كتب الفراعنة على جدار أول مكتبة قاموا بإنشائها:
(هذا غذاء النفوس وطب العقول)
والعبارة تشير بوضوح إلى أن القراءة هي الغذاء والعلاج وبهما يكون العمل والإنتاج والتطور.
دعكم من قول الفراعنة إننا نعلم يقيناً أن القراءة أساس لحرية الفكر والثقافة وبناء الإنسان الحر وأساس للتنمية حتى يصبح لنا وجود بين العالم بعيداً عن التبعية وممارسة الضغوط من بعض الدول التي أصبح كثير منها تمارس ما مارسه ملك حِمير الذي كان غليظا وفظًا على رعيته يجوعهم ويسلبهم ما في أيديهم من المال حتى تسهل قيادتهم وقد حذرته زوجته من ذلك لكنه كان يقول لها: (جوّع كلبك يتبعك) وقد صارت مثلًا بعد ذلك.
لذلك لفت انتباهي وأقلقني وجعل عقلي مشتتاً بحث أكاديمي يقول :(تشير إحصائية لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة والتربية (اليونسكو) الى أن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لم يتجاوز 7% وأن نصيب كل مليون عربي من الكتب المنشورة في العالم لا تتجاوز الثلاثين كتابًا مقابل 584 كتاباً لكل مليون أوروبي و 212 لكل مليون أمريكي).
وهنا كانت الإشارة الحمراء أو إشارة الخطر القادم وهي عزوفنا عن القراءة والذي ندرك أن له العديد من الأسباب
من ظرف إقتصادي وهو أول عتبات سلم ذلك العزوف بانشغال الناس بتدبير أمورهم المعيشية والحياتية الصعبة فغابت تبعاً لذلك المكتبة المنزلية ومعها غاب دور الأسرة في غرس هذه الثقافة في نفوس الأبناء في ظل دور وتأثير كبير وخطير لأجهزة الإعلام ومواقع التواصل وغياب مكتبة المدرسة التي ينتهي مفعول كتابها (منهجها) بانتهاء الامتحان (قراءة تجارية).
لا أحد ينكر أبداً على أجهزة الإعلام والتواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة حقها في تقديم الترويح والتسلية والمتعة ولا أحد ينكر على المواطن حقه في أن يتاح له ذلك في هذا العصر المكروب والمأزوم ولكن أن يتم ذلك من خلال رؤية تستهدف إسعاده لا إفقار عقله وروحه وتدميره.
إن أجهزة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي تقدم التسلية بدون ربطها بالمعرفة وتتفنن في امتصاص فائض الوقت بإغراءات ليس هدفها بناء الإنسان تنتهي في النهاية إلى تسطيح الإنسان وتجعل أحلامه رخيصة واهتماماته تافهة ويسود في المجتمع مصطلح هذه الأيام (السواقة بالخلاء).
كما أنها ليس بمقدورها غير أن تعطينا إنساناً لا شيء يهمه غير الثرثرة والتنظير الأجوف وكأن الأمر متعمداً وبتخطيط مسبق لإغراقنا في اهتمامات رخيصة صرفًا لنا عن الوعي بما يحدث حولنا من تقدم وتطور.
إن العزوف عن القراءة بفعل تلك الظروف هو الإصابة في مقتل وعنوان للتخلف الذي باض وأفرخ بكل الأشكال والأنواع والألوان.
إننا أمة (اقرأ) وهذا الدين العظيم يحثنا على المعرفة والعلم وآيات وحيه تدعو للقراءة لذلك علينا أن ننظر الى قضية الكتاب الأدبي أو الثقافي أو العلمي نظرة جادة وبعمق ولابد من غرس عادة القراءة في النفوس رغم عقبة الظرف الاقتصادي وارتفاع سعر الكتاب ولكنها يجب أن تكون موضع اهتمام كل من يعنيه المستقبل.
نعم إن كلفة الكتاب باهظة ونعلم أن الدولة تدعم بعض المواد الغذائية لحق المواطن في تغذية وبناء جسده ولكن يبقى العلم والثقافة وسيلة لبناء الروح وتغذيتها وكما يقولون (لا خير في جسد صحيح بدون روح تكفل ممارسته السليمة ووجوده).