ظهرت المرأة المغنية في ظل وضع اجتماعي مرتبط بالعادات والتقاليد التي لا تسمح للمرأة بالظهور في الشارع ناهيك من أن تدخل عالم الغناء والظهور أمام التجمعات والمكان الوحيد المسموح به للمرأة لممارسة الغناء ينحصر في مجتمعهن الخاص بهن كنساء وداخل البيوت حيث يمارسن الغناء الجماعي واستخدام الآلة الإيقاعية (الدلوكة والشتم)،
وبالرغم من الصعوبات الاجتماعية التي تواجه كل من تريد احتراف تلك المهنة وممارسة هوايتها كمغنية خارج أسوار بيوت المناسبات وأمام التجمعات في ذاك الوقت نجد وفي ثلاثينات القرن العشرين وفن غناء الحقيبة الرجالي مسيطراً على الساحة الفنية وتزامن مع ذلك بداية استخدام بعض الآلات الموسيقية والتي حلت مكان الكورس وظهور ما يسمى بالأغنية الحديثة وهي التي تستخدم الآلات الموسيقية بدلاً عن الكورس (الشيالين).
ظهرت مغنيات كسرن حاجز تلك التقاليد الاجتماعية ودخلن عالم الغناء وأصبحت لهن أدوار ذات تأثير كبير على مسيرة غناء المرأة بالسودان منهن حواء الطقطاقة، رابحة التُم تُم، مهلة العبادية، عاشة الفلاتية، منى الخير، فاطمة الحاج، تومات كوستى، أم الحسن الشايقية، وهي أول مطربة سودانية قامت بتسجيل أسطوانة في العام 1927م، الرحمة مكي، فاطمة خميس والتي نالت شهرة وانتشارا واسعاً في ذاك الزمان،
كما نجد رابحة التُم تُم (1915م) تعتبر من أشهر مغنيات أغانى (التُم تُم) حتى ارتبط باسمها وكانت تمارس نشاطها في مناسبات الأفراح وتمتلك صالوناً خاصاً يلتقي فيه عمالقة الطرب، وأيضاً نجد الشاعرة والمغنية والملحنة فاطمة خميس ومن أشهر أعمالها المناحة التي كتبتها في وفاة والدها ( يا دمعي الاتشتت) والمطربة فاطمة الحاج (1915م- 1961م) وهي المطربة الثانية التي سجلت بالإذاعة السودانية بعد المطربة عائشة الفلاتية.
عائشة موسى أحمد (الفلاتية) (1917م – 1974م)
هي شقيقة جداوية موسى أول عازفة عود سودانية في ثلاثينات القرن العشرين، بدأت مسيرتها الفنية وهي في سن الرابعة عشرة فتأثرت بغناء (التُم تُم) الذي تؤديه الفتيات في بيوت الأفراح، وكانت محبة للغناء وتحفظ وتقلد كبار المطربين في ذاك الزمان، وفى العام 1945م تغنت بأول أغنية لها في الإذاعة وهي (البلال تزورني) ويقدر عدد الأغنيات التي تغنت بها حوالي 100 أغنية ، 50 منها مسجلة بإذاعة أم درمان وحوالي 56 منها مسجلة بالقاهرة بإذاعة ركن السودان (وادي النيل حالياً) وفى إذاعة لندن القسم العربي وإذاعات الكويت والمملكة العربية السعودية وأثيوبيا والصومال ومعظم ألحان تلك الأغنيات قام بها الملحن عبد الرحمن الريح، وكانت تنادي بالحياة العصرية للمرأة السودانية فتغنت من كلمات الشاعر عبيد عبد النور
يا فتاة النيل انتي قصدك ايه *** أنا قصدي الحياة العصرية
اشتهرت عائشة بغنائها الحماسي خاصة أيام الحرب العالمية الثانية وإبان الاستعمار الإنجليزى للسودان وهي أول فنانة سودانية تتمرد على تقاليد الحجاب وتقتحم الجياة الفنية بشجاعة وجرأة.
وتغنت للجرحي العائدين من مناطق القتال وتغنت لهم بأغنية (يجو عايدين) و(الليمون سلامته برية)، ولها العديد من الأغنيات في الدعاية الحربية للحلفاء، وفي العام 1936م قامت بتسجيل أول اسطوانة لها بواسطة شركة ميشان وسجلت أول اغنية لها لها بعنوان (يا حنوني عليك بزيد في جنوني) كما تلاقت مع الملحن اللبناني فريد الأطرش والملحن المصري رياض السنباطي.
حواء جاه الرسول (الطقطاقة)( 1926م – 2012م):
بدأت الغناء وهي في سن 14 عاماً متأثرة بوالدتها التي تجيد غناء الحكامات، امتازت حواء بقوة الشخصية وجمال الصوت وجمعت بين الغناء والشعر والتلحين وكانت تؤمن بقضايا وطنها منذ أيام الانجليز فكانت تغني للنضال وللجيش وللحركة الوطنية وتحب غناء الحماسة المصاحب بالدلوكة وهي أول امرأة تغنت لاستقلال السودان في العام 1956م ومن أشهر أعمالها (العديل والزين) و(الشيخ سيرو) و(قمر السبوع) وشاركت في زواج الملك فاروق بمصر عند زواجه من الملكة ناريمان.