تقرير: نجدة بشارة
هل التاريخ يعيد نفسة..؟ كان هذا السؤال يدور بأذهان آلاف الثوار وهم يتدافعون في مواكبهم الهادرة من كل حدب وصوب بشوارع الخرطوم.. وقبلتهم (القيادة العامة للجيش) ..
السادس من أبريل 2019م.. الواحدة بتوقيت الثورة .. كان يوماً استثنائياً في تاريخ السودان ستظل ألسنة الأجيال القادمة تلهج بذكره… قبل هذا اليوم بأيام حدد تجمع المهنيين هذا التاريخ، تيمناً بإنتفاضة أبريل من عام 1985م التي أطاحت بحكم الرئيس جعفر نميري، اختار التجمع هذا التوقيت للاعتصام أمام القيادة العامة للجيش لإثارة الحماس وسط الثوار.. وبالفعل استجاب لدعوة التجمع آلاف السودانيين تدافعوا إلى مقر القيادة العامة للجيش.. حيث اعتصموا هنالك حتى سقطت الحكومة.
لماذا القيادة؟
خبراء ومتابعون اعتبروا اختيار مقر الاعتصام أمام قيادة الجيش السابقة الأولى في تاريخ الثورات السودانية، حيث شهد السودان انتفاضتين شعبيتين في عامي 1964 و1985م أسقطتا الأنظمة الحاكمة.. لكن لم يحدث أن فكر الثوار في اختراق محيط القيادة العامة للجيش.. واحتشد آلاف السودانيين في نطاق محدد لمحيط القيادة العامة للقوات المسلحة وبيت الضيافة مقر إقامة الرئيس المعزول عمر البشير.. وأوضحوا أن اختيار مكان الاعتصام.. جاء بعد أسابيع من معارك الكر والفر بين المتظاهرين.. واستشهاد عدد من الثوار.. فكانت جولة 6 أبريل الورقة الأخيرة التي راهن عليها تجمع المهنيين الذي كان يحرك الشارع.. واختيار محيط قيادة الجبش كان لثقة الشعب الكبيرة في انحياز القوات المسلحة لهم.. كما أنه دورها المنوط بها وفقاً للدستور.. كما لم تكن السابقة الأولى حيث سبق وانحاز الجيش للشعب في انتفاضة 85م برئاسة المشير عبد الرحمن سوار الذهب.
ونجد أن محيط الاعتصام بالقيادة العامة للجيش يمتد على شكل حدوة الحصان، بمساحة يقدر قطرها بعشرة كيلومترات تبدأ من أول شارع القيادة العامة للقوات المسلحة بالعاصمة السودانية الخرطوم وتتمدد على طول الشارع، ومنها ينحني الشارع يميناً حتى امتداد شارع عبيد ختم من الناحية الشمالية الخلفية للقيادة العامة.
رمزية ودلالة
أكد القيادي بتجمع المهنيين د. وليد علي في حديثه (للصيحة) .. عدم وجود نوايا مبيتة أو قصد بالاعتصام ليلة 6 أبريل أمام القيادة العامة للجبش.. وقال: صحيح كنت داخل المعتقل ذلك اليوم، لكن علمت لاحقاً أن الخطوة جاءت بصورة تلقائية، حيث درج التجمع في تلك الفترة على استهداف المؤسسات الكبيرة تتبع للدولة لمخاطبتها عبر مذكرات مطلبية مثلاً المواكب ذهبت إلى البرلمان وسلمت مذكرة مطلبية، وأخرى لمجلس الوزراء والقصر الجمهوري.. يعني أن الثورة لم تذهب للقيادة فقط وإنما ذهبت إلى كل المناطق الحيوية بالدولة، لكن بالمقابل أشار علي إلى أن دلالة ورمزية الاعتصام أمام القيادة جاءت من أن الجيش منوط به حماية المدنيين والشعب، وأردف: وهذا ما حدث في البداية، حيث وجد المواطنون الحماية لكن بصفة فردية من بعض القيادات بالقوات المسلحة.. أمثال (حامد الجامد) لكن اتضح لاحقاً أن الحماية كانت نتاج سلوك فردي من بعض القيادات.
وأرجع وليد توجيهات التجمع في يوم 6 أبريل للتوجه إلى القيادة إلى أنه في تلك الفترة كان المتظاهرون قد تعرضوا للاعتقالات والضرب واستشهاد عدد كبير من الثوار، وبالتالي أحس التجمع بأهمية اللجوء إلى الجيش ليوفر لهم الحماية.. ولأن وظيفتة الأساسية حماية الشعب.
ملحمة الجيش والشعب
ورجح محللون أن اختيار الثوار التمركز أمام القيادة العامة جاء نتيجة لدعوة أطلقها تجمع المهنيين بهدف تسيير موكب لتسليم مذكرة للجيش للوقوف صفاً مع الشعب وحمايته.. ولعل دستور السودان الانتقالي للعام 2005، نص وفقاً للمادة (3) من الباب التاسع، على أن “تدافع القوات المسلحة القومية السودانية والوحدات المشتركة/ المدمجة عن النظام الدستوري واحترام سيادة حكم القانون والحكم المدني والديموقراطية وحقوق الإنسان الأساسية وإرادة الشعب، وتحمل مسؤولية الدفاع عن البلاد في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية في مناطق انتشارها وتشارك في التصدي لحالات الطوارئ المحددة دستورياً، وهو ما يحدد دورها الذي رآه الثوار أنه منوط بها .
لعب أدوار
ورجح القيادي بقوى الحرية والتغيير التجاني مصطفى في حديث لـ(الصيحة)، أن يكون اختيار المتظاهرين يوم 6 أبريل محيط القيادة للأعتصام للاحتماء بالجيش من الهجوم الذي كان يجده الثوار في الشوارع وأدى إلى استشهاد عدد منهم.. وأشار إلى أن الاعتصام بالقيادة كانت له سلبيات وإيجابيات، من حيث أن المتظاهرين وجدوا الحماية في بداية الاعتصام لكن لاحقاً.. ظهر الجانب السلبي في عملية فض الاعتصام لأن منطقة القيادة محصورة مما تسبب في التضييق على الثوار … لكن كانت جهات قد أكدت أن مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق صلاح قوش قد وجه القيادات المحركة للمواكب أمرهم بالتوجه إلى القيادة العامة للجيش بعد أنباء عن نية الرئيس المعزول إخماد التظاهرات بأي وسيلة.. وتفيد المتابعات أن قوش حذّر وقتها اللجنة الأمنية في 4 أبريل 2019، من أن المتظاهرين سيدخلون القيادة العامة في 6 أبريل.
وفعلاً دخل الثوار واعتصموا أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة استجابة لدعوة قوى إعلان الحرية والتغيير بالاعتصام هناك وعدم مبارحة المكان إلا برحيل النظام. وقال بيان لتجمع المهنيين (ندعوكم في هذه اللحظات المفصلية من تاريخ بلادنا العظيمة ألا تبارحوا ساحات شارع القيادة العامة، فهذه الشوارع حررتموها بعزيمتكم وصبركم وإرادتكم التي لا تلين)، وتابع البيان قائلاً: (ندعو لاعتصامٍ في الخرطوم بطول شارع القيادة العامة يبدأ من نقطة وزارة الشؤون الإنسانية وحتى نقطة مستشفى الأسنان مع إغلاق المداخل والمخارج حتى زوال حكم الإنقاذ).. وكانت الشرارة 6 أبربل وسقطت حكومة الثلاثين عاماً.