سراج الدين مصطفى يكتب.. صلاح ولي.. متي (ينط) فوق هذا التهريج!!
حينما يقف أستاذ بقامة الراحل ميرغني البكري بجانب فنان جديد.. فذلك يعني الكثير.. لأنني أعتبره واحداً من الخبراء في مجال الغناء والموسيقى.. ولعل أستاذنا البكري (طيب الله ثراه) في ذلك يفوق بعض من يحملون شهادات رفيعة في الموسيقى وعلومها.. ولعل خبراته المتراكمة تتيح له مشاهدة الواقع الفني بعدة زوايا جديدة ومختلفة وغير متوفرة لغيره.. باعتباره عايش وعاصر معظم نجوم الوسط الفني منذ بداياتهم وهو شاهد عصر حقيقي على ميلاد كثير من مبدعينا الذين أثروا وجدان الشعب السوداني.
هنالك العديد من الأسماء الكبيرة التي كان الراحل ميرغني البكري سبباً في تقديمهم للناس من خلال قلمه ومن خلال دعمه المعنوي اللامحدود وإتاحة الفرص في الأجهزة الإعلامية.. وهنا لا أستطيع أن أتجاوز أسماء بقامة محمد الأمين وأبوعركي البخيت.. كان ميرغني البكري يقف من خلفهم بقلمه وخبراته التراكمية.. وذلك كفيل بالتأشير على أنه (لماح) ويملك القدرة على الشوف ويرى ما لا يراه الآخرون.
المفارقة تبدو جلية وواضحة، حينما نجد أن أستاذنا الراحل البكري قدم للناس فنانين أصبحوا من (أساطير) الغناء والموسيقى وأصحاب تجارب جادة غيرت من معالم الغناء السوداني.. وبنظرة تأملية واحدة لتجربة مثل أبوعركي البخيت مع الغناء والموسيقى والكتابة.. نجد أنه أسدى للموسيقى والغناء خدمات كبيرة من خلال البحث والتجديد والتجريب في الأشكال الموسيقية والمفردة الشعرية.. وذات الحال ينطبق على محمد الأمين الذي كان سبباً في ثورة كبرى في الموسيقى السودانية من خلال فتوحاته الغنائية العظيمة التي كانت سبباً في تغيير الكثير من المسارات والمفاهيم.
لا أريد التقليل من تجربة الفنان (صلاح ولي)، ولعلي حتى الآن لم أحكم ضده أو في صالحه.. وأنا كما أقول مراراً بأنني لست مخولاً من قبل الشعب السوداني حتى أصدر الأحكام القضائية وأحدد لهم اتجاهاتهم السمعية.. فلكل واحد حرية الاختيار بدون تعسف أو فرض آراء لا تتوافق وتتسق مع وجدانه..
ولكن الملامح الأولى للفنان (صلاح ولي)، تشير إلى أن زوايا الرؤية عند أستاذنا ميرغني البكري بدأت تضيق وأصبحت الرؤية عنده (مغبشة) وافتقدت الصفاء القديم الذي جعله يلمح محمد الأمين وأبوعركي البخيت.
غنائية الفنان (صلاح ولي) هي أقرب (للتهريج) بحسب رأيي الخاص..لأنه يعتمد على (الاستعراض).. و(الاستعراض) هذي هي كلمة الدلع (للنطيط).. وأنا أحاول أن أبعد عنها لأنها منذ البداية تدعو للحكم على غنائية صلاح ولي وليس تجربته.. لأنه لا يعقل أن أقول تجربة محمد وردي أو صلاح مصطفى أو حمد الريح ثم أقول تجربة صلاح ولي.. فهذا لا يستقيم أبداً أن أضعه بمحازاتهم.. فهو ما زال بعيد جداً عن التجربة الجادة وملامح تكوينها واشتراطاتها ومطلوباتها.
ربما يكون صلاح ولي هو نجم حفلات الأعراس في هذا الوقت كغيره من الذين يلوثون أسماعنا بالضجيج والهرج والمرج بدون كابح أو جامح.. ولكن الحقيقة التي يجب ألا نهرب منها.. أنه لا يملك مقومات البقاء والخلود في أذهان الناس.. لأن الطريقة التي ينتهجها فيها قدر من الهزل والتهريج الكبير.. وذلك ليس من مكونات التجربة الغنائية الجادة.. فهو مثلاً لا يحمل ذات الملامح الإبداعية التي يحملها الفنان الشاب (محمد الجزار) الذي يقدم نفسه عبر مشروع غنائي يتكئ على الكثير من المفاهيم الجديدة من حيث الطرح وجودة المنتوج والطرائق المختلفة في التفكير في استحداث نمط غنائي يخصه يستطيع عبره أن يصدر شخصيته الفنية للجمهور والمتلقي.
واقع الحال يشير إلى أن الفنان صلاح ولي أشبه بفقاعات الصابون التي تتطاير وتملأ المكان ولكنها تزول مع أول موجة نسيم.. تذوب وتتلاشى وتنتهي في لمح البصر.. لأنها هشة ولا ترتكز على أي عناصر صلبة تتيح لها المقاومة حتى تبقى أطول فترة ممكنة.. وصلاح ولي مثل تلك الفقاعات تماماً لا يستند على أي رؤية مركزية وخطة واضحة الملامح تتيح له أن يبقى طويلاً.. مع أنني أتعشم في أن يراجع طريقته هذي ويجدد أفكاره وطريقته في الاستعراض التهريجي حتى يكون فناناً خالداً ومقيماً في أذهان الناس.
الأبواب ما زالت مشرعة أمام صلاح ولي ليقول كلمته ويضع بصمته وغنائيته.. ورغم أنه اختار طريق (العدادات)، لكن يمكنه تطوير تجربته من خلال تغذيتها بنوع معين من الغناء الجاد والملتزم الذي يمكن أن يغير وجهات النظر السلبية التي أصبحت رأياً عاماً!!