متمرد مميز:
مدرسة الحقيبة الغنائية والشعرية.. كانت هي المدرسة الأساس في الأغنية السودانية.. التي انداحت في الوجدان الشعبي نسبة لبساطتها والتزامها بخط الرصانة.. وهي في زمان ما كانت تمثل المدرسة الغنائية التقليدية.. وكان الخروج من نمطيتها صعباً في الفترة لأنها أثرت بشكل مباشر في مجمل الأجيال اللاحقة..
والشاعر الكبير مبارك المغربي واحد من أميز الذين تمردوا عليها منذ وقت باكر، وأعلن عن حضوره كشاعر صاحب تفكير مختلف.. اتضح ذلك في مجمل الأغاني التي كتبها.. فهي أشعار تتميز بالدقة والرصانة وتدفق العاطفة وجيشانها وحيويتها.. وبحسب الناقد المميز صلاح الدين عبد الحفيظ يعتبر الشاعر مبارك المغربي شاعراً من رواد الشعر في السودان، ومن رواد الأغنية العربية، حيث تغنى بشعره أشهر المطربين السودانيين، وغيرهم. وهو شاعر وطني ومخلص، عاصر الحركة الوطنية وتغنى باستقلال السودان، يستنهض الشباب والهمم، شاعراً ملتزماً، اشتهر شعره بجمال الأسلوب، ودقة الأداء..
علامات الشعر الرومانسي في السودان:
مبارك المغربي أحد علامات الشعر الرومانسي في السودان، صاغ انفعالاته تجاه النيل بأحاسيس ومشاعر جميلة وأحاسيس فياضة، وهو فنان مبدع يرسم لوحة فنية في فن الرسم والتلوين والصورة الشعرية والموسيقى والألفاظ والأساليب والمعاني والأفكار والإيقاع مترع بالموسيقى الخفيفة المترنمة من الناحية الفنية مثالاً صادقاً للشاعر الرومانسي، يعبر عن مكنونات مكانية ووجدانية وعاطفية، وقد تميزت الحياة الشعرية عنده بالعبقرية وبالبساطة وسهولة اللغة والوضوح. ويمتاز أسلوبه في التعبير عن العواطف الذاتية بالصدق عن المشاعر العميقة ذات التأثير والجاذبية.. نظم القصيدة العربية التقليدية، متأثراً بالسيرة المحمدية النبوية العطرة التي ألقت بظلالها عليه فأكسبته مكانةً واحتراماً..
من مواليد مدينة أم درمان – حي الموردة – سنة 1923م، والده صالح محمود المغربي، ينتمي نسبه إلى أسرة مغربية ترجع جذوره إلى بلدة (تريحان) التي تقع بالقرب من مدينة مراكش التي تقع في بلاد المغرب العربي.
حياته التعليمية:
نشأ الشاعر مبارك المغربي فى بيت دين وعلم، أسرته تعشق العلم والأدب، وعندما بلغ الخامسة بدأ حياته الدراسية الأولية حيث أرسله والده إلى الخلوة لحفظ القرآن الكريم وتجويده، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وقد كان هذا النهج في التربية هو الأسلوب الأمثل لتربية الطفل في ذلك الزمن لعدم توفر المدارس النظامية في السودان وقتها بصورة واسعة. التحق أولاً بخلوة الفكي أحمد الشريف بمدينة أم درمان – حي الموردة – ثم أنتقل إلى خلوة الفكي حسن الجميل بأم درمان – حي الضباط – وهي كانت تقع بالقرب من خور أبوعنجة – وقد حفظ ما تيسر له من القرآن الكريم، وقد كان لحفظه القرآن أثر كبير في تكوين ذخيرته من اللغة العربية، ولغته الشعرية، وقد وجد مبارك المغربي ضالته… بساطة العلم والذكر والتكوين الديني والاجتماعي والأدبي والثقافي..
هكذا نشأ الشاعر مبارك المغربي في بداية حياته التعليمية في هذا الجو العبق والعلم المتدفق، إذ نجد شعره يتضمن كثيراً من المعاني والصور القرآنية. وخلال دراسته بالخلوة تلقى علوم الفقه على مختلف المذاهب، بالإضافة إلى دراسة القرآن الكريم وتجويده. وقد كان لدراسته للقرآن الكريم والتوحيد أثر على قصائده حين يقول:
أيه يا من برأ الوجود جميعاً
لك منا الجلال والتبجيل
ويقول:
هادي الخلق في الدجى فوق بحر وفوق بر
غافر الذنب ذنب من تاب منا ومن شكر
التعليم النظامي الحكومي:
انتقل الشاعر مبارك المغربي إلى التعليم النظامي الحكومي حيث التحق بمدرسة الموردة الأولية والتي درس بها لمدة أربع سنوات، وخلال دراسته بالمرحلة الأولية درس بالمعهد العلمي بأم درمان وهو أحد منارات العلم والثقافة العربية، ومركز إشعاع ديني في إفريقيا والعالم العربي، والذى تخرج فيه العديد من العلماء والأدباء من السودان وبعض الدول الإسلامية… وقد ابتدع في المعهد (ندوة الأربعاء) تلقى فيها المحاضرات الدينية والندوات العلمية ودراسة التاريخ الإسلامي والرسائل الأدبية والمناظرات، ويدور الحوار حول السيرة النبوية العطرة، وقد أوجدت هذه الندوة حركة أدبية وعلمية قوية في الفترة منذ عام 1928م وفي عام 1932م ترك إشرافها لطلاب الجمعية الأدبية التي تخرج منها أدباء وكُتاب وشعراء كبار أمثال الشاعر التجاني يوسف بشير ومحمد عبد الوهاب القاضي والهادي العمرابي، وخالد آدم الخياط، وخالد عبد الرحمن (أبوالروس) الكاتب المسرحي الشهير، بالإضافة إلى شاعرنا مبارك المغربي، وقد قضى به الشاعر مبارك المغربي فترة (ستة أشهر).
تكوين شخصيته العلمية:
رغم الفترة القصيرة التي قضاها مبارك المغربي بالمعهد العلمي، ولكن خلال دراسته به وجد مجالس الأدب والفن والإبداع… حيث تنطلق ألسنة وأقوال الشعراء، والنحاة. وقد تلقى العلم على أساتذة أكفاء استفاد منهم في تكوين شخصيته العلمية والثقافية والأدبية. وتميز بين زملائه بصوته الجميل وتلاوة القرآن الكريم، وقد كان يشارك دائماً في الجمعيات الأدبية وفي المناسبات الاجتماعية والاحتفالات السنوية الوطنية والدينية منها خلال مراحل دراسته المختلفة.