودان مرحلة انتقالية جديدة ما زالت مآلاتها قائمة حتى اليوم.