من المُفارقات أن يتم افتتاح أسواق للبيع المُخفّض بولاية الخرطوم من قِبل المؤسسة العسكرية، ولا نجد أحداً من مُكوِّنات الحكومة المدنية، سواء وزارة الصناعة أو الاستثمار أو والي الخرطوم أو غيره ممن يهمهم أمر تخفيض أعباء المعيشة تجاه المُواطنين، الذين عانوا كثيراً من سياسات الحكومة التي حرّرت كثيراً من السلع، مما ضاعف أسعارها عشرات المرات، بل هناك سِلعٌ تضاعفت مئات المرات!!
غياب المكون المدني من احتفال أسواق البيع المُخفّض، يؤكد بلا شك أن هناك جفوة كبيرة بين المدنيين والعسكريين، فإذا افترضنا أن المؤسسة العسكرية أخطرت أو قدمت الدعوة للمدنيين المُختصين بقضية الأسواق ولم يلبوا الدعوة، فذلك يؤكد عدم المسؤولية وعدم الاهتمام بقضايا المواطنين، أما إذا تجاهلت الحكومة، الوزارات المختصة ولم تُقدِّم لها الدعوة، فذلك يدخل في خانة عدم الرشد السياسي، نعم الرشد السياسي!! صحيح إن المؤسسة عسكرية، لكن النشاط الذي قامت به هو نشاطٌ مدنيٌّ، معنيٌّ به المُواطنون، فتجاوُز المدنيين ليس من المصلحة، ويُعمِّق جراح البلاد التي تَئِن من الجراحات سواء في المركز أو الولايات!!
ويبدو جلياً أسباب المعركة التي تدور علناً أحياناً، وفي الخفاء أحايين أخرى بضرورة عدم دخول المؤسسات العسكرية في الأنشطة التجارية المدنية، وهنا نَدرك أن الحكومة المدنية غير قادرة على مُجاراة المؤسسة العسكرية، فهي مؤسسة راسخة من عشرات السنين، ولديها إرث وثقافة وتقاليد معمول بها، عكس المُكوِّن المدني من الوزراء والمسؤولين والذين لم يتعرّف بعضهم على بعض بعد!!
لن يتضرّر البرهان وقادة المؤسسة العسكرية، ولن يتضرّر حمدوك ووزراؤه من حالة التنافُر والجفوة البادية بين الطرفين، ولكن المُواطن هو الذي يُعاني، فيجب الارتقاء إلى الاهتمام بالمواطن، بعيداً عن سياسة (كبِّر كُومك)، ونَسَب أي إنجاز لجهة مُحَدّدة وليس للحكومة الانتقالية بشقّيها العسكري والمدني.
لا نُريد لحمدوك ووزارئه أن يُغيِّروا مما قام به الجيش ويفتتحون سوقاً آخرَ للبيع المُخفّض في أم درمان أو غيره، بل نُريد أن تكون مشاريع الحكومة الانتقالية تُنسب لها وليس لمُكوِّن من المُكوِّنات أو فرد أو أيِّ حزبٍ!!
لن ينصلح الحال طالما أنّ المُكوِّنين العسكري والمدني بهذه الجفوة.. (صفُّوا النفوس وبيِّضوا النِيّة)..!