مهندس م/ عبد الله عبد الرحمن تكس يكتب.. حول إستراتيجية الطاقة
تسببت ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طوال إلى جانب صفوف العربات وهي تنتظر دورها للتزود بالوقود فضلًا عن أزمة غاز الطبخ تحدياً كبيرًا للشعب ودار نقاش طويل حول إمكانية توفر إمدادات طاقة مستمرة وبسعر معقول و أسئلة عن متى تنتهي هذه المعاناة؟ والآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك من ارتفاع لتكاليف النقل وتأثير الكهرباء على صحة المرضى الذين يستشفون ويتلقون العلاج في المنازل والمستشفيات فضلًا عن عدم انسياب إمدادات المياه وتداعيات ذلك على شبكة الاتصالات والصناعة والزراعة وعمليات الإنتاج عموماً.
ومن هنا جاء البحث عن ضرورة تبني إستراتيجية قومية للطاقة أسوة بكثير من دول العالم الذي نعيش فيه, إذ يمكن تعريف إستراتيجية الطاقة بأنها خريطة الطريق لتحقيق أهداف الأمة أو الشعب على المدى القريب والبعيد مع الاستغلال الأمثل لموارد الطاقة. وتتمثل مصادر الطاقة الأولية في الشمس, الرياح, الأنهار, طاقة باطن الأرض والوقود الأحفوري المتمثل في النفط والغاز بينما تعتبر الكهرباء طاقة ثانوية أو منتج للطاقة الأولية, إذ يعتبر إنشاء أي مشروع لإنتاج الطاقة الكهربائية بعيداً عن تحديد المصدر الأولي للطاقة من حيث الكمية والسعر والديمومة بداية للفشل
وينتظر الشعب السوداني عملا كثيراً وصبراً حتي تبلغ البلاد مرحلة الاستغلال الأمثل للموارد الطاقية المتاحة كأن نستخدم الطاقة الأنسب سعراً للهدف المناسب خلافًا لما يحدث الآن من استخدام الجازولين لتوليد الكهرباء بدل استخدامه في النقل والزراعة إذ كان بالإمكان استخدام الوقود الثقيل أو الفحم الحجري لتوليد الكهرباء في حالة التخطيط السليم.
كما أن هنالك تحديات كبيرة تحول دون بلوغ تطلعات الشعب الكريم للتمتع بطاقة كهربائية مستمرة ورخيصة رغم أن ذلك السبيل الوحيد لنهضته وهو يعيش في هذا البلد الشاسع المترامي الأطراف الذي يتبعثر فيه السكان أو المشتركون بلغة شركات الكهرباء على مسافات متباعدة إذا ما قورن بكثير من الدول المجاورة مما يتطلب تشييد شبكات نقل لمسافات طويلة مع اعتبار الفاقد وتكلفة الصيانة.
كما أن جريان نهر النيل في أرض منبسطة دون المرور بالجبال أو الشلالات العالية يجعل طاقته محدودة مهما شيدت السدود مقارنة مع الطلب المتوقع في مجالات الزراعة والصناعة زائدا الاستهلاك السكني.
ولا شك أن تشييد محطات التوليد الحراري ذات الطاقة الإنتاجية العالية يكلف رؤوس أموال عالية وهو أمر نعلم ما يحيط به من عقبات فضلًا عن توفر الكميات الكافية من النفط و الغاز.
وتأتي أهمية التوليد الحراري من أنه خلافًا للتوليد من الطاقات المتجددة يتميز بالاستمرارية ولا يتأثر بالظروف الطبيعية مثل درجات الحرارة وسرعة الرياح وهو يتميز بذلك أيضاً عن التوليد الهيدرومائي الذي يصعب تصنيفه كطاقة متجددة.
ومع تصاعد الطلب على الكهرباء بسبب الهجرة من الريف إلى المدن والخطة المستقبلية للزراعة والصناعة فضلًا عن تطلعات المواطنين وتغير نمط الاستهلاك المنزلي لا بد من استيعاب وإدراك وتفهم ما تقوم به الحكومة من تدابير مؤقتة وهي تبذل أقصى الجهد في ظروف ضاغطة و النظر إلى القضية كهم وطني استراتيجي يجب مواجهته بالفكر والحزم والعمل. إذ يعاني المورد البشري العامل في مجال الطاقة من ضغوط ضعف الأجر وضيق فرص التدريب والتأهيل فضلًا عن إغراءات الهجرة والاغتراب. كما تأثرت صناعة الطاقة سيما الكهرباء بتداعيات التضخم الاقتصادي وتأثيره على التكلفة الحقيقية عندما تحسب بالعملة الوطنية.
ومع محدودية طاقة التوليد الهيدرومائي كما ذكرنا يجب دراسة إمكانية تنفيذ شبكات منفصلة لخدمات الكهرباء في الغرب والشرق و الشمال مع العمل على ربطها مستقبلًا، أما في مجال التوليد الذي يشمل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فضلًا عن طاقة باطن الأرض كطاقات متجددة مع ربطه بتوليد حراري باستخدام الغاز الموجود في البحر الأحمر, الدندر أو حقول جنوب وغرب كردفان بالإضافة إلى شرق دارفور. فاذا كنا نشتري كهرباء من دولة شقيقة تم توليدها باستخدام الغاز فما الذي يمنعنا من استغلال غازنا الطبيعي
يأتي كل ذلك بعد تصميم المعادلة التي تحدد نسب مشاركة كل موارد الطاقة الأولية في إنتاج كهرباء رخيصة, نظيفة ودائمة حسب الميزة التفضيلية لكل وفي إطار خطة تحدد الطلب في العشرين عامًا القادمة على الأقل مع استصحاب تطلعات الأمة في النهضة الإنتاجية والرفاه.