لن تُقيّد ضد مجهول.. الشرطة تكشف خُيُوط الجرائم الأخيرة
الخرطوم ـ محجوب عثمان
حينما وجد سائق تانكر محطة أويل إنرجي بالسوق الشعبي في أم درمان، وكيل المحطة وابن عمه إبراهيم عبد الله مُمدّداً على وجهه ويداه موثوقتان وممددتان أمامه، لم يصدق نفسه، لكن نظرة سريعة في المكتب أكدت له أن مكروهاً حدث لابن عمه، فسارع إليه ليجده جثة فارقتها الحياة، وهو الرجل الذي كانوا يبحثون عنه ليتسلّم منهم حصة الوقود إيذاناً ببداية العمل منتصف نهار الجمعة.
تلك كانت البداية لقضية شغلت الرأي العام، كونها الحادثة الثانية للنهب المُسلّح التي تروح ضحيتها روح بريئة بعد حادثة جامعة أم درمان الإسلامية التي وقعت قبلها بأقل من أسبوع.. وكان الحادث الجديد بمثابة التحدي الكبير الذي يُواجه الشرطة، خاصّةً وأنها استطاعت أن تقبض على الجناة في حادثة طالب الجامعة الإسلامية خلال 48 ساعة، فكان الضغط أكبر من المواطنين ومن أهل المغدور، الذين أغلقوا جسر الفتيحاب أمس الأول مُطالبين بالقبض على الجناة.
ضغط وشائعات
أمس الأول ومع تزايُد الضغط عليها وانتشار الشائعات حول القضية، أصدرت الشرطة بياناً لم يحمل أي معلومة غير التأكيد بأنها تعمل على فك غموض الحادثة، مُشيرةً إلى أن وزير الداخلية الفريق أول عز الدين الشيخ، ومدير عام قوات الشرطة، ومدير شرطة ولاية الخرطوم وإدارات الشرطة كافة، هرعت إلى موقع الحادث فور وصول البلاغ، وأنها تعمل على فك طلاسم القضية الغريبة على المُجتمع، وحمل البيان لغة تطمينية للمواطنين باقتراب موعد الإعلان عن الجُناة، لكنها كانت إشارات بعيدة تقرأ ما بين سطور البيان، وحينها أسر مصدر لـ(الصيحة) بأنّ الشرطة تتابع خيوطاً ملموسة سَتُوصِّلها للجُناة، بيد أنه أكد أنها لا تريد الإفصاح عنها خشية أن ينتبه الجناة، سيما وأن الشرطة حتى لحظة إصدار البيان لم تكن تعلم عدد مُنفِّذي الجريمة.
معلومات
منذ صباح أمس، بدأت بعض المعلومات تتدفّق من الشرطة، حيث أكد مصدر لـ(الصيحة)، نجاح الشرطة في القبض على الجناة، وأن التحقيقات تمضي الآن على قدم وساق لإكمال ملف القضية، مُشيراً إلى أن القضية نفسها فرضت على قوات الشرطة أن تكون في غرفة طوارئ مُكوّنة من كل الوحدات تحت إشراف مباشر من مدير عام قوات الشرطة ومدير شرطة ولاية الخرطوم، وقطع بأن 4 متهمين الآن في قبضة الشرطة يتم التحري معهم، وتوقّع أن تعقد الشرطة مؤتمراً صحفياً خلال اليوم تكشف فيه جميع مُلابسات الجريمة بعد أن تفرغ من التحقيقات.
وَعدٌ سِياديٌّ
غير بعيدٍ من ذات الملف، التقى أمس عضو مجلس السيادة، الفريق أول ركن شمس الدين كباشي بمكتبه في القصر الجمهوري، بالفريق أول شرطة خالد مهدي إبراهيم مدير عام الشرطة، بحضور مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق شرطة عيسى آدم إسماعيل.
وقال مدير عام الشرطة، الفريق أول شرطة خالد مهدي في تصريح صحفي، إنّ اللقاء تطرّق للأوضاع الأمنية بصفة عامة، وفي ولاية الخرطوم بوَجهٍ خَاصٍ، مبيناً أن اللقاء تناول مطلوبات العملية الأمنية، بدءاً بالتشريعات وانتهاءً بالإمكانات، وأضاف أن كباشي وعد بتوفير كل ما يلزم لدعم العملية الأمنية حتى يعم الأمن والطمأنينة أرجاء البلاد كَافّة.
مطلوبات
وربما جاء اللقاء على خلفية تصريحات أدلى بها مدير عام قوات الشرطة مساء أمس الأول في تلفزيون السودان، أكد فيها مقدرة الشرطة على بسط الأمن في الخرطوم وعموم السودان، حال أُزيلت العوائق القانونية التي تُكبِّلها وعلى رأسها قانون الحصانات، وقال إن قواته حال أُجيزت لها التشريعات التي تمت صياغتها، فإنها ستكون قادرة على فرض هيبة الدولة وتوفير الأمن للمواطن خلال أسبوع واحد، مشيراً إلى أن القوانين الحالية تُكبِّلها وتعوقها عن أداء مهامها.
كَشف الجُناة
ظهر أمس، وضعت الشرطة حدّاً فاصلاً، وأعلنت عن مؤتمر صحفي عاجلٍ، كشفت من خلاله فك طلاسم قضية قتيل أويل إنيرجي، مُعلنةً القبض على 4 متهمين أقروا بارتكاب الجريمة، وقدّموا اعترافات قضائية بارتكابهم الحادثة، حيث أكّدوا أنّها تمّت بدافع السرقة، لكن المُفاجأة الأكبر تمثّلت في أن من نَفّذوا الجريمة هُم العُمّال الذين يعملون في ذات محطة الوقود!!
تفاصيل الجريمة
تفاصيل الجريمة رواها مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق عيسى آدم إسماعيل من خلال المؤتمر الصحفي، مبيناً أنّ قوات الشرطة دفعت بفرقها المُعتادة حال حصول أية جريمة، فكان أن قام فريق مسرح الحادث بالتصوير، بينما جمعت الأدلة الجنائية ما كان موجوداً في مسرح الجريمة، لافتاً إلى أنهم وجدوا قميصاً يخص الجُناة ومنديلاً ولفافة “بنقو” وحبالاً، مبيناً أنهم عملوا فوراً في 3 محاور، تمثل الأول منها في الاهتمام بالمعلومات التي توافرت من مسرح الحادث، وشمل المحور الثاني متابعة مُعتادي الإجرام حول المنطقة، فيما تمثل المحور الثالث في البحث عن مشاكل مالية للمجني عليه كونه يُعد ضمن فئة التجار.
رواية
مدير شرطة ولاية الخرطوم، قال إن التحريات جميعها أشارت إلى 4 متهمين لتواجدهم في مسرح الجريمة وقت وقوعها، واعتبر أن وجودهم هناك لم يكن غريباً كونهم يعملون في ذات المحطة، وأوضح أنهم تمّ القبض عليهم وأُخضعوا للتحقيق، وأقروا بارتكابهم الجريمة، ومثلوا كيفية تنفيذها، مُشيراً إلى أنهم حضروا للمحطة بغرض سرقة إيراد يوم الخميس المُقدّر بمبلغ مليون و200 ألف جنيه ولم يكونوا يتوقّعون وجود وكيل المحطة في المكتب.
ولفت مدير شرطة الخرطوم، إلى أنهم قسّموا أنفسهم إلى فريقين، على أن يُراقب فريق الخارج، ويُنفِّذ اثنان السرقة، موضحاً أنهم عندما اقتحموا المكتب وجدوا المجني عليه داخله فعاجله أحدهم بضربة في مُؤخِّرة رأسه أفقدته الوعي لبُرهة، وعندما حاول النهوض عاجله أحد المتهمين بضربة بواسطة “حديدة” في مؤخرة رأسه، ومن ثَمّ أوثقوا يديه ورجليه وأدخلوا قطعة قماش في فمه وغطُّوها بشريطٍ لاصقٍ، ومن ثم بحثوا عن مفتاح الخزنة في أدراج المكتب، وعندما فتحوها لم يجدوا المبلغ المتوقع ووجدوا فقط نحو 100 ألف جنيه قاموا بسرقتها وخرجوا واتّجهوا لمنزل يبيع الخمور قضوا فيه بقية النهار، قبل أن يعودوا مع مغيب الشمس نحو المحطة، ليجدوا أن قوات الشرطة تحرسها، وعندها علموا أن مديرهم قد مات!!!
اعترافٌ قضائيٌّ
مدير الشرطة، أكد أن المتهمين الـ4 سجّلوا اعترافات قضائية، لافتاً إلى أنّهم أقرّوا بالجريمة كما عضدتها بعض البينات الأخرى، مُوضِّحاً أن الكلب البوليسي قادهم مُباشرةً من المحطة إلى المنزل الذي يبيع الخمور، لافتاً إلى أنّ تلك بيِّنة ستكون معضدة لاعترافهم، كما أكد أنهم لا يزالون ينتظرون نتائج تحاليل الأدلة الجنائية للأدلة التي وُجدت في مسرح الحادث، وأوضح أن الشرطة ماضيةٌ في عملها رغم التحديات التي تُواجهها، وقال إن شرطة ولاية الخرطوم لا تُسجِّل أية جريمة ضد مجهول.
دوافع
نفى مدير شرطة ولاية الخرطوم نفياً قاطعاً أن تكون الجرائم التي وقعت مؤخراً منظمة من جهة مُعيّنة، مبيناً أنها جميعاً ترتبط بالسرقة والنهب، وقال “إن الجريمتين الشاذتين اللتين وقعتا الأسبوع الماضي اتضح أنهما بدافع السرقة ليس إلا”..!