الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والسيد عبد العزيز الحلو قائد أحد الجناحين بالحركة الشعبية شمال وقعا على إعلان مبادئ في مدينة جوبا تحت رعاية الفريق سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان وبحضور مستر ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج التغذية العالمية، وهو وثيق الصلة بالحلو وله دور مؤثر في الذي تم بين البرهان والحلو وعلى الأرجح أن ما قام به ولو من وراء ستار تم بدفع وتكليف من الولايات المتحدة الأمريكية، وأعلنت مجموعة عبد العزيز الحلو أن جولة أو جولات المفاوضات القادمة التي ستتم بين وفدهم ووفد الحكومة هي مفاوضات قائمة بذاتها ولا علاقة لها بمفاوضات جوبا السابقة وما تم توقيعه بين وفد الحكومة ووفد الجبهة الثورية والحركات الحاملة للسلاح.
ومن جانب آخر صرح السيد عبد الواحد محمد نور بأنه لا يمانع في الدخول في مفاوضات مع الحكومة وفق الشروط التي يمليها عليها وعلى رأسها أن تكون المفاوضات داخل الوطن وليست في جوبا أو في غيرها وأن يتم معه طرح كل قضايا السودان وتكون مفاوضاته قائمة بذاتها ولا علاقة لها بما تم توقيعه في جوبا مع الجبهة الثورية والحركات الحاملة للسلاح في شهر أكتوبر عام 2020م ولن تكون لها أية علاقة بما تتمخض عنه مفاوضات الحكومة مع الحلو وجماعته من نتائج… وبعد انتصار ثورة التغيير في يوم الخميس الحادي عشر من شهر أبريل عام 2019م قبل عامين إلا بضعة أيام أُقرت وثيقة دستورية تم الاتفاق فيها أن يكون عمر الفترة الانتقالية تسعة وثلاثين شهراً تجرى في نهايتها انتخابات عامة تقوم بموجبها جمعية تأسيسية منتخبة انتخاباً حراً مباشراً من قبل الشعب السوداني وهي التي تقرر بعد الوقوف على كل تجارب وأشكال الحكم السابقة هل يكون نظام الحكم رئاسياً أم برلمانياً أم يكون مزدوجاً كالنظام الفرنسي يجمع بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني ويصبح (برلماسي) ووفقاً للمتفق عليه يكون عمر الفترة الإنتقالية تسعة وثلاثين شهراً وستنتهي في شهر يوليو عام 2021م أي بعد خمسة عشر شهراً ولكن بعد التوقيع على الاتفاقيات بين وفد الحكومة ووفود الجبهة الثورية والحركات المسلحة في شهر أكتوبر عام 2019م أي بعد ثمانية عشر شهراً من بداية فتح صفحة جديدة بعد انتصار ثورة التغيير تقرر تصفير الفترة الانتقالية والبدء من نقطة صفر جديدة لتمتد الفترة الانتقالية المعدلة من اليوم الرابع من شهر أكتوبر عام 2020م حتى شهر يناير عام 2024م ولكن سيتم تصفيرها مجدداً لتبدأ بداية جديدة من النقطة صفر بعد انتهاء المفاوضات والتوقيع مع السيد عبد العزيز الحلو وبهذا تصبح الفترة الانتقالية الآن هي فترة ما قبل الصفر التي تسبق بداية الفترة الانتقالية وبعد أن تتم المفاوضات والتوقيع مع السيد عبد الواحد محمد نور سيتم إعلان تصفير جديد للمرة الثالثة لتبدأ الفترة الانتقالية بعد التوقيع معه وكما كتبت مراراً وتكراراً أن كل المؤشرات وقرائن الأحوال تؤكد أن الفترة الانتقالية سيتم تمديدها لسنوات طويلة قادمة وأن كل أو جل العسكريين والمدنيين المشاركين في السلطة والحركات المسلحة المشاركة في السلطة وكثير من الأحزاب لا ترغب في خوض الانتخابات وحتى لو أجريت في أي وقت قادم فإن الصراع القبلي والعنصري سيطغي في الدوائر الجغرافية على التنافس الحزبي بل أن التنافس القبلي سيشتد داخل الحزب الواحد لاختيار مرشح الدائرة، وبالطبع أن القبلية لها وجه مشرق يتجلى في التعارف والتآلف والتكافل المجتمعي، ولكن ظهر لها في العهد الماضي وجه آخر غير مشرق بسبب المحاصصات القبلية في توزيع المواقع ولكن المؤسف أن العصبية القبلية ذات الطابع العنصري أخذت طابعاً قبيحاً في هذا العهد وساهم بعض المسؤولين بحسن نية وغفلة أو بسوء نية في اشعال نيرانها والواجب الوطني الملح يقضي بضرورة استئصال هذا الداء والشر المستطير، والضرورة تقتضي قيام تحالفات قوية بين المتقاربين فكرياً بأن يقوم تيار يضم المنتمين لليمين وآخر بضم المنتمين لليسار وتيار يضم قوى الوسط العريض التي تمثل الأغلبية. وهناك قضايا آجلة غير عاجلة وحسمها لا يتم إلا بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة انتخاباً حراً مباشراً من الشعب السوداني عبر صناديق الاقتراع وهناك قضايا لا يمكن أن يقرر فيها شخص واحد أو عدد كبير من الأشخاص ولا تنظيم واحد ولا تنظيمين مثل قضية علاقة الدين بالدولة ولا يمكن فرض رؤاهم قهراً وقسراً (وكسر رقبة) لأن في هذا سلباً لخيارات الشعب وإرادته الحرة ومن حق المنادين بفصل الدين عن الدولة كأفراد أن يقتنعوا بما يرونه صحيحاً ويدافعوا عنه ولكن ليس من حقهم الغاء عقول الآخرين للتفكير بالإنابة عنهم وسوقهم سوق ذي رسن كما تساق الماشية. والحديث عن المواطنة وما أدراك ما المواطنة لا اختلاف حوله والشعب السوداني كان وما فتئ وسيظل يشهد تسامحاً دينياً لا مثيل له والمسلمون في السودان بكل مشاربهم العديدة وانتماءاتهم المختلفة يمثلون حوالي 98% من نسبة تعداد الشعب السوداني ويعيشون في انسجام تام ووئام مع إخوتهم المسيحيين الذين يمارسون طقوسهم الدينية بحرية تامة وبين المسلمين والمسيحيين صداقات وعلاقات اجتماعية وثيقة وكذلك كان لليهود معبدهم أو معابدهم وخرج أكثرهم من السودان قبل نصف قرن ونيف لأسباب تتعلق بالمال والاقتصاد والتجارة. بعد صدور القرارات المايوية المتعسفة بالتأميم والمصادرة والمضايقات وحدثت هجرة قبلها وبعدها، ولكن لم يكن خروجهم من السودان لأسباب دينية، بل لأسباب اقتصادية… والمعروف أن كل الأحزاب ظلت منذ انتخابات البرلمان الأول في أواخر عام 1953م مروراً بكل الانتخابات العامة التالية لها تدغدغ عواطف الناخبين وعامة المواطنين برفع شعارات إسلامية لحصد أصواتهم في الانتخابات ثم تنسى ما رفعته من شعارات بتنفيذ وعودها الانتخابية في كافة المجالات، ولهذا يصبح رفع الشعارات الإسلامية في الانتخابات وغيرها مجرد وسيلة انتهازية للمتاجرة السياسية. والإسلام بريء من أية تجربة حكم رفعت فيها زوراً وبهتاناً شعارات إسلامية وارتكبت جرائم وفظائع وفساد وممارسات سيئة الإسلام بريء منها، وهو دين عدالة ومثل عليا وفضيلة ويحض على مكارم الأخلاق ولكن مثل تلك التجربة السالبة تحسب على ممارسيها. وفي جانب آخر فإن المسلمين لا يقبلون أي مس بعقيدتهم ودون ذلك المهج والأرواح، وأدرك هذه الحقيقة كتشنر وونجت باشا ومن أتوا بعدهما في حكم السودان (وعملوا ألف حساب)، ولم يسيئوا للمسلمين وعقائدهم… وإن مسألة علاقة الدين بالدولة من المسائل المهمة ويجب التعامل معها بمسؤولية وجدية وتجنب الطريقة الهتافية والإثارة الانفعالية وإيداع الموضوع ليطرح في الجمعية التأسيسية القادمة.. إننا نرحب بالأستاذ عبد العزيز الحلو في ركب السلام ولكن الموضوع الذي يسبب له هاجساً هو موضوع عام يخص عشرات الملايين غيره ولا يمكن أن يفصل فيه وحده، ويمكنه أن يكون عنيداً في قضية تخصه تتعلق بنزاع حول قطعة أرض أو متجر أو أي شيء آخر يخصه، أما ما عدا ذلك فهو شأن عام ينبغي أن يترك أمره للبت فيه بواسطة كل السودانيين بلا استثناء، ونأمل أن يولي سيادته اهتمامه بالتنمية والخدمات والمساهمة في معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية وإيقاف الجرائم والتفلتات الأمنية والتحرشات الأجنبية والتحديات التي تحيط بالوطن وألا يحصر همه في نقطة واحدة وعليه الاهتمام أيضاً بغيرها من القضايا.