تقرير- صلاح مختار
أثارت دعوة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك إلى فتح ملف مثلث حلايب وشلاتين مع مصر من أجل التفاهم حولها، كثيراً من ردود الفعل السياسية ونقاط الاستفهام. وفيما طالب حمدوك بضرورة الحديث عن المسكوت عنه في العلاقات بين البلدين، أكد أن فتح ملف حلايب وشلاتين من أجل الوصول إلى تفاهم مشترك. وأضاف في لقاء مع خبراء أكاديميين وباحثين بالعاصمة المصرية القاهرة بالقول، (التاريخ والمصير المشترك للشعبين السوداني والمصري يمكنه خلق منارة للعالمين الإفريقي والعربي). ولفت إلى إمكانية بناء العلاقات المصرية السودانية على أساس مصلحة الشعوب.
ولكن مع هذا الحديث الصريح بفتح ملف حلايب وشلاتين والكلام عن المسكوت عنه يتساءل البعض عن ماهية المسكوت عنه في العلاقات بين البلدين خاصة فيما يتعلق بلمف حلايب؟ وما هي الخطوات التي يمكن أن تتبعها الخرطوم للضغط على القاهرة بقبول ذلك؟. وهل فرضية أن الخرطوم التي استعادت أراضيها في الفشقة من الإثيوبيين يقودها إلى نفس السيناريو، وما هو سقف التفاهم الذي يطمح إليه حمدوك مع القاهرة؟.
قديم يعاد
الحديث جهراً عن ملف حلايب وشلاتين لم يتوقف، فقد ظل قديماً يعاد ولم تكن المرة الأولى منذ اندلاع ثورة ديسمبر، وسبق أن قال رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أمام الجيش احتفالاً بالعيد (66) للقوات المسلحة في منطقة وادي سيدنا العسكرية: (لن نتخلى عن حقنا ولن نتراجع عنه ولن ننساه حتى يتم رفع علم السودان في حلايب وشلاتين وفي كل مكان من السودان). ووجه حديثه للقوات المسلحة المرابطة حول حلايب وشلاتين وأرقين قائلاً: (نحن معكم)، مضيفاً أن السودان (يتعرض لاستهداف كبير في وحدته وحدوده).
شراكة جديدة
لعل حديث حمدوك يأتي الآن والبرهان في وقت سابق، في ظل وجود توافق مصري سوداني، كذلك في ظل قضية مهمة وهي أزمة مياه النيل المتواصلة بين مصر والسودان وإثيوبيا، بالتالي توالت الزيارات بين مسؤولي البلدين على أعلى مستوى.
ويجزم المحلل السياسي بروفيسور الفاتح محجوب أن السودان ومصر الآن في شراكة سياسية واقتصادية وأمنية لتشمل شركاء مصر الخليجيين وتطورت تلك لتشمل شركاء الخليج الجدد إسرائيل وأمريكا، بالتالي لدى الخرطوم علاقة متشابكة مع مصر. وقال لـ(الصيحة): هذه العلاقة ابتدرها على المستوى الاستراتيجي المكون العسكري، الآن يقود حمدوك توثيق العلاقات مع مصر والشركاء الجدد سواء في الخليج أو حتى مع إسرائيل أو أمريكا.
موضع نقاش
ويرى محجوب أن حديث حمدوك حول فتح ملف حلايب يريد أن يستفيد من الجو التصالحي في العلاقة بين البلدين لحسم القضية، وكذلك عندما يخاطب فإنه يريد إرسال رسالة للداخل أكثر منها للرأي العام أو الحكومة المصرية، التي خاطب خلالها حمدوك الرأي العام الداخلي بأنه لن يتخلى عن مطالبه في حلايب، وأن الشراكة الجديدة بين البلدين لن تكون على حساب قضية حلايب وشلاتين.
الأمر الآخر أن قضية ملف حلايب وشلاتين لم تكن موضع النقاش خلال الزيارة. وبحسب أجهزة الإعلام المصرية فإن المباحثات الرسمية لم تكن ضمن الأجندة ولم يطرحها حمدوك على طاولة النقاش الرسمي مع الحكومة المصرية، وإنما طرحت على طاولة الرأي العام المصري لإرسال رسالة للداخل بأن الحكومة لن تتخلى عن حلايب أو شلاتين، ولن تكون عقبة أمام انسياب الشراكة معها.
ولم يضع حمدوك على طاولة النقاش الحل للقضية أي شروط، وإنما شملت المفاوضات القضايا الاقتصادية والأمنية وتجاهل نقاط الخلاف بشان حلايب وشلاتين وبالتالي يعني بأن قضية حلايب وشلاتين مؤجلة والأولوية ليست في حل النزاع وإنما في حل مشكلة البلاد الاقتصادية وهو ما دار مع مصر والسعودية ومدار اللقاءات بين السودان وأمريكا وإسرائيل بإعطاء الأولوية للقضية الاقتصادية.
ملفات شائكة
دعوة حمدوك للحديث عن المسكوت عنه في ملف حلايب وشلاتين يفتح الباب للبحث والتقصي من قبل سياسيين وأكاديميين وإعلاميين وحتى القانونيين والباحثين والمهتمين بالعلاقات بين السودان ومصر لمعرفة الكثير منها، ولذلك يقول الباحث والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، بأن رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك يريد أن يؤكد أمام المصريين أن السودان أصبح نداً لكل الدول الشقيقة والصديقة يعبر عن ذاته ومستقبله بما يتفق عليه السودانيون، وقال: لعلها الرسالة الأولى التي أراد إيصالها فهي ليست لمصر فقط، وإنما لكل الدول المجاورة. وقال لـ(الصيحة): المسكوت عنه في الحديث عن حلايب وشلاتين لم يبدأ مع النظام البائد وإنما قصة طويلة منذ الاستعمار التركي وأبرز مظاهرها الحديث الذي أدلى به رئيس الوزراء الأسبق عبد الله خليل ورغبة مصر في احتلال المنطقة، حيث قال قولته المشهورة بأن صدورهم ستكون مفتوحة للرصاص مما أدى إلى تراجع الرئيس عبد الناصر غير أنه قال: الإشكال الأكبر كانت الأزمة التي خلقتها محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك، لأن المسكوت عنه أن السودانيين غير ملمين بكثير من تفاصيلها، وهناك حديث كبير حولها كذلك الإشارة إلى أن المسكوت عنه حول حلايب وشلاتين بأن ما دام السودانيون لديهم القدرة على التفاهم مع الآخرين، فإن الفرصة للمصريين مناقشة القضية، كذلك فرصة للأكاديميين والقانونيين والإعلاميين والباحثين أن يتوسعوا في المسكوت عنه في العلاقة وخاصة قضية حلايب وشلاتين وكأنها دعوة من حمدوك ليفتح الباب أمام تللك الفئة أن يتقدموا بحلول حول القضية الشائكة.
موقف سوداني
ويرى “مدير مركز البحوث العربية والأفريقية”، الدكتور مصطفى الجمال، أن تكون تصريحات البرهان جاءت لتقر واقعاً تم الاتفاق عليه بتنازل مصر عن حلايب وشلاتين. وقال الأكاديمي المصري لـ(عربي21): “يمكن فهم الموقف السوداني في ضوء أن أي نظام بالسودان يحاول دائماً إرضاء كل الاتجاهات الموجودة”، مشيراً إلى وجود “اتجاهات ترفض التقارب مع مصر، وتستخدم قضية حلايب تكئة بهذا الأمر”، وأوضح أن “النظام القائم بالخرطوم يسعى للتطبيع مع إسرائيل ليرضي الولايات المتحدة؛ كي تبارك السلطة السودانية الجديدة”. وأكد الجمال أن النظام في السودان “لا يريد مناكفة من أي نوع ومع أي اتجاهات”، لافتاً إلى أن “السياسة السودانية مليئة بهذه التعقيدات؛ نتيجة لتنوع التوجهات بالساحة السودانية”.
تدوين بلاغات
وكان حزب المؤتمر الشعبي دعا في وقت سابق الحكومة الانتقالية لتدوين بلاغ جنائي لدى محكمة العدل الدولية ضد مصر لاحتلالها لأرض حلايب السودانية. وشدد الأمين السياسي السابق للحزب السفير إدريس سليمان في حديثه لـ(باج نيوز) على ضرورة إنهاء أزمة حلايب وإعادتها للسودان من ما وصفها بالهيمنة المصرية على الأراضي السودانية. وقال إنه يتعين على الحكومة السودانية الجديدة مخاطبة مصر في هذا الشأن عبر التفاوض والسبل الدبلوماسية أولاً وإن رفضت مصر أو تعنتت فإنه لا بد للسودان من الاحتكام للقضاء الدولي لإنصافه، مستنكراً ما كانت تقوم به الحكومة البائدة، وقال: كل ما كانت تفعله حيال هذه القضية أنها تقوم كل عام بتجديد شكوى السودان المرفوعة لمجلس الأمن منذ الخمسينات.