الخرطوم– جمعة عبد الله
تتّجه الحكومة لإقرار سياسات جديدة بشأن القطاع الزراعي تشمل تحريراً كاملاً لمدخلات الإنتاج، فيما يتخوّف مختصون من تأثيرات سلبية على القرار حال تطبيقه فعلياً برفع تكاليف الزراعة لمستويات بعيدة عن قدرة صغار المُزارعين والمنتجين.
وأمس الاول، اعلن وزير الزراعة والغابات د. الطاهر حربي، عن التحرير الكامل لمدخلات الإنتاج تماشياً مع السياسات التي اتّخذتها الحكومة بتحرير سعر الصرف، مقراً بمواجهة القطاع الزراعي “جملة تحديات”، ولفت د. حربي خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الزراعي الشامل لأهمية إعادة النظر في السياسات والاستراتيجيات التي تعظم من نهضة القطاع الزراعي والخروج لرؤية شاملة.
تكاليف المُدخلات
وسعت الحكومة خلال السنوات الأخيرة لتقديم ميزات تفضيلية، شملت إعفاء القطاع الزراعي من الرسوم والضرائب بشكل جزئي، مع إعفاء مدخلات الإنتاج الزراعي من الرسوم الجمركية كلياً، لتشحيع المنتجين على استيراد المدخلات من الحاصدات والبذور والاسمدة والتراكتورات، بيد أن تحريرها المرتقب سيؤدي لرفع اسعارها بشكل كبير.
قصور حكومي
بشكل عام، طوال السنوات المنصرمة لم تكن الحكومة تقدم شيئاً ذا بال للقطاع الزراعي، حيث كبّلت السياسات الحكومية القطاع الزراعي، وتضاءلت مساهمته للاقتصاد القومي، مع محاولات شكلية لإصلاح الوضع دون جدوى بسبب افتقارها للجدية والعلمية.
وادى هذا الامر لرسم واقع باتت فيه مساهمة الزراعة لا تشكل رقما يذكر في الاقتصاد القومي على الرغم من ثراء وتنوع المقومات الزراعية، حيث يتوفر القطاع الزراعي في السودان على مائتي مليون فدان صالحة للزراعة، 80% منها أرض بكر لم تستغل، فيما لا يتجاوز حجم المستغل منها فعليا 20 بالمائة، ويقول مختصون إن المقومات الزراعية المتوفرة بالسودان، “كافية لسد حاجة كل الأسواق العربية من المحاصيل والخضروات” شريطة استغلالها بشكل جيد، وهو ما سيمكن البلاد من تحقيق فوائد بقيمة 50 مليار سنوياً قيمة استيراد المنتجات الزراعية للدول العربية.
وبحسب مختصين، سيؤدي قرار تحرير مدخلات الزراعة لزيادة معاناة القطاع الذي يعاني أصلاً من عدة إشكالات متشابكة ومُعقّدة اسهمت في تراجع مساهمته في الاقتصاد القومي لأدنى مستوى من عقود، ويشرح اصحاب المصلحة ومسؤولون هذه الأسباب مع مقترحات الحل، ورغم حدوث تغيير مؤثر في المشهد السياسي وما تبعه من تغييرات جذرية في السلطة الحاكمة، إلا أن واقع القطاع الزراعي لا يزال بعيداً عن إحياء الآمال مجدداً بجعل السودان “سلة غذاء العالم”.
سياسات مرفوضة
ويرفض اتحاد غرف الزراعة والإنتاج الحيواني، ما تعتزم الحكومة تطبيقه بشأن القطاع الزراعي، حيث يرى الاتحاد ان موجهات الدولة تعول على الزراعة والثروة الحيوانية لحل المشكل الاقتصادي، إلا أن السياسات والإجراءات لا تعبر عن ذلك.
وأشارت ورقة عمل بعنوان “مهددات الزراعة والإنتاج الحيواني… المشاكل والحلول”، استعرضها الامين العام للاتحاد الدكتور مرتضى كمال خلف الله خلال لقاء مع وزير الزراعة بروفيسور طاهر حربي الى أن أهم المهددات تمثلت في فرض ضرائب ارباح اعمال على الزراعة بنسبة 2% وزيادة تعرفة الكهرباء للقطاع بنسبة 1000% في حين لا تمثل سوى 5% من الاستهلاك الكلي.
واشارت الورقة الى زيادة جازولين الزراعة بنسبة 1000% وزيادة الرسوم الحكومية على واردات مدخلات الإنتاج بنسبة تراوحت بين 1000 – 2000%، الى جانب مهدد ضعف التمويل الزراعي المقدر بـ8% مما ادى الى ارتفاع تكلفة مدخلات الانتاج الزراعي والحيواني، واشارت الورقة الى عدد من الحلول تمثلت في ضرورة زيادة رأسمال البنك الزراعي وتوفير مخزون استراتيجي من الذرة، إذ تمثل الأعلاف نسبة 60 – 70% من التكلفة والاتجاه الى بيع الردة مُباشرةً للمنتجين بالتنسيق مع وزارة الزراعة، الى جانب تخصيص حصة من المولاص والأُمباز للمُنتجين.
وتطرقت الورقة الى ان مهددات الموسم الشتوي وقد تبقى لحصاده نحو شهر، تمثلت في انعدام الجازولين والخيش، الى جانب مشاكل التخزين، إذ أن سعة المخازن والصوامع لا تتعدى نسبة الـ10%، ونوهت الورقة الى ضرورة زيادة حجم التمويل الزراعي استعداداً للموسم الصيفي وتوقيت التمويل بحسب العمليات الفلاحية وتمويل الأصول من الآليات والحاصدات وتطهير القنوات وتوفير الوقود في مناطق الإنتاج وتوفير النقد الأجنبي لاحتياجات التقاوي والأسمدة، ونوهت الورقة الى ان عائدات صادر الماشية كمورد ضخم تتم السيطرة عليه بواسطة تجار العملة بسبب الاختلال في سياسات وإجراءات وزارة التجارة والبنك المركزي والشركات الرمادية بسبب عدم ولاية المالية على المال العام، وطرحت الورقة حلولاً لأزمة صادر الماشية باعتماد وتأهيل المصدرين بواسطة لجنة مشتركة من الجهات ذات الصلة ومسؤولية البنك التجاري عن عمليات الصادر وحصائله وفق ضوابط، وفصل عمليات الصادر عن الوارد، والسماح بالتعامل بكل طرق الدفع بالإضافة إلى تأهيل البنية التحتية للمحاجر وعدم ربط إجراءات التحقين باستمارة الصادر.
وسبق ذلك، انتقاد للمهندس احمد عبد الرحمن الدومة رئيس لجنة تسيير اتحاد غرف الزراعة والانتاج الحيواني لضعف نسبة ومخصص القطاع الزراعي بموازنة الدولة للعام 2021، وكشف الدومة أن الموازنة خصصت نسبة 1.2% فقط للقطاع الزراعي، وأشار الدومة إلى أن أقل نسبة للقطاع تقدر بـ15% من إجمالي الموازنة، ووصف ذلك الوضع بالإهمال، مؤكداً أن الدول التي تقدمت وازدهرت خصصت موازنات لا تقل عن 17% للزراعة مثل رواندا وتركيا، وابان ان القطاع الخاص هو الشريك الأساسي للعملية الانتاجية التي تمكن المواطن للاستفادة من الطاقة المالية للقطاع.
ويقول وزير زراعة أسبق بولاية نهر النيل، لـ”الصيحة”، إن استنهاض القطاع الزراعي لن يتم عبر تحرير مدخلات الإنتاج، لافتاً الى اهمية إزالة القيود عن صغار المزارعين وجعلهم قادرين على سد حاجة السوق المحلي من محاصيل الحبوب والخضروات، وتنفيذ مشروعات كبيرة للصادر، وقال ان القطاع الزراعي يجب أن يتصدر اهتمامات الحكومة، وحدد مطلوباته في: إعادة النظر في السياسات المنظمة للزراعة وإزالة القيود عن صغار المنتجين وتوفير التقاوي والتقانة الحديثة في عمليات الري والإرشاد الزراعي والحصاد، فضلاً عن تطبيقه برنامج سلاسل القيمة الذي يهتم بجميع مراحل الزراعة من الحقل وحتى التسويق.
وبسبب تزايد مشكلات صغار المزارعين من سياسات الحكومة وقصور الأداء من الجهات المختصة تواصلت العديد من الاحتجاجات، آخرها إغلاق المزارعين للطريق القومي الخرطوم – سنار لعدم توفير الجازولين لأكثر من اسبوعين. أما في الولاية الشمالية فلم الحال أفضل، حيث كشفت لجان المقاومة بمحلية البُرقيق عن خروج كافة المشاريع بالمحلية من خط الإنتاج إلا القليل منها بسبب معوقات تتعلق بالإدارة والبنية التحتية والمقومات الخدمية من كهرباء وشبكة صرف صحي وشبكة إنترنت وغيرها من المشاكل.
أما أبرز العقبات الاخرى التي تواجه المشتغلين في الحقل الزراعي، فهي صعوبة الحصول على مدخلات الإنتاج والاسمدة والتقاوي والتمويل للتحضير، حيث يشيرون الى ان الحكومة واذرعها غير قادرين على الوفاء بهذه الالتزامات على الوجه الاكمل، مما يضطر المزارعين للجوء لخيار التمويل عبر الاستدانة وهو تمويل به نسبة مخاطر عالية اخرجت كثيراً من المزارعين من دائرة الإنتاج، والقليل من المُقتدرين يعتمدون على التمويل الذاتي وهو أيضاً ذو تكلفة عالية لغلاء أسعار المدخلات.
ولا تقف مشكلات المزارعين عند هذا الحد، بل تواجههم العديد من العقبات في مختلف مراحل الإنتاج في الحصاد والتسويق والنقل والترحيل، وكل مرحلة من هذه المراحل تتطلب تكاليف عالية، والمحصلة أن المحاصيل تصل للمستهلك بأسعار عالية.