قانون حقوق الإنسان.. من أين يستمد الشرعية؟
رئيسة المفوضية السابقة: القانون فُصّل لتكون هناك مؤسسة حكومية لحقوق الإنسان وليست وطنية
مفوض سابق: حقوق الإنسان شأن اقتصادي خدمي واجتماعي وثقافي وليست قانوناً فقط
وكيل وزارة العدل: العدل يقع على عاتقها حماية وتعزيز الحقوق حسب قانونها
المجموعة الإعلامية لحقوق الإنسان: الإعلام شريك أساسي في صناعة ونشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال تشكيل الرأي العام
أصبحت حقوق الإنسان في السودان، القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ أن كل الحكومات تعتبرها ليست من أولوياتها من ناحية الاهتمام والتطبيق والالتزام، ولكن حقوق الإنسان تستطيع أن تُقبِّح وجه أي دولة إذا لم تأخذها كما يجب، فما زالت الانتهاكات تتكرر يوماً بعد يوم، بينما يتحدث المسؤولون عن حقوق الإنسان، ولا يعرفون ما هي وكيف يكون الانتهاك نتيجة للجهل بتلك الحقوق التي أصبح العالم ينادي بها ويعتبرها من أساسيات الاستقرار، لأنها ترتبط بكل مناحي الحياة، وهي المهمة التي تقوم بها المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والتي تنشأ حسب مبادئ باريس في تكوينها وقوانينها، وهو ما أدى خلال الأيام الماضية لطرح مشروع قانون المفوضية القومية من جانب وزارة العدل للمزيد من النقاش، إلا أن المشروع وجد الكثير من النقد حول الصياغة والمواد بل والتوقيت، وعدم النشر الإعلامي، مما يشكك في شرعية القانون الذي ربما يصبح مُنتهكاً بدلًا من أن يكون حامياً ومعززاً لتلك الحقوق.
تحقيق: النذير دفع الله
زيرو (draft)
مديرة مركز حقوق الإنسان بجامعة الخرطوم بروفيسور إبتسام سنهوري، قالت خلال مداخلة ونقاش مع مجموعة خبراء حقوق الإنسان، إن مقترح القانون تم إعداده بوساطة فريق عمل من خبراء سودانيين، وتم استقصاء آراء خبراء في المجال داخل وخارج السودان، وهو تحت إشراف الوزير وتوجيهه، وما تم إنهاؤه هو زيرو(draft) بعد طرحه للنقاش، يرحب الفريق بتلقي التعليقات والمقترحات لتجويد المقترح لمدة أسبوع قبل تسليمه بالصورة المكتملة لوزير العدل.
وأوضحت سنهوري أن وباء كوفيد (19) هو السبب في حصر عددية محددة للدعوة للنقاش، حول مشروع القانون، الأمر الآخر هو عدم وجود قاعات مجهزة لاستيعاب أعداد كبيرة في ظل الجائحة، وأشارت أن المشاركة في وضع القوانين تعتبر إحدى الركائز الدستورية والقانونية. وأكدت سنهوري أن العامل الزمني مهم جدًا في إجازة هذه القوانين سيما وأن تكوين المفوضيات جديد وهي أجسام تنفيذية مستقلة متخصصة أساسية لإنفاذ أجندة الانتقال، وأضافت أن التصحيح والتعديل والإصلاح سيكون عملية متواصلة للقوانين والأجسام خلال الانتقال وبعده.
تداخل صلاحيات
رئيسة المفوضية القومية لحقوق الإنسان السابقة مولانا حورية إسماعيل عبد المحسن قالت لـ(الصيحة)، إن مشروع قانون المفوضية الجديد فُصل لتكون هناك مؤسسة حكومية لحقوق الإنسان، وليست مؤسسة وطنيه لحقوق الإنسان وفق معايير باريس 1993م دون مراعاة لمعايير باريس، وهي المعايير التي اعتدمتها جميع الدول الأعضاء لقيام مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان عام 1993م في كل دول العالم, وأضافت: هذا القانون أفرغ معنى حماية حقوق الإنسان من محتواه. وسوف تكون هناك صعوبة في تطبيقه, لأن هناك العديد من التقاطعات مع اختصصات لجهات أخرى، سيما أن القانون في تداخل مع سلطات واختصاصات النيابة.
وأشارت حورية: كان يجب مشاركة أكبر قدر من قطاعات امجتمع المدني حول مشروع القانون، إضافة لاستصحاب التجربة السابقة للمفوضية في معالجات القانون الجديد, وشددت حورية على أنه لا يمكن قيام مفوضية بقرار من مجلس الوزراء، يجب أن يصدر إنشاء المفوضية بموجب قانون. وأكدت حورية أن القانون لم يعرض على لجنة التشريع بوزارة العدل، لأنه حوى جملة من الأخطاء في الصياغة، سيما وأن الدستور أو الوثيقة تقول بأن المفوضية يجب أن تنشأ بقانون وليس بقرار.
الأمر الآخر، لا يمكن أن يكون هنالك رئيس للمفوضية بدون نائب مشروع، القانون تحدث في حال غياب الرئيس أن يعين أحد المفوضين، وهو خطأ حيث لا يمكن تعيين نائب من بين المفوضين الذين هم في درجة متساوية ولا يمكنهم أن يستجيبوا لشخص معهم في الدرجة الوظيفية، أيضا ًهنالك خطأ آخر وهو ما ينص عليه القانون بصورة واضحة على تلقي الشكاوى إلا في فقرة صغيرة وأخيرة، لأنه من أساسيات المفوضية تلقي الشكاوى.
وكشفت حورية، أن الخبير المستقل الننوسي أوصى في تقريره مؤخراً بأن تبقى المفوضية كما هي، على أن يتم إصلاحها، وفي حال عدم إنفاذ التوصية فإنها ليست من مصلحة السودان، وأضافت: القانون يحتاج لملايين الأموال لتنفيذ ما جاء فيه، فهل الحكومة ستلتزم بالتمويل الكافي؟.
وقالت تم حشو القانون بمواد كان يمكن أن تأتي في التفصيل، القانون به (40) مادة، وبعض الفقرات تحدثت أن القانون نص في المادة (50) التي هي أصلا غير موجودة مما يدل على أن القانون لم يعرض على لجنة التشريع.
وطالبت حورية المكتب القطري بضرورة تنفيذ توصية الخبير المستقل حول الإبقاء على المفوضية مع إصلاحها، وأوضحت أن قانون المفوضية للعام 2009 متقدم جداً على القانون الحالي، كان يجب تعديله ليتوافق مع الفترة الانتقالية فقط.
عقل جمعي
المفوض والأمين العام الأسبق لمفوضية حقوق الإنسان الدكتور طه محمد بامكار أكد لـ(الصيحة)، وجود أربع نقاط ضعف كبيرة صاحبت قانون المفوضية السابق، وهي عدم الوضوح في مهام واختصاص الأمانة العامة في الشأن المالي والإداري، مما يتطلب تعزيز دور الأمانة في الشأن الإداري والمالي في القانون الحالي.
وأضاف أن موازنة المفوضية في أنشطتها لا تشبه بنود صرف المؤسسات الحكومية، ومن غير المعقول إلزامها ببنود صرف مثل المؤسسات الحكومية. وأوضح بامكار أن شأن حقوق الإنسان (عقل جمعي)، يجب أن يكون رأي مجلس المفوضية ملزماً للرئيس وليس العكس كما هو ممارس مخالفاً للقانون.
على رئيس المفوضية تنفيذ قرارات مجلس المفوضية وليس العكس. وحسب مبادئ باريس قال بامكار: يجب أن يكون تعيين المفوضيين قراراً سيادياً وليس من مجلس الوزراء، سيما وأن المفوضية من صميم مهامها مراقبة الجهاز التنفيذي وليس العكس. وطالب بامكار بأن تمنح الحصانة للموظفين، واعتبر بامكار حقوق الإنسان شأناً اقتصادياً خدمياً وعلم نفس واجتماعاً وفلسفة وثقافة وقانوناً ليس قانوناً فقط.
ورشة للقانون
من جانبها، أكدت مولانا سهام عثمان وكيل وزارة العدل، أن الوزارة درجت على إجراء مشاورات واسعة بشأن كل مشروع قانون ابتدرته وأن قيام ورشة تختص بمشروع قانون حقوق الإنسان وتعزيزها من صميم عمل الوزارة .وقالت سهام خلال الورشة التي أقامتها وزارة العدل بشأن طرح مشروع القانون والنقاش حوله، إن الوزارة ستجري مشاورات واسعة مع الخبراء والمختصين استئناساً بآرائهم وأفكارهم المثمرة التي ستؤدي إلى تعزيز حقوق الإنسان وفقاً للوثيقة الدستورية. وأشارت سهام أن وزارة العمل والتي تقع على عاتقها مهمة تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وفقاً لقانون تنظيمها لسنة 2017م فضلاً عن اهتمام الحكومة الانتقالية بحقوق الإنسان منذ صياغة الوثيقة الدستورية التي تضمنت العديد من المواد والأحكام الخاصة بحقوق الإنسان، استحدثت قانون مفوضية حقوق الإنسان بديلاً للقانون الساري حالياً، وهو قانون مفوضية حقوق الإنسان لسنة 2009م.
وأكدت سهام أن كل التوصيات التي ستخرج بها الورشة سيتم تضمينها في مشروع القانون بحيث يكون قانوناً شاملاً وملبياً لكل الطموحات.
قانون معيب
المدير الإداري المكلف بالمفوضية القومية لحقوق الإنسان محمد يس النجومي قال لـ(الصيحة)، إن مشروع قانون مفوضية حقوق الإنسان الذي نظمته وزارة العدل والمكتب القطري للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالإمم المتحدة والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أن الورشة التي أعدت للنقاش اتسمت بالمحدودية والانتقائية، ولم يتم الإعلان عنها للرأي العام مما يعتبر مخالفة لمعايير باريس الدولية الخاصة بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الصادرة من الأمم المتحدة.
وأضاف النجومي أن مشروع القانون اتسم أيضاً بأخطاء كثيرة فنية ومنهجية وشكلية وإجرائية تحفظ عليها أغلب المشاركين بالورشة على جزئية وتبعية مفوضية حقوق الإنسان لرئيس الوزراء أو الجهاز التنفيذي وتعيين المفوضين والرئيس بالمفوضية بواسطة رئيس الوزراء, وأوضح النجومي عن ضعف اختصاصات الأمانة العامة للمفوضية باعتبارها الجهاز التنفيذي والفني للمفوضية، مطالباً بضرورة إضافة بعض النصوص لمشروع القانون منها تنفيذ الخطط والسياسات والقرارات الصادرة من مجلس المفوضية بواسطة الأمانة العامة للمفوضية كسلطة حصرية خاصة بها إضافة لمنحها سلطة إدارة الأصول والمتحركات والموارد المالية والبشرية كسلطة حصرية خاصة بها باعتبارها الجهاز التنفيذي للمفوضية منح موظفي المفوضية الحصانة الإجرائية والموضوعية باعتبارهم العاملين في الحقل والتنفيذيين لعمل المفوضية على أرض الواقع. وقد حرمهم القانون من الحصانة دون وجه حق، إلغاء النص الذي يشترط مؤهل بكلاريوس القانون لتعيين المفوضين بالمفوضية، تقييد سلطة رئيس المفوضية لصالح مجلس المفوضية وحصرها في الإشراف العام على تنفيذ القرارات والخطط والسياسات والقرارات الصادرة من مجلس المفوضية وعدم منحه أي سلطات إدارية أو مالية أو تنفيذية إشرافية أو غيرها.
وأعاب النجومي مشروع القانون بمنحه رئيس المفوضية سلطات واسعة وكبيرة تلغي دور مجلس المفوضية والأمانة العامة مما يحول المفوضية لمؤسسة الفرد الواحد الآمر والناهي، وذلك ينتهك معايير باريس.
وأكد النجومي: أوصينا بضرورة توضيح الاستقلالية الكاملة للمفوضية من خلال النص الصريح في القانون على استثناء المفوضية من قوانين ولوائح الخدمة المدنية، ومن اللوائح والقوانين المحاسبية والمالية والتي تعوق عملها وتقلل فاعليتها وتتناقض مع معايير باريس الدولية. مبيناً أنه يجب على وزارة العدل والمكتب القطري للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الاستمرار في نهج المشاورات الواسعة والشفافة والعلنية حول مشروع القانون ويجب عليهم عرض الصياغة الختامية لمشروع القانون في ورشة حوارية تشمل جميع أصحاب المصلحة وتكون معلنة في وسائل الإعلام لإجازتها بصورة نهائية في الورشة بالأغلبية المشاركة بالورشة. مشدداً: وإذا خالفوا ذلك وعمدوا إلى إجازة المشروع بصورة منفردة وشمولية سيكون غير معبر عن المجتمع المدني ولا يمثلهم مما يؤدي إلى عدم الاعتراف بالمفوضية بواستطهم وعدم التعامل معها.
لجنة إعلامية
وأكدت المجموعة الإعلامية السودانية لحقوق الإنسان ضمن مناقشتها لمشروع القانون وخرجت بضرورة إشراك أكبر قدر من منظمات المجتمع المدني تحقيقاً للشفافية والمشروعية في إجازة قانون المستفيد الأول منه هو المواطن وليس أي جهة حكومية أو مؤسسة، وطالبت المجموعة الإعلامية بضرورة وجود أو إضافة لجنة للإعلام ضمن لجان المفوضية وليس كأمانة فقط، فضلاً عن وجود بند واضح يتعلق بضرورة الشفافية حول تمليك المعلومات وإلزام كل المؤسسات الحكومية بعدم إخفاء المعلومات.
واعتبرت المجموعة الإعلام شريكاً أساسياً في صناعة القرار وتشكيل الرأي العام حول سلوك محدد، وبالتالي لا يمكن للمفوضية أن تعمل على نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان إلا من خلال الإعلام الذي يجب أن يكون ملماً بأساسيات وأبجديات حقوق الإنسان، وهذا لن يتحقق إلا من خلال التدريب والتوجيه والاهتمام بالمختصين في مجال حقوق الإنسان من الإعلاميين ورعايتهم وتدريبهم داخلياً وخارجياً لمزيد من التجويد.
ولفتت المجموعة إلى أن عدم نشر مقترح القانون في وسائل الإعلام للاطلاع عليه وإضفاء مزيد من النقاشات حوله، يعتبر بداية للانتهاك وليس لسن قانون يمنع الانتهاك، ولفتت المجموعة الإعلامية: كان يجب إشراك جميع المؤسسات الحكومية، لأنها هي التي يصدر منها الانتهاك وأن تكون هنالك مادة محددة تجبر تلك المؤسسات على إدراج حقوق الإنسان ضمن خططها وبرامجها الاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية.