العدالة الانتقالية.. ضرورات السلام وإمكانية النفاذ
تقرير: صلاح مختار
اعتمد مجلس الوزارء أخيراً وضمن حزمة قوانين، قانون العدالة الانتقالية توطئة لرفعه إلى المجلس السيادي لإجازته نهائياً. وكانت وزارة العدل أعلنت عن فراغها من إعداد تعديلات مشروع قانون مفوضية العدالة الانتقالية تضمن آراء وملاحظات خبراء قانونيين وحقوق الإنسان ورغم محاولات الضغط لرفض مشروع القانون، إلا أن وزير العدل د. نصر الدين عبد الباري قال: إن المفوضية ستقود مشاورات من أهمها، المشاورات التي سوف تجري في الفترة الانتقالية. وتابع: “لسنا اول أمة تجري عملية العدالة الانتقالية، فهنالك تجارب كثيرة في كل قارات العالم ولا سيما إفريقيا”، مشيراً إلى أن التجارب البشرية علمتنا بأنه في الفترات التي تعقب سقوط الحكومات الاستبدادية أو توقف الحروب هناك ضرورة للعدالة الانتقالية بأنها شرط لازم للتحرر من مآسي الماضي الناتج عن انتهاك حقوق الإنسان.. بالتالي من الضروري معرفة الإطار المفاهيمي والتحديات التي سيفرضها واقع تنفيذ العدالة الانتقالية بالسودان بعد إجازة القانون وتطبيق اتفاقية السلام.
إطار مفاهيمي
تُشير العدالة الانتقالية إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات. وبسبب حجم الانتهاكات وهشاشة المجتمع يصعب التعامل مع كل مخالفة، كما قد يكون الحال في الأوقات العادية. بالتالي لم تغفل الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية أهمية العدالة الانتقالية كآلية تمهد الطريق إلى عملية التحول الديمقراطي والتعافي المجتمعي، وأشارت في الفصل الثاني عشر منها إلى إنشاء مفوضية للعدالة الانتقالية كمفوضية مستقلة يرشح لها خبرات مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة على أن تحدد المفوضية اختصاصاتها وفق القوانين التي تنشئها.
التنفيذ الشامل
ويتيح توقيع اتفاق السلام فرصة كبيرة لتطبيق العدالة الانتقالية لذلك قطع الخبير القانوني د. نبيل أديب بضرورة أن يتم تنفيذ برتكول العدالة الانتقالية بصورة شاملة ، وعزا ذلك إلى أن الغرض منها إزالة المرارات وتحقيق العدالة من خلال المصالحة، وقال في حديث سابق لـ(الصيحة) كي يتم اكتمال البرتكول وتنفيذه بالضرورة وجود حالة سلام للوصول للحلول ووقف الاقتتال، ونبه إلى أنه في ظل توتر وكراهية وجود حرب وحاملين للسلاح لا تكتمل العدالة الانتقالية لارتباطها بتحقيق السلام الشامل، ولكنه عاد وقال: ذلك لا يمنع من المضي في إنفاذ البرتكول، مشيراً إلى أن السودان منذ الاستقلال يعيش حروباً أهلية كما أن ما تشهده البلاد حالياً من انفجار لتوترات قبلية في أماكن مختلفة يعتبر داعماً لتطبيق برتكول العدالة الانتقالية، لافتاً النظر إلى أنه ومن ناحية إحصائية لعدد البلاغات في أماكن النزاعات والمحاكم الموجودة على مستوى القطر ليست كافية لتحقيق العدالة بالإجراءات القانونية، وأضاف أديب أن العدالة الانتقالية لا تمنع التعويض المدني، لأنه يضاعف من إزالة المرارات والمسؤولية .
نمط العدالة
تجربة العدالة الانتقالية مجربة في العديد من الدول والسودان ليس استثناء، واستشهد القانوني أبوبكر عبد الرازق بنموذجين ناجحين للعدالة الانتقالية مشهود لهما، هما تجربة جنوب أفريقيا والمغرب، وقال: تجربة العدالة الانتقالية يؤول فيها الأمر إلى أن يعترف الجاني بما اقترف ويقدم اعتذاراً في إطار العدالة ويتقبل الطرف الثاني الاعتذار ويتم فيه الاتفاق على صيغة جديدة يتواضع عليها الجميع لإدارة البلاد وحكمها وينتقل الأمر بمقتضاه للتداول السلمي للسلطة والتحول الديمقراطي الكامل والحريات، وأكد لـ(الصيحة)، أن قضية الإجماع الوطني والمصالحة الوطنية الشاملة جزء من مقومات المناخ الجديد الذي ينبغي أن تتم تهيئته لتحقيق العدالة الانتقالية، وقال: الوضع الآن في السودان أن تشكل حكومة تمثل العدالة الانتقالية وعلى مسافة واحدة من الجميع، وتقود كطرف محايد المصالحة الوطنية بين الأطراف، ويكون الناس في هذه الحالة في منضدة سواء، ومن ثم تطرح القضايا والأجندة، وتحدد الإجراءات وتقدم الموضوعات. مبيناً أن مهمة العدالة الانتقالية، الانتقال من النمط القديم إلى أسس ومبادئ تتأسس عليها الدولة تتم من خلالها المصالحة ويبنى من خلالها المستقبل.
اشتراطات التنفيذ
حول إمكانية إنفاذ برتكول العدالة الانتقالية في ظل وجود أشخاص يرفعون السلاح، أكد أبوبكر أن إنفاذه سيتم جزئياً، واضاف أن التنفيذ الجزئي قد يصبح نموذجاً إيجابياً يحرض الآخرين للانضمام إلى اتفاقية السلام، وقد يكون نموذجاً سلبياً يجعلهم يتخندقون في أماكنهم ويرفضون التداعي للسلام، وفيما يتعلق بالعدالة التاريخية والتي ما زالت تتمسك بتنفيذها بعض الأطراف، وذكر أنها معنية في الجانب الاساسي منها بتوزيع السلطة والثروة وتكافؤ الفرص لجميع ولايات السودان وقبائله لإحداث تمييز إيجابي للمناطق المستضعفة تاريخياً أو ضعيفة بحوافز تنموية خاصة، وربط السودان بالسكك الحديدية وتنفيذ حكم محلي حقيقي، والشعب يصبح هو القائد وفقاً للنظرية (الشعب القائد)، على أن يتم تنفيذ مخطط لحكم فيدرالي حقيقي تحكم فيه الولايات بعضها، وداخل كل ولاية صندوق لدعم المحليات الضعيفة بحسب عبد الرازق، الذي أكد على ضرورة توسيع الموانئ البرية في حال العدالة التاريخية، ويصرف أغلب المال على المحليات، ونسبة الجباية تصرف منه نسبة85% على المحلية، و10% على الولاية و5% على المركز، وشدد على أن الأصل في العمل التنفيذي إدارته من قبل الولايات، ولا ينبغي أن تكون هنالك وزارات محلية مثل الصحة والزراعة وهو نظام فيدرالي شبيه بالنظام في أمريكا وعدد الوزارات فيه محدود جداً، وأن تصبح بقية الوزارات ولائية حتى يرى المواطن العدالة رأي العين، وكل ولاية يقوم بها مشروع استراتيجي وفقاً لما تختص به من موارد، والنظرية في العدالة التاريخية هي شعب قائد وليس الدولة، وتحرير كامل للتجارة والسلع ويرفع الدعم، واعتبر أبو بكر عبد الرازق ذلك ممكناَ إذا تحلى الجميع بالصبر في سبيل تحقيق الاستقرار.
تحديات الانتقال
ويحمل القانوني عبد الباسط الحاج، تحديات تحقيق العدالة الانتقالية بالبلاد على إعادة تأهيل الأجهزة العدلية للدولة وتعديل القوانين والدساتير كي تكون متماشية مع مسار التحول الديمقراطي في السودان، ويقول لـ(عاين)، “لا مناص من معالجة هذا الإرث بكل الإجراءات اللازمة لبناء الثقة في نفوس الضحايا”.
ويشير إلى أن مفهوم العدالة الانتقالية يقوم على محاولة نقل مجتمع الصراع من حالة الحرب إلى حالة السلام والاستقرار، ومن الاستبداد إلى الديمقراطية، وحكم القانون، وكذلك تحقيق العدالة للضحايا، ثم استرداد حقوقهم بمحاسبة الجناة، عبر وسائل مختلفة منها قضائية وغير قضائية، ولابد لذلك أن يقوم على أربعة أركان هي الحقيقة والعدالة وجبر الضرر والمصالحة، هي تسير وفق الترتيب العملي للعدالة الانتقالية بشكل مترابط,
كفاءة القضاء
ولأن تطبيق العدالة في السودان يتحقق عبر المسار القضائي، يطالب عبد الباسط بتحسين كفاءة القضاة فنياً، وموضوعياً حيث يكون الجهاز القضائي محل ثقة لدى الضحايا، أما الشق غير القضائي فيتخذ مسارات عديدة، تهدف إلى تحقيق العدالة للضحايا، منها جبر الضرر والتعويضات الفردية والجماعية، واسترداد الحقوق العينية المنهوبة، الأراضي المستولى عليها، وأيضاً تأهيل الضحايا اجتماعيًا ونفسيًا وتخليد ذكرى المجازر وإعادة تسمية الأماكن العامة وإقامة المتاحف. ويطالب كذلك بأن تقوم العدالة الانتقالية في السودان على هدف جوهري هو إعادة صياغة القواعد الاجتماعية والسياسية، وأيضاً تعريف العلاقة بين المجتمع والدولة، حيث يكون أساسها التعايش السلمي بين المجتمعات المتعددة من جانب، وأن تلتزم الدولة بواجبها الدستوري والقانوني من جانب آخر يقود إلى بناء الثقة بين المجتمع والدولة.