:: يوم الأربعاء الفائت، مخاطباً ورشة ميناء الحاويات بحاضرة البحر الأحمر (بورتسودان)، قال وزير المالية جبريل إبراهيم: (مشاكل الميناء ذات الطابع الإداري يمكن حلّها بالتعاون مع مجتمع الميناء، وكذلك مشاكل الرسوم وأسعار الصرف يمكن حلّها بواسطة وزارة المالية الاتحادية، ولكن يجب إيجاد رؤية جديدة وشراكات استراتيجية خارجية لتطوير الموانئ السودانية دون أن تضار مصالح السودان، والعاملون).
:: جبريل يختلف عن الكثيرين بطرح الحلول (الشاملة والجذرية)، وليس ما يُمكن وصفها بالتخدير والترقيع.. وفي الحديث أعلاه، يريد أن يقول بأن الأزمات الصغيرة التي من شاكلة رسوم الموانئ وتعيين الأفندية مقدور عليها، ويمكن تجاوزها بالتنسيق مع العاملين وسلطات المالية.. ولكن الأزمة الكبرى، وهي العجز عن التطوير والمواكبة ومنافسة موانئ العالم، لا يمكن حلها إلا بشراكات استراتيجية تخدم مصالح البلد وتحمي حقوق العاملين..!!
:: ونتساءل منذ سنوات – ولم تكن الموانئ قد تردّت لحد العجز عن تفريغ السفن – ما الذي يمنع تطوير الموانئ بالقطاع الخاص كما تفعل الدول، بما فيها العظمى؟ ولماذا التوجُّس من الشراكات الاستراتيجية؟.. ولماذا الصوت الرافض لإشراك القطاع الخاص في تشغيل وإدارة الموانئ هو الأعلى؟ ولماذا تخشى الحكومات هذه (الحلاقيم)، رغم قناعتها بأن تحرير التشغيل والخدمات هو الحل لأزمة تردي كل القطاعات، وليس فقط قطاع النقل..؟؟
:: وبالمناسبة، هناك قانون سلطة الموانئ البحرية لسنة 2018، وبموجبه نالت هيئة الموانئ السلطات الرقابية والسيادية، أي لا خوف على السلطات السيادية والرقابية.. ومع هذه السلطة الرقابية والسيادية، يجب طرح عطاء وإفساح المجال لشركات القطاع الخاص – بالداخل والخارج – بكل شفافية، لتطوير التشغيل والخدمات بالموانئ.. شركات القطاع الخاص تُتقِن التشغيل وتطوير الخدمات، ولا تسمح بتحويل الموانئ إلى (نظارة) أو منصات حزبية..!!
:: فليمضِ جبريل نحو الحل الجذري، أي الشراكات.. وقد تأخّر فصل الرقابة والإشراف عن الخدمات والتشغيل بالموانئ، وكان يجب أن يتم هذا الفصل قبل هذا التردي.. فالشراكات الاستراتيجية – مع القطاع الخاص – هي التي نهضت بالموانئ المجاورة لموانئ بلادنا.. ولو أتقنت الحكومة الرقابة، فإن الشركات لن تفشل في تشغيل وتطوير الخدمات.. وما نهض قطاع الاتصالات في بلادنا إلا بتقزيم السلطة الحكومية لحدّ الاكتفاء بالإشراف والرقابة..!!
:: ولأن الغاية هي التطوير، ليس هناك ما يمنع استيعاب شركات ذات كفاءة للخدمات والتشغيل بالموانئ، كما تفعل الدول المُتحضِّرة.. فالاقتصاد الحديث يتكئ على تقزيم سلطات الحكومات وتضخيم سلطات الشركات.. ولكن في بلادنا، بذات العقلية التي تسببت في انهيار الاتحاد السوفيتي، لن يكون مُدهشاً إنشاء هيئات حكومية لبيع الشاي والقهوة للمارة، أو الفول والطعمية لطلاب المدارِس.. على صُنّاع القرار عدم التوجُّس من كل أنواع التغيير..!!
:: ومن التغيير المنشود أن تكتفي الحكومة بالتشريع والرقابة والإشراف – أي بالسلطات السيادية – في كل القطاعات الاقتصادية والخدمية، وتُفسِح مساحات الإنتاج والخدمات والتشغيل للشركات – الأجنبية والوطنية – بمُنتهى الشفافية والعطاء الجهير، وليس بالنهج القديم (أم غُمُتِّي).. وعلى وزير المالية ترجمة حديثه إلى عمل، وذلك بإطلاق سراح موانئ البلاد من (قيود الميري)..!!