الإهمال سيد الموقف .. فيضان الرمال يغمر شريان الشمال!!
التمتام ـ محجوب عثمان
ما أن يدخل شهر مارس من كل عام، إلا ويبدأ سائقو البصات السفرية والشاحنات على شريان الشمال في اتخاذ احتياطات واحترازات عالية خلال سفرياتهم المتواصلة على الطريق، واضعين في الاعتبار أن تظهر أمامهم فجأة كثبان رملية على طريق الأسفلت تسد الطريق وتؤدي لا محالة لحادث مروري، حال لم يتم التعامل معها باحترافية، على اعتبار أن زحف الكثبان وتكوّرها على الأسفلت يتم خلال ساعات معدودة، فتصبح كأنها ظهرت من العدم فجأةً، خاصةً في المنعطفات، ما يزيد خطورة الزحف الصحراوي الذي يغرق شريان الشمال.. وما يزيد الخطورة أن الأعوام الأخيرة شهدت دخول شاحنات بمقطورات طويلة وسائقين مصريين، فأصبحت دائماً ما تفشل في اجتياز الكثبان المتكونة على الأسفلت و”توحل” فيها ما يعطل الحركة على الطريق لساعاتٍ.
وحل على الأسفلت
منذ بداية مارس، بدأت الرمال تزحف نحو الطريق تحملها الرياح الشمالية التي تنشط في مثل هذه الأيام من العام، لكن الأسبوع الأخير رتب أزمة حقيقية في حركة السير على الطريق من واقع ازدياد كميات الزحف الصحراوي ومناطقه، في ظل غياب كامل لأي جهد حكومي يقوم بإزالة الرمال على الطريق.. أمس الأربعاء توقفت الحركة ما بين الملتقى وأم الحسن لأكثر من ساعتين، بينما تعطّلت الحركة على الطريق أمس الأول لنحو 5 ساعات في ذات الموقع، واستطال طابور العربات المُنتظرة لمسافات بعيدةٍ، بعد أن وحلت شاحنتان مصريتان على الطريق عند الكيلو 265 ولم تنجح كل الجهود التي قام بها المواطنون في إخراجها من الرمال.
حوادث
الكثبان الرملية الزاحفة على طريق شريان الشمال تسببت في العديد من الحوادث، راح ضحيتها عشرات المواطنين الذين كانوا يمنون أنفسهم برحلات هانئة، خاصة أصحاب العربات الخاصة الذين لا يستغلون الطريق كثيراً وقد وقعت منذ بداية مارس المنصرم ثلاث حوادث بسبب الكثبان الرملية راح ضحيتها 9 مواطنين، ساعد في عدم تلقيهم الإسعافات عدم وجود أي مقومات إسعافية على الطريق الذي يمتد بطول الولاية الشمالية ولا توجد به عربة إسعاف تعمل لنقل مصابي الحوادث بعد تعطل عربتين كانتا تعملان في نقاط المرور السريع.
عطش وجوع
يحكي صافي الدين جمعة صافي الدين الذي يقود بصاً سفرياً بين أم درمان ودنقلا ويسافر إلى أسوان أيضاً لـ(الصيحة) عن مآسيه التي يُواجهها في شريان الشمال بسبب الكثبان الرملية، مبيناً أنه قضى أمس الأول نحو 5 ساعات في المنطقة المقفولة عند الكيلو 265، ويشير لوجود ما بين 6 إلى 10 مناطق أخرى مغلقة على الطريق بسبب الزحف الصحراوي، ولفت الى أنه قضى الفترة من الساعة 11 قبل الظهر إلى الرابعة في انتظار المرور عبر مسافة لا تتجاوز 10 الى 15 متراً تغلقها الرمال، موضحاً أن الركاب في البص عانوا كثيراً لدرجة أن المياه التي كانوا يحملونها معهم انتهت وأصبح الأطفال يجأرون بالشكوى من العطش والجوع.
حركة كثيفة
ويستقبل طريق شريان الشمال يومياً في رحلات الذهاب والإياب أكثر من 1500 عربة ما بين شاحنة تعبر ذهاباً وإياباً بين السودان ومصر، وبين أكثر من 100 رحلة يومياً لبصات سفرية بين القاهرة والخرطوم بالإضافة للرحلات الداخلية بين الخرطوم ومروي والخرطوم وحلفا والخرطوم ودنقلا وغيرها من مدن الولاية الشمالية، ويوضح صافي الدين في حديثه لـ(الصيحة) أن الساعات الخمس التي أغلق فيها الطريق حجزت أكثر من 100 بص سفري يحمل كل واحد منها 50 مسافراً، لافتاً الى أن المنطقة التي حجزت فيها العربات صحراء جرداء كادت أن تودي بحياة الأطفال وكبار السن بسبب عدم المقدرة على مرور العربات، من واقع أن المنطقة معروفة بأنها رخوة، ما يعني أن أي عربة مهما كانت قُوتها لا تجازف بالنزول عن الأسفلت.
رسوم وجباية
ويشكو صافي الدين من الرسوم التي يتم دفعها للعبور على الطريق دون أن تكون هناك أي صيانة أو متابعة من هيئة الطرق والجسور، مشيراً الى أن أي بص يدفع في كل رحلة 150 جنيهاً، بينما تدفع البصات المسافرة الى أسوان 1000 جنيه إضافية، فيما تدفع الشاحنات مبالغ أكبر بكثير من البصات، موضحاً أن المبالغ التي يتم جمعها لا تعود بأي فائدة على الطريق، لافتاً الى أن رجال المرور السريع كانوا في الموقع المُغلق لكنهم ظلوا يتفرجون فقط ولا يُحرِّكون ساكناً، لدرجة أن المواطنين كادوا أن يدخلوا معهم في مشادات، لافتاً الى أن رجال شرطة المرور آثروا حينها الانسحاب تاركين المواطنين يُواجهون مصيرهم!
لا خدمات
وفي ذات الإطار يشير السائق عوض حسن “بلي بلي” الذي يقود بص أرمادا السفري في حديث لـ(الصيحة) الى أن إغلاق الشارع بواسطة الرمال يرتب أوضاعاً صعبة على المسافرين في منطقة خلوية تنعدم فيها حتى الأشجار التي يُمكن أن يستظل بها الركاب، فضلاً عن انعدام أي حمامات عامة أو مرافق يمكن اللجوء إليها لمسافرين يكونوا قد قضوا أصلاً أكثر من 3 ساعات قبل أن يصلوا هذه المنطقة.
لودر بس
ويقول رئيس شُعبة وكلاء البصات السفرية بالولاية الشمالية عبد المنعم علي الحاج أحمد لـ(الصيحة)، إن قضية الرمال ظلت تقلقهم كل عام، مبيناً أنهم جأروا بالشكوى لهيئة الطرق والجسور لتوفير “لودر بس” لفتح الطريق، لكنها لم تفعل حتى الآن، وقال إن سائقي البصات عادة ما يكونوا متيقظين لكن الخطورة الأكبر تمتد لأصحاب العربات الخاصة الذين لا يعلمون مناطق الزحف ما يؤدي دائماً لوقوع حوادث مميتة لهم.
إعادة مريض
وعلى يوتيوب، سجل مواطناً فيلماً قصيراً أمس “الأربعاء”، تحدث فيه عن معاناة المواطنين، فيما كشف مواطن عن إعادة مريض كانوا بصدد نقله إلى الخرطوم، ولكن عندما تفاجأوا بإغلاق الطريق آثروا العودة به إلى مستشفى مروي رغم أن المسافة الى مروي التي جاءوا منها تبعد نفس المسافة الى الخرطوم من موقع الإغلاق، مشيراً الى أنهم آثروا العودة خشية على المريض، سيما وأن الواقع هناك كان لا يُشير أبداً إلى أن الطريق سيتم فتحه قريباً.
جهود
وعادة ما ينشط المواطنون في إزالة الرمال عن الطريق، وقد نشطت منظمة “إسعاف بلدنا” التي يعمل شبابها على توفير لافتات فسفورية للتنبيه بمواقع الزحف الصحراوي، فضلاً عن إزالة ما يمكن إزالته من الرمال، لكن جهودهم دائماً ما تهزمها الرياح التي تعيد ذات الرمال إلى الطريق مرة أخرى.
حل نهائي
هيئة الطرق والجسور، ترى أن المشكلة موسمية وترتبط عادة بموسم الرياح العكسية، ويرى أحد المهندسين الذي تحدث لـ(الصيحة) مُفضِّلاً عدم ذكر اسمه، أن مراقبة وإزالة ووقف زحف هذه الرمال التي تحملها الرياح الى مواقع كثيرة من الطريق تحتاج لإمكانات مالية وبشرية وفنية عالية، سيما وأن الأمر يحتاج أيضاً لإمكانات تكنولوجية للرصد والإنذار خاصة عند حلول الليل والظلام، ويشير إلى أن الحل النهائي يكمن في صناعة حزام غابي أو مساحات خضراء واسعة أو ما يُعرف بمصدات الرياح، لكنه يشير إلى ارتفاع تكلفة الحلول ما يجعل الهيئة ترى أن الحل يكون في إزالة الرمال عن الطريق لحين انتهاء موسم الرياح.
حل إسعافي
ويؤكد المهندس الذي تحدث لـ(الصيحة) أن فريقاً من هيئة الطرق والجسور زار أمس وأمس الأول، المنطقة وقام بدراسة جميع المواقع، وأوصى في تقريره العاجل أن يتحرّك لودر من الخرطوم لفتح الطريق والمُرابطة بتلك المنطقة خلال الفترة حتى نهاية إبريل، مُشيراً إلى أنه ربما تحرك صباح اليوم الخميس إلى منطقة الزحف الصحراوي.