أمير أحمد محمد يكتب : الموسيقار بشير عباس
الموسيقار بشير عباس ذلكم الملحن الفخيم النغم العوادي الماهر حينما يمسك بريشته المموسقة ويوقع بها على اوتار العود ثق تماماً أنك لا تراها مرة أخرى حتى يتوقف عن العزف لبراعته وزشاقته على العزف رغم كبر حجمه الجسماني فنه رشيق ومقطوعاته عميقة الدلالة تكاد تحس أنها تترجم على صوت مغنٍ مصحوبة بصفارته الطبيعة التي تخرج من فمه. فصفارته هذه تدل على احتشاد دواخله بالنغم الشجي الذي أبى ان يبقى في جوفه فتمازجت مع أنغام أوتاره فكان الألق الموسيقي مكتملاً في أبهي صوره.
والده هو الراعي الأول لموهبته التي بدأت معه من منذ الصغر فأهدى له صفارة مصنوعة من الابنوس حتى يشبع غريزة ابنه الفنية كما أشبعه من مأكل ومشرب ولم تبخل عليه ابنة عمه الأستاذة أسماء حمزة وهي أول ملحنة معترف بها من العنصر النسائي بتعليمه العزف على العود. هكذا كانت بداية مسيرته الفنية التي خرجت من محيط أسرته الصغيرة والكبيرة واستقرت في وجدان كل محب للفن الأصيل.
تأثر كثيرًا بمن سبقوه في هذا المجال وكان يعتبر الموسيقار برعي محمد دفع الله واحداً من الذين تأثر بهم في العزف على العود وربما هذا التأثر جعله قريباً منه ولارتباط برعي بعبد العزيزمحمد داود تشاء الأقدار أن يكون أول لحن عرفه بالمستمع السوداني كان من نصيب عبد العزيز محمد داود وهو لحن أغنية اشوفك في عيني من كلمات شاعر العيون عبد الله النجيب، وهذا اللحن أكد علو كعب الموسيقار بشير عباس في التلحين وأكسبه ثقة كبيرة في نفسه بأنه يسير في الطريق الصحيح.
وبعدها أنداحت ألحانه وشعت ضياء وسنا في سموات الإبداع الفني السوداني فكانت كنوز محبة عقدا فريداً في جيد أغنيات زيدان من نظم استاذي بشير عبد الماجد وكذلك كان مساهمًا بلحن في مسيرة ثنائي الجزيرة أغنية الشال قلبي وسلا أصارحو ولا لا من كلمات عوض جبريل كما حلق بطائر الهوى، في سماء كابلي بريشة ورسم البارع الحسين الحسن وكان حبه زي النيل في مجرى حسن عطية الإبداعي وكذلك حينما أحال كلمات الشاعر تاج السر عباس أمير الناس الى نغم شجي عبر حنجرة ثنائي النغم فكانت فاتحة وفخر لشاعرها أن يلحن له بشير، عباس وهو في العتبة الأولى كما أخبرني أستاذي تاج السر في دنيا الشعر.
لا يفوتني أن أذكر لحنه البديع الذي بثه على حنجرة الفنان الأنيق الباسم دائما محمد حسنين يا سهارى تعالوا شوفي البي، الحبيبة كيف قست علي، وهي من كلمات الشاعر الجميل عبد المنعم عبد الحي وحتى عبد العزيز المبارك وصله نغم من أنغامه فكان لحن، أغنية لا تدعني كما لا ننسى أنه رفد مكتبة الاذاعة بالعديد من المقطوعات الموسيقية الرائعة وأول مقطوعة له هي الشروق وتلتها أخريات مثل القمر في كنانة والعسل، في كنانة وأمي وليالي واشنطن ونهر الجور ويامبيو سنار وغيرها من المقطوعات.
ولكن تبقى مسيرته مع بنات طلسم البلابل هي الأكبر والأكثر انتاجًا فمنحهن ألحاناً ظلت خالدة رغم ابتعاد البلابل عن الساحة الفنية لأكثر من عشرين عامًا ما تزال هذه الألحان حية تسعى في وجدان الناس، ارتبط بشير بالبلابل ما يقارب الأربعة عقود من الزمان فكان أول لحن معهن هو لحن تسلم يا أب عاج اخوي يا دراج المحن عام 1971من كلمات الشاعر الفريق جعفر فضل المولى، وكان هذا اللحن بعد فشل انقلاب هاشم العطا وعودة الرئيس جعفر محمد نميري مرة أخرى للحكم، وبعد، ذلك تدفقت الحانه شلالًا روياً على البلابل وتكاد تكون كل أغنيات البلابل من ألحان بشير عباس ولم يشاركه في مسيرته اللحنية مع البلابل إلا القليل منهم أنس العاقب بلحن أغنية ليل الشجن وموسى محمد إبراهيم بلحن أغنية خاتم المنى ومن الطرائف التي رواها ود الحاوي وطبعاً ود الحاوي ارتبط بالفنان ابراهيم عوض، سعى للتعامل مع البلابل وعندما علم بشير عباس بذلك ذهب الى ود الحاوي في بيته وقال له يا ود الحاوي حصل قبل كده سمعت إني مشيت لإبراهيم عوض قال له لا طيب انت مالك ومال البلابل ويقيني ان ود الحاوي يمكن أن يكون إضافة إبداعية في مسيرة البلابل لا تقل عن إبداعات بشير عباس ولكن تبقى إرادة الله هي السائرة فينا
ما زال أستاذنا بشير عباس مواصلاً عطاءه، رغم اقترابه إكمال العقد الثامن، فهو مولود، في آواخر الثلاثينيات من القرن الماضي ونال العديد من الجوائز الفنية العالمية ومازال بعيداً عن وطنه مقيماً في كندا، ولكن ما زالت ألحانه قريبة من وجداننا ونتمنى له موفور الصحة والعافية ويبارك له في مقبل أيامه.