هيمنة أزمة الحكم في السودان: فرص ضائعة وفرص محتملة
ربما تنجح اللجنة القومية المزمع إنشائها قريباً، ومهمتها بحث قضايا الحكم في البلاد، في الإجابة على السؤال الذي أعْيى السودانيين وأضاع عليهم العديد من الفرص في التوافق على نظام حكم يرتضيه جميعهم.
وستشمل اللجنة القومية الجديدة هذه والتي ستكون ضمن أعمال الجنة المختصة بقيام مؤتمر نظام الحكم الإقليمي في السودان من كل “القوى السياسية والشعبية” وتكون بمثابة المرجعية الأساسية للمؤتمر، بحسب ما قاله الأستاذ أحمد تقد عضو اللجنة المختصة بقيام مؤتمر نظام الحكم الإقليمي في السودان.
وستتولى وزارات الحكم الاتحادي، وزارة العدل، مفوضية السلام ووزارة المالية، الإعداد للقضايا التي سيتم بحثها ومناقشتها وإقامة الورش، فيما تتولى اللجنة الفنية الإعداد لوضع رؤية كاملة لأعمال وترتيبات المؤتمر.
وقد بحث الإجتماع الذي ترأسه عضو مجلس السيادة الإنتقالي الأستاذ محمد حسن التعايشي بالقصر الجمهوري أمس الأربعاء، مسائل قيام المؤتمر، خاصة تحديد موعده، والجهات المشاركة والترتيبات اللازمة لقيامه.
بروفيسور عطا البطحاني في كتابه، الحكم في السودان: أزمة هيمنة أم هيمنة أزمة؟ خلُص مُتحيِراً، إلى أن الزمن والتاريخ هما وحدهما من سينبأنا بمتى وكيف سينهض مشروع الحكم في السودان.
والكتاب الذي صدر في إبريل من العام 2011، والبلاد على أعتاب إنفصال جنوب السودان وما أعقبه من رياح تغييرٍ عاتيةٍ، وفرت ميزات نسبية خاصة في توقيته للخروج من هذه الأزمة، إذ أوشكت أنذاك “إحدى دورات الحوار والصراع من أجل التجديد والنهوض الوطني والقومي على النهاية بكل ما تحمله من فرص ضائعة وفرص محتملة ومخاطر وتحديات” كما ذكر.
واليوم ها هي كرة أخرى من كرات ودورات أزمة الحكم في البلاد تظهر، والبلاد تعيش تغييراً ضخماً مثلما حدث قبل عقد من الزمن وتلوح في الأفق فرصاً جديدة ومحتملة.
وكان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قد أصدر الخميس الماضي، المرسوم الدستوري رقم(6) لسنة 2021 بإنشاء نظام الحكم الإقليمي (الفيدرالي) بالسودان.
وترك المرسوم الدستوري الخاص “بأنشاء” نظام الحكم الإقليمي “الفيدرالي” بالسودان، الباب مفتوحاً على مصراعيه، لمؤتمر نظام الحكم في السودان، ليحدد عدد الأقاليم في نظام إدارة الحكم في البلاد مستقبلاً.
كما ترك له تعيين حدود هذه الأقاليم وهياكلها وسلطاتها ومستويات الحكم فيها، على أن لا تتعارض هذه التحديدات مع إتفاق جوبا لسلام السودان لعام 2020. غير أن اتفاقية السلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، أقرت نظام حكم فيدرالي يستند إلى 8 أقاليم، بحسب ما ذكر سابقاً.
ولم يحدد نص المرسوم زمن أو مكان إنعقاد مؤتمر نظام الحكم في السودان، إلا إنه نص على تطبيق النظام الإقليمي عقب حدوثه ووصف المرسوم نظام الأقاليم المتوقع إنفاذه مستقبلاً بـ”الفدرالي” دون تعريف لكيفية هذا الدمج.
وأوضح المرسوم أن اتخاذ هذا القرار يأتي متوافقاً وبناءاً على المرسومين الدستوريين 38 و39 لسنة 2019، وعملا بأحكام المادة 79 من الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقالية لسنة 2019 (تعديل) 2020 مقروءة مع المادة 10 (٢) من الباب الأول من اتفاق جوبا لسلام السودان 2020 والمادة 18 (١) من لائحة تنظيم أعمال مجلس السيادة الإنتقالي لسنة 2019.
وقرار تغيير نظام الحكم الأخير في السودان لم يكن الأول وربما لن يكون الأخير ففي الفترة التركية، قسم النظام الإداري التركي السودان إلى ست (6) مديريات: دنقلا، بربر، الخرطوم، سنار، كردفان وفازوغلي. وفي زمن الحكم الأنجليزي تم الاحتفاظ بنظام المديريات وأضيفت مديرية فشودة. ومنذ إستقلال السودان في العام 1956 تم تغييره عدة مرات، حيث حكم أولاً وفقا لنظام الأقاليم التي قسمت إلى خمسة (5) إقاليم هي إقليم كردفان ،إقليم دارفور ،الإقليم الأوسط ،الإقليم الشرقي ،الشمالي والإقليم الجنوبي.
وإبان عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري تم إعتماد الحكم الإقليمي المركزي بموجب إتفاقية أديس أبابا عام 1972 مع زعيم المتمردين الجنوبيين (الأنانيا) جوزيف لاقو. لكنه لم ينجح بسبب إساءة تنفيذه. ثم في عهد حكومة الإنقاذ الوطني تم تقسيم البلاد إلى ست وعشرين (26) ولاية تقلصت إلى ثماني عشرة (18) ولاية بعد إنفصال جنوب السودان.