تقرير/ فاطمة علي
لأسباب متفاوتة ومُتعدِّدة، يرى مراقبون سياسيون واجتماعيون، أن خطاب الكراهية الذي بدأ الانتشار مؤخراً بصورة مخيفة ومقلقة، أصبح سهماً مسدداً إلى صميم القواعد والمبادئ التي تتعلق بالترابط الاجتماعي والسياسي، ويقوض خطاب الكراهية التماسك الاجتماعي وينال من القيم المشتركة، كما يمثل هجوماً على التسامح والادماج والتنوع، ويكون نقطة ارتكاز ينطلق منها العنف، مما يصيب عملية السلام والاستقرار والتنمية المستدامة وكرامة الإنسان بالانتكاسة. تداول خطاب الكراهية خلال السنوات الماضية أنذر بوقوع ما لا تُحمد عاقبته داخل المجتمع السوداني كالإبادة الجماعية وغيرها، وهناك تخوّف من أن تكون هناك لحظة أخرى لمعركة شيطان الكراهية، ولذلك يجب محاربته لرد الخطر بجانب ضرورة بذل الجهد على نطاق أوسع لمعالجة الأسباب الجذرية.
ويرى مراقبون أن خطاب الكراهية وصل مرحلة خطرة يمكن أن تؤدي لتفتيت البلاد، مشيرين إلى أنه يعمل على تذويب نقاط الاتفاق وروح الحوار بين الناس، كما إنه أمر خطير، ويؤدي إلى شيطنة الآخر والتعنيف باعتباره عدواً يجب التخلص منه، بالنظر للمواقف السياسية الأكثر إشاعة لخطاب الكراهية.
(عود عود)
نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو، دعا إلى نبذ خطاب الكراهية، وأقسم أن خطاب القبلية والكراهية السائد الآن سيفرق السودان (عود عود). وقال في ولاية نهر النيل مؤخراً، إن السياسيين كلما فقدوا مصالحهم لجأوا للقبيلة لتحقيق أهدافهم، وطالب عضو مجلس الشركاء مني أركو مناوي بنبذ خطاب الكراهية وقبول الآخر واحترام التنوع، ويجب محاصرة الخطاب الإثني والقبلي بنشر ثقافة السلام، خاصة بعد اتفاق سلام جوبا، مشيراً إلى أن الحروب التي ظل يعاني منها السودان منذ الاستقلال بسبب تنامي خطاب الكراهية ودعا نائب رئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان لمحاربة الإثنية وخطاب الكراهية والقضاء عليه، مؤكداً أن البلد تسع الجميع لبناء سودان موحد، مضيفاً أن عقلية الكراهية لن تبني بلداً.
الانحياز السياسي
وقال رئيس “حزب التحرير والعدالة” التجاني السيسي: كنا نتوقع أن ينتهي خطاب الكراهية بعد الثورة، وهذا لم يحدث، وأصبح أكثر انتشاراً، ووصل مرحلة خطرة يمكن أن يُفتِّت البلاد، ويُعرض الأمن القومي للخطر، وأكد أن خطاب الكراهية موجود منذ سنوات وحذر من التوجهات القبلية والجهوية، وأشار إلى أنها أكبر خطر يمهد للتفتيت، وعبر عن أسفه على انتشار خطاب الكراهية في وقت يتطلع المواطنين لبناء سودان جديد خالٍ من العنصرية، ورحج أن الاستقطاب السياسي والتهميش السياسي الاقتصادي والإقصاء سبب لذلك، مضيفاً أن هذا الأمر يؤدي إلى مزيد من التباعد بين مكونات الشعب، واعتبر أن عدم الانحياز إلى القبلية والجهوية خاصة في الأمور السياسية هو الحل لإنهاء خطاب الكراهية، وإعلاء شأن الوطن.
مناهضة الخطاب
وكشف الناشط لحقوق الإنسان بشارة حسين دوسة لـ(الصيحة) عن وضع خطتي عمل استراتيجي مناهضتين لخطاب الكراهية يراد بهما تنسيق الجهود المبذولة على نطاق منظومة الأمم المتحدة بأسرها، وتعملان على معالجة الأسباب الجذرية لذلك الخطاب وجعل استجابتنا له أكثر فعالية. وأضاف: نحن عاكفون على وضع خطة عمل للأمم المتحدة لكي تشارك مشاركة كاملةً في الجهود الرامية إلى دعم حماية المواقع الدينية وضمان سلامة دور العبادة.
ويضيف: نقول لأولئك الذين يصرون على استغلال الخوف لغرس بذور الفرقة في المجتمعات، لا بد لنا أن نقول: إن التنوع ثروة، وما كان قَطّ تهديداً، والإيمان العميق والثابت بالاحترام المتبادل وتقبل الآخر كفيل بأن يسمو بنا عما يأتي في عشرات النشرات والتغريدات التي تُطلق في أجزاء من الثانية، وقال: يجب ألا ننسى أبداً أن كل واحد منّا هو في نهاية الأمر “آخر” بالنسبة إلى شخص ما في مكان ما، ولن يكون أيّ إحساس بالأمان إلا وهماً ما دامت الكراهية تعم.
وقال دوسة: الواجب يحتم علينا، ونحن جزء من نسيج الإنسانية الواحد، أن نرعى بعضنا بعضاً. ولا بد، بطبيعة الحال، أن يكون كل ما يتخذ من إجراءات للتصدي لخطاب الكراهية ومجابهته متسقاً مع حقوق الإنسان الأساسية، وأضاف: التصدي لخطاب الكراهية لا يعني تقييد حرية التعبير أو حظرها. ولكن يعني منع تصعيد خطاب الكراهية بحيث يتحول إلى ما هو أشد خطورة، وخاصة إذا بلغ مستوى التحريض على التمييز والعدوانية والعنف، وهو أمر يحظره القانون الدولي. ولفت: إننا بحاجة إلى التعامل مع خطاب الكراهية كتعاملنا مع كل عمل خبيث: فلنُدِنه، ولنرفضْ توسيع أصدائه، ولنجابِهه بالحقيقة ونحث الجاني على تغيير سلوكه.
وقطع: آن الأوان لتكثيف الجهود بغية القضاء على معاداة خطاب الكراهية واضطهاده وسائر أشكال العنصرية، وما يتصل بذلك من تعصب. وأشار: على الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص ووسائل الإعلام جميعاً أدوار هامة ينبغي القيام بها. وأضاف: يجب أن تتحمل القيادات السياسية والدينية مسؤوليةً خاصة عن تشجيع التعايش السلمي. ونوه: إن الكراهية خطر محدق بالجميع، وشدد: لا بد أن تكون محاربتها فرضاً على الجميع. فمعاً، يمكننا أن نخمد الكراهيةَ السارية كالنار في الهشيم وأن نصون القِيم التي تجمعنا كأسرة إنسانية واحدة.
ليس إسقاطاً
وعدد الخبير السياسي بروف محمد سليمان أبوصالح أسباب انتشار خطاب الكراهية، مشيراً بذلك للغلظة التي تحدث خلال المواكب والاعتصام واهتمام الناس بالإسقاط وليس ما بعد الإسقاط، وأضاف في تصريح أن الدولة تمر بظروف معقدة خارجياً وداخلياً، وقال أبوصالح لـ(الصيحة)، إن للثوار أهدافاً خرجوا من أجلها ويرون أنها سُرقت، واهتمت بعمل أجندتها وظهر التباين الإقصائي لغياب الرؤية، وظهر التمكين الجديد وتحول لانتقام وإعادة إنتاج فساد جديد. ولذلك بحسب أبو صالح، ظهرت الكراهية لتقسيم السودان لدواعي أجندة خارجية، وأرجع ذلك لغياب الرؤية وعدم الاتفاق، وأضاف أن الحكومة أتت بمحاصصات، مشدداً على ضرورة الانتظام وليس الإسقاط. ويرى أنه ولأجل محاربة خطاب الكراهية لابد أن تكون الفترة توافقية وعقد مؤتمر مصالحة وطنية، برؤية جديدة تمنع تكرار الماضي بشرط حوار سوداني يضم عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو، وفتح صفحة جديدة برؤية وطنية راشدة تراعي حقوق المواطنة المتساوية وخلق منظومات عدلية فاعلة.
نعمة ونعرة
وقال عضو لجان المقاومة بولاية البحر الأحمر منتصر أحمد لـ(الصيحة)، إن أكثر الإثنيات التي تأثرت بخطاب الكراهية في أوقات النظام البائد بدارفور خاصة، إثنيات دارفور، والشرق وتحول التنوع من نعمة إلى نعرة، وأدى لاحتراب وفقدان كثير من الأرواح، وأعرب: كنا نأمل أن ينتهي هذا النوع من الخطاب بعد ثورة ديسمبر المجيدة لأنها جاءت من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة والتعايش السلمي، وأشار إلى أن ما حدث بعد تعيين والٍ بكسلا كان سببه انتشار خطاب الكراهية بين بعض مكونات الشرق. وأضاف: خطاب الكراهية نتج عن عدم قبول الآخر واحترام التنوع، وتنامي خطاب الكراهية دون وجود قانون رادع، منوهاً إلى أن الخطاب الإثني والقبلي بلغ مراحل بعيدة، ويمكن أن يؤدي إلى تمزق البلاد إلى دويلات صغيرة. ونبه إلى أن الاستقطاب السياسي والإثني أصبح منتشراً بعد الثورة، وأكد أن الأمر يتطلب محاصرته بنشر ثقافة السلام وقبول الآخر أولًا واستخدام القانون في وجه من يعمل على إشاعة خطاب الكراهية.
تفعيل قانون
واتهم الخبير القانوني، نبيل أديب أنصار النظام البائد والثورة المضادة بأنهم وراء نشر خطاب الكراهية لخلق اضطراب في الفترة الانتقالية، وطالب بتفعل القانون لحسمهم، لأن هذا النوع من الخطاب يؤدي إلى العنف والتأثير السالب على تطور البلاد، معتبرًا أن وقف الاستعلاء الثقافي ونشر ثقافة قبول الآخر أدوات فعالة للقضاء على خطاب الكراهية، وأن نظام الإنقاذ لعب دوراً كبيراً في نشر خطاب الكراهية، وقال إن المعزول البشير وصف التنوع (بالدغمسة) في إحدى خطاباته الجماهيرية، وأضاف: نتيجة لذلك حدثت حملات كراهية واستمرت الحروب بعد الانفصال، واشتعلت الحروب في المنطقتين ودارفور والشرق.