أبو عبيدة عبد الله يكتب : فساد بالقانون
*تتداول وسائط التواصل الاجتماعي لأكثر من يومين وثائق مُسرّبة منسوبة للشركة السودانية للموارد المعدنية، تفيد بأن أحد الموظفين حديثي العمل بالشركة يبلغ راتبه (340) ألف جنيه، وأن مدير الشركة السيد مبارك أردول منحه مكافأة مرتب (8) أشهر ما يعادل (2.449.765) جنيهاً.
*صمتتْ الشركة حتى الأمس ولم تخرج لتوضح صحة الوثيقة المسربة من عدمها، رغم التداول الكثيف للموضوع، وأصبح قضية رأي عام، باعتباره مدخلاً لقضية فساد محمي بالقانون واللوائح.
*بالأمس تحسّر رئيس حزب المؤتمر السوداني د. عمر الدقير وقال: (أعرب عن أسفي أن يظل السودان في نفس خط الفساد رغم زوال نظام الثلاثين من يونيو، وأستغرب للعجز عن محاربة الفساد وثقافته بشكل جاد بحسب ما أكدته تقارير المراجع العام بعد الثورة والتي أشارت إلى التعدي الكبير على المال العام).
*منظمة الشفافية العالمية كانت قد صنّفت السودان في يناير الماضي، أي بعد أكثر من عام من الثورة بأنه اكثر الدول فساداً، مما يعني أن الفساد ليس مرتبطاً بتنظيم أو حزب، وإنما سلوك يتنامى كلما قلّت درجة حساسية مكافحته ومراقبته بالقانون.
*الفساد ليس معناه أن تدخل يدك في خزينة الدولة وتختلس، بل هناك فساد يتم تقنين التشريعات له، ووضعه في قالب يصعب من خلاله إدانة أي شخص.
*في قضية نائب الرئيس السابق عثمان محمد يوسف كبر، والذي برأته المحكمة من تهمة الخيانة العامة، اتهم كبر بتبديد المال العام في عمليات طلاء لمنزله، وصرف ملايين الجنيهات لطباخين في منزله، وفواتير هواتف بمبالغ كبيرة وغيره، الناظر لتلك الاتهامات لا يدانيه شك في تورط كبر، ولكن استطاع نائب الرئيس أن يثبت للمحكمة أنه لم يرتكب أي جريمة وقدم كل المستندات الرسمية من القصر التي تؤكد براءته.
*إذن المشكلة ليست في الأشخاص، وإنما اللوائح والقوانين التي تقنن الفساد وتسوغ من بيده القلم الأخضر للقيام بأي عملية مالية دون أن يتردد.
الدعوة لسن تشريعات لعقوبات رادعة للمفسدين موجودة، ومعمول بها، ولكن عملية الفساد نفسه محمي بجدار سميك من اللوائح والقوانين، التي تزين له ما يقوم به بأنه صحيح، فيما يراه البعض فساداً.
*مستند الشركة السودانية للتعدين ــ إن صح ــ يدخل في هذا الجدار السميك، ويصبح محمياً بالقانون، ويصبح الإجراء سليماً في نظر الشركة، ولكنه فساد في نظر الآخرين، وكلو بالقانون.