أحبائي لم تكن تلك رحلتي الأولى للمدينة الأحب (لوس انجلوس) ، جئتها مرة في خواتيم الثمانينات من القرن الماضي، يوم كانت السفارة الأمريكية تجلس تتوهّض الخرطوم عموم في غربها وعلى شارع علي عبد اللطيف، والعالم يسعى لبناء الشراكات والتقارب الأممي. فشلنا يومها في إنجاح تقديم عرضنا الفخيم (طبوظ الأول) ، الرواية تبحث كانت في تواريخ المنطقة، ولا أقول الوطن، يوم تخيّلنا الأحداث، كانت الممالك تتبعثر بفعل أهلها، ولا فاعل خلف تلك الفرقة. والنَّاس في (عيذاب) لا تفكر في أنحاء أبعد من بحر(القلزم)، والمسرحية الرواية التمثيلية رغم (التقية) الفيها لم تمُر رغم الترويج والإعلانات المصورة. تلك حكاية في دهاليز أخرى عنها شؤون وشجن المنع والقبول لفنون الأداء . ثم يومها تلقيت الدعوة واضحة وصريحة، والعلاقات في وقتها أقرب للعادي بين البلدان، سفارة وسفير وبعثة دبلوماسية في الخرطوم وواشنطن، وخط واضح لا فيه من سوء التقدير كثير ظن، وفرص عمل كانت متاحة. وراجعت الدعوة وكالة الاتصال الأمريكية تدعوني للمشاركة في برنامج معلوم، استفاد منه كثير من أهل العلوم والفنون والسياسة والإعلام، يذهبوا لأسابيع، يتبادلوا المعلومات والحكايات، ومن يفيد يعيد المعارف إلى أدراجها ، علها تعين في مواقع أخرى، كالتصنيع والتجارة، وتلهم الاقتصاد بالقدر الممكن، وسائط ناجعة. وتمعّنتُ الدعوة وكنتُ يومها مساعدًا للأمين العام للاتحاد العام للفنانين العرب، ومكتبي في القاهرة مركز حركة عربية وتجاهد أن تتسع أكثر من كونها إقليمية ونجحتُ رغم تقاطعات السياسة في المنطقة. وقتها لم أكن أعير ما يقال حول إلى أي الاتجاهات أذهب بسياسات وأعمال الاتحاد، أعود من بغداد عن طريق عمان إلى دمشق، ألتقي الأخ القائد الأمين العام للحزب رئيس الجمهورية، وأحكي من مكتبي مع الرفاق في الجزائر عنها دمشق، وأجدد الدعوات لأهلي من مصر لمؤتمر حول قضايا الفرانكفونية في بيروت، رغم حرفي الفرنسي يومها عسير عسير جدًا، ليس فيه إلا القهوة الصباحية. تلك أحوالي يومها، وأسكن غير بعيد عنها السفارة الأمريكية في قاهرة المعز. ومشيت كثيرًا بين مشيخة الأزهر الشريف، ألتقي سماحة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وأمشي نحوها العباسية، أسعدُ بِشِعرٍ رقيقٍ وحوارٍ ممتد مع قداسة البابا شنودة، عليهم جميعًا أسياد العلم والمعارف الأرق الرحمة. وننجح في تنظيم مؤتمر( حماية المقدسات الدينية في فلسطين) وتلك من آيات الوسطية، لم نقُل المقدسات الإسلامية وإن عشنا لحظات ممانعة كادت أن تطيح بالفكرة المبادرة، مقبولة كانت الأفكار المُعِينة على التعايش، وأجمل إذا أضفتَ من عندك التعايش السلمي. تلك أحوالي وقت ذهابي في رحلة أمريكية جيدة الصنع نظّمتها فنيًا وتقنيًا وفكريًا ووقف خلفها برنامج ومحتوى (معهد التربية) في واشنطن، بعدها تقاربنا، وزرتهم كثيرًا. وكانت (لوس أنجلوس) وغيرها من المدن الأحب في برنامجي، ختام المسك كان (نيويورك). تلك بدايات التعاون عندي، والتي عادت علينا بعدها بنتائج أحسب أنها سبقت الساسة والسياسة الرسمية كثيرًا. لكنها كلها لم تكن ممكنة من غير دعم سعدنا به كثيرًا من قِبل جهات حكومية وأهلية، قدّمت وهي تدرك قيم التعاون، وتعوّل عليه مدخلاً لأعمال مشتركة بعيدًا عنها أطراف السياسة، بينهم وهم أصحاب السعادة سفراء ودبلوماسيين في الخارج، وبشكل خاص ما بين (واشنطون ونيويورك) رجعت من (لوس انجلوس) وفِي طرفي موافقة لأول مشاركة أمريكية في مهرجان البقعة للمسرح، حضرت العرض في فضاء أنيق وجمهور نوعي وإمكانيات تقنية عالية رغمها لم أتردّد في توجيه الدعوة للمثل والمخرج والكاتب ( مارك جوزيف) جلسنا بعد العرض لدقائق في البهو الكبير والمضئ بابتسامات الحسان قلت.
: أسمعني ، ما رأيك أن تقدم هذا الجمال في أفريقيا، وفِي السودان، وفِي أمدرمان البقعة المباركة ؟ أزورك غدًا للتفاصيل، أغادر غدًا عائداً نحوها (واشنطون) .
:نعم أعرف برنامجك سأكون في الموعد، موافق لنذهب إلى أفريقيا، هي رحلتي الأولى لها، لتكون مباركة.
في واشنطن رتبنا كل ما نحتاجه من موافقات، وكانت الخرطوم الأسعد بدعوة أول فرقة فنية أمريكية بعد غياب طال لأكثر من سبعة عقود منذ أن سافر آخر عضو في فرقة التزحلق على الجليد بالمسرح القومي في الربع الأخير من ستينات القرن الماضي رحم الله العم اللواء طلعت فريد. وتابعنا الاتصالات، كانت تربطنا بمجموعة مسرح الاتصال الأمريكي TCG علاقات فنية وأخرى ، أحضر مؤتمراتهم وأدعوهم للأنشطة في الخليج التي كنت من منظّميها. وساهمت الصديقة (أيملي) وكانت مسؤولة عن العلاقات الخارجية، ويضمنا المجلس التنفيذي للهيئة الدولية للمسرح ITI يونسكو . ذهبت يومها للمطار أستقبل أول فرقة مسرحية أمريكية وكما أيام مارس كانت تستقبل معي ضيوف البلاد من مبدعي الأمة الأمريكية بعد غياب عن فضاءات الفنون السودانية لأكثر من ثمانية عقود. جاء الصديق الفنان( مارك جوزيف) بمصاحبة العازف الموسيقار( جاكسون احيا لوممبا) وقدم العرض الأمريكي احتفاءً بعودة العلاقات الثقافية الفنية في افتتاح المهرجان، وشهد المسرح القومي في مساء يوم السبت السابع والعشرين من مارس عام ٢٠١٠ بدايات لعلاقات فنية، واتصلت العروض بعدها، ذهبت فرقة مسرح البقعة لتقدم عروضها أول مرة في صيف عام ٢٠٠٩ في مدينة (بلتمور) كانت الفرقة تضم وقتها أكثر خمسة عشر مبدعة ومبدعاً، ولكن تأخرت التأشيرات يوم كانت تصدر من القاهرة، قدمنا العرض في المؤتمر القومي للمسرح الامريكي (فرجة بوتقة سنار) .
وفِي البقعة احتفى أهلها بالعرض الأمريكي والفنانين ، نظموا ورشاً فنية مشتركة مع مسرحيين وموسيقيين، ذهبوا إلى أمبدة والثورات والصحافات والحلفايا وشرق النيل وانفتحت بوابات العمل والزيارات. ثم كانت زيارتنا الكبرى. يومها أسستُ مع مبدعين ومفكرين يهتمون لأمر السلام والتعايش الأممي، وخرجت مبادرة مسرح بلا حدود، رتبنا وبدعم من مجموعة مسرح الاتصال الأمريكي، مؤتمراً للمسرح والسياسة وفيه كانت لنا أكثر من مساهمة، وتلك كانت فرص عرضنا الأكبر والأول أفريقيًا وعربيًا على مسرح (لماما) أسسته المخرجة الأمريكية العالمية (ألن ستيوارت ) . كانت (فرجة بوتقة سنار) الإشارة الأولى والفرصة الأفضل لبرنامج تعاون امتد لسنوات، بعدها ذهبنا للمدن الأمريكية نقدم المحاضرات، وننظم الورش الفنية حول تجربة المسرح في مناطق النزاع ونستقبل العروض الأمريكية في البقعة المباركة والمحاضرات وننظم مع الخبراء ورش متخصصة في إدارة الفنون وترتيبات العمل الثقافي في الوطن ومضت بِنَا برامج التعاون ووقعنا في الخرطوم بين مركز مهدي للفنون اتفاقية تعاون مع مجموعة مسرح الاتصال الأمريكي TCG بها تمشي الآن برامج التعاون. العام قبل الماضي جدّدنا رغبتنا في المزيد وكان إعلان مركز مهدي للفنون في نيويورك جسرًا قويًا تمشي عليه الفنون الآن ومستقبلًا . عنها فنون العرض والمركز والأهداف دهليز نكرسه للصناعة والأرقام ، نعم في الفنون صناعات صناعتها تخدم فرص النجاعة والفلاح.