:: وزارة الداخلية توجه رئاسة الشرطة بضبط (الخطاب الإعلامي)، وذلك عقب مطالبة الفريق عيسى آدم إسماعيل مدير شرطة ولاية الخرطوم بعودة قانون النظام العام.. لقد أحسنت الداخلية عملاً بالرد الحاسم على مدير شرطة الخرطوم، وذلك بقولها: (لا عودة لقانون النظام العام).. وبدلاً من التوجيه بضبط الخطاب الإعلامي، كان عليها التوجيه بمواكبة متغيرات المرحلة.. فالسيد مدير شرطة الخرطوم لم يتكلم إلا بما شب وشاب عليه..!!
:: فالشرطي عند الفريق عيسى يجب أن يكون أداةً لقمع أفراد المجتمع وقهرهم والتجسس عليهم والتشهير بهم، أو كما كان الحال – طوال عقود البطش – بأمر قانون النظام العام.. ولأن سيادته لا يعرف ما حدث في بلادنا بعد (19 ديسمبر 2018)، ولم يفهم حجم ونوع التغيير المُرتجى، فمن الطبيعي أن يطالب بالإبقاء على قوانين القمع والقهر والتشهير، ومنها قانون النظام العام.. فأعذروه، لحين يعرف بأن في بلادنا (ثورة) أو لحين يفهم أهدافها..!!
:: وبغض النظر عن جهله بالثورة وأهدافها، من المؤسف أن يتحدث مدير شرطة الخرطوم عن القوانين التي يجب أن تحكم المجتمع.. فمن الأبجديات أن الشرطة غير مطالبة بوضع القوانين، بل عليها تنفيذها فقط لا غير، حتى ولو كانت قوانين غير عادلة، مثل قانون النظام العام.. واليوم، لو شرّعت أجهزة الدولة التشريعية قانوناً يلزم الشرطة بحماية البارات وسكاراها، فما على مدير شرطة الخرطوم إلا تنفيذ هذا القانون أو تقديم استقالته..!!
:: فالشرطة لم تضع قانون النظام العام الذي يطالب به الفريق عيسى، بل هي أيضاً – الشرطة – دفعت ثمن تنفيذها لذاك القانون روحاً ودماً وجراحاً وسباً ولعناً.. فالساسة الذين وضعوا قانون النظام العام هم الذين وضعوا الشرطة بين مطرقة أداء الواجب وسندان غضب الناس.. وقد لا يعلم مدير شرطة الخرطوم بأن الشرطي والمواطن دفعا سوياً ثمن السياسات الخاطئة وجرائم السياسيين، والتي منها قوانين الإذلال، والتي منها قانون النظام العام..!!
:: والأدهى والأمر من حديث مدير شرطة الخرطوم، هو حديث مدير شرطة السودان.. (نحتاج لمراجعة التشريعات، وحماية الشرطي، ليؤدي واجبه، ومُعظم الظواهر ستختفي خلال أسبوع إذا منحت الشرطة الحصانة الكافية)، هكذا تحدث مدير عام الشرطة، الفريق خالد مهدي، للتلفزيون القومي.. ما المقصود بالحصانة الكافية؟ فالشاهد أن للشرطة حصانة إجرائية معمولاً بها دولياً، وتُرفع عند اللزوم..!!
:: أما لو يطالب سيادته بالحصانة الكاملة، التي تمنح الشرطة (الحرية المُطلقة)، لتفعل ما تشاء في الناس، فهذا مُعيبٌ، ولا يجب أن يفكر فيها أحد أهم المسؤولين عن أمن المجتمع، وناهيكم بأن يطالب بها في وسائل الإعلام.. فالسادة بمجلسي السيادة والوزراء لا يتمتعون بالحصانة الكاملة التي تمكنهم فعل ما يشاءون في الناس، فكيف يطلبها مدير الشرطة للشرطة؟ فالحصانة المطلقة مفسدة مطلقة..!!
:: وقد دفع الشعب ثمن المفسدة المطلقة، ولا للردة.. فالردة تعني أن يحصد رصاص الشرطة العزل، كما حدث للشاب عزمي بأمدرمان، وللشابة عوضية عجبنا بالخرطوم، وما أكثر الضحايا.. ثم أن الردة تعني إزهاق أرواح المتهمين في مكاتب التحري وسجون الأقسام، وما أكثر الضحايا.. وهكذا.. وعليه، بما أن المدير العام يطالب بالحصانة الكاملة، ومدير الولاية يطالب بقانون النظام العام، فإن الطريق إلى دولة الحرية والسلام والعدالة لا يزال (شاقّاً وطويلاً)..!!