“بعض الرحيق” تفتح ملف الأخطاء الموسيقية واللغوية في النشيد الوطني السوداني
الراحل كسلاوي: السلام الوطني السوداني يحتشد بالأخطاء الموسيقية واللغوية!!
اكتشفت الأخطاء ومسئول كبير قال لي (أنت راجل كبرت وخرفت)!!
تحقيق: سراج الدين مصطفى
مدخل مهم:
(السلام الجمهوري يحتشد بالأخطاء الموسيقية واللغوية).. هذه الجملة رغم بساطة كلماتها من حيث العدد.. ولكنها جملة صادمة وربما قاسية.. قاسية في حق التاريخ الموسيقي السوداني.. وفي حق من وضع المؤلف الموسيقي للسلام الجمهوري أو نشيد العلم كما ظللنا نطلق عليه ونحب أن نقولها كذلك.. تلك الجملة التي أسميتها بالصادمة والقاسية استوقفتني كثيراً.. لأنها تستحق الوقفة والتأمل.. وهي ليست كلمات عابرة نمر عليها دون أن نلقي لها بالاً.. ومن المهم أن أذكر أن الذي قالها علم من أعلام الموسيقى في السودان ورمز من رموز التلحين وهو الراحل العقيد (الفاتح كسلاوي).. وهو من المتخصصين في مجال الموسيقى وعلومها..
الفاتح كسلاوي:
الفاتح كسلاوي الذي رحل عنا قبل سنوات قليلة هو من أهل الفن من الملحنين المخضرمين برغم أنه كان مقلاً كما يقول الصحفي المهاجر صلاح شعيب. وفي قلة أعماله تكمن جودتها.. ولولا ارتباطه بالمؤسسة العسكرية لتفرغ لإنتاج العديد من الأعمال التي لا تقل رشاقة عن أعماله التي أبدع فيها مع زيدان، وأم بلينة السنوسي، وعبد العزيز المبارك، وإبراهيم حسين، وترباس، والتاج مكي، وصديق عباس، زكي عبد الكريم، وآخرين. ولعل شهادة الملحن الكبير عمر الشاعر فيه تغنينا عن بحث دوره في تجديد خصوصية اللحن السوداني. ولكن بماذا قال عمر الشاعر؟ قال إن أستاذه في التلحين هو الفاتح كسلاوي، حيث منه أخذ سر القدرة على إبداع الجدائل الغنائية. والحقيقة أن كسلاوي هو الذي تسبب في دخول الملحن الشاعر إلى المؤسسة العسكرية حتى تقاعد عميداً بينما تقاعد هو رائداً، ويا للمفارقة. والحقيقة الثانية أن هذه المؤسسة كانت وقتها تضم أفذاذ المبدعين، منهم الصاغ محمود أبو بكر، والشاعر والملحن الطاهر إبراهيم، وعوض أحمد خليفة، وجعفر فضل المولى، وعوض مالك، وغيرهم ممن أكدوا أن هذه المؤسسة برغم دور بعض المنتمين إليها في إنهاء عقود الديموقراطية.
مبدعو القوات المسلحة:
يقول الناقد المهاجر صلاح شعيب (القوات المسلحة السودانية بها متميزون يتوظفون عندها.. تعاملوا مع الحرف الأخضر، وعزفوا الكمنجة، ولحنوا للفنانين. وما الفاتح كسلاوي إلا من هذا النفر المبدع، وإن كان قد ألف أوبريتات لا تعادل قيمة فنية للمستقبل، هذا إذا نظرنا إليها في إطار الجدل الوطني حول ما ينبغي أن يكون عليه مضمون الأوبريت. وللأسف فإن “كسلاوي” لم يجد بعد هذه الأوبريتات إلا النسيان، والتجاهل، من الذين سعى لتضخيم وضعهم برغم صغرهم عند جرد الحساب.. وقد تركوه بعد المعاش.. هناك في طيبة الحسناب كان يعيش مع زوجته الثانية ابتهاج صديق.. وابنته الصغيرة في بيت من غرفتين.. ومساحته مئتي متر مربع.
اكتشاف نظرية جديدة:
في حوار له قبل رحيله قال الموسيقار الفاتح كسلاوي، إنه قام بإجراء بحث علمي متعمق يتلخص في عدة محاور، وأقول بما أن أي لغة لها قواعدها ونظرياتها وأسسها التي تحكمها فالموسيقى لها أسس وقواعد تضبطها وتحكمها تماماً وهي تتلخص في الصوت والزمن.. وأنا من خلال الأخطاء اللحنية في السلام الجمهوري اكتشفت نظرية موسيقية جديدة كنت أجهلها.. وهي إذا كان الدخول “بالشمال” لا بد أن تنتهي أو تقفل “باليمين”، واكتشفت أن ليس بالضرورة أن تكون البداية ” بالشمال” حتى تكون النهاية أو “القفلة باليمين”..
وعن الخطأ في التأليف اللحني والإيقاعي قال كسلاوي (في هذه القضية بدأت التنظير عن شكل لموسيقى تكون بدايتها ” بالشمال” ونهايتها باليمين على أن تكون موزونة في زمنها الإيقاعي.. لأن الخطأ في السلام الجمهوري أنه يبتدئ بالشمال وينتهي بالشمال، وحينما تعقد مقارنة بينه وأنشودة في حماك ربنا مثالاً، فهي تبدأ بالشمال وتنتهي باليمين، وذلك صحيح من ناحية الميزان الموسيقي، ولكي أصلح وأرمم ذلك الخطأ قمت “بقلب” النوتة الموسيقية ليكون المدخل سليماً).
جدل موسيقي علمي:
ويضيف الراحل كسلاوي بقوله (الميزان الموسيقي 4%4 برأيي هو أكبر ميزان موسيقي، وحينما تنظر لشكل التركيبة اللحنية تجد أن المساحة اللحنية أضيق ولا تحتمل الميزان 4%4 وكان من المفترض أن يكون الميزان 2%4 والمعالجة التي قمت بها أنني أدخلت الميزان 2%4 وأضفت “سكتة” موسيقية حتي يكون المدخل سليماً ورسمت ذلك بعلامة ” كأس” في النوتة الموسيقية التي قمت بكتابتها من جديد..
وقال معضداً كلامه: (بالتأكيد العم أحمد مرجان قد أخطأ في التأليف الموسيقي للنشيد الوطني، لذلك أنا قمت بإضافة خط هارموني وقمت بتغيير الميزان الموسيقي وبدلته من 4%4 الى 2%4 والبندول عدلته إلى 3%4 وكل هذه التغييرات قمت بكتابتها على النوتة الموسيقية وما أقوله لك أخ سراج قمت بتطبيقه عملياً بعد أن أستشرت بعض من أثق فيهم من الموسيقيين حتى إن بعضهم قال إنهم “فاتت عليهم”).