(1)
منذ أن بدأ حياته الفنية وهو لم يزل يافعاً، كان يتخير من الأغاني التي عطرت سماء السودان أجودها كلمة ولحناً من شاكلة تلك التي تروق للمستمع الواعي فردد في بداياته الكثير من أغاني أبو عركي البخيت الذي استمع إليه وأشاد به قائلاً بعد أن التقى به واستمع إليه، بأنه أفضل موهبة شابة لفتت انتباهه منذ أكثر من عشرين عاماً، وبعد أن عاد الموسيقار المرحوم عبد الله دينق لمرتع صباه وحبه عطبرة التي غنى لها يافعاً عطبرة الجميلة بلد الحبايب ألقيت عليه سؤالاً حال عودته من رحلة الغربة الطويلة ماذا بعد العودة يا دينق؟ فأجاب:
(2)
ألقيت نظرة للساحة الفنية في عطبرة، فوجدت حنجرة الشاب خوجلي هاشم هي الأقوى، وهي التي تملأ الساحة فبدأت العزف معه بجانب كل من عاكف وعبادي وكمال وآخرين، وهذه بلا شك تعتبر شهادة من قامة من قامات المدينة، إذ أنه بدأ العزف معه بتخير الفطن الخبير..
أما الدكتور عبد الخالق السر، فقد كتب قائلاً عن خوجلي هاشم أكثر ما لفت الأنظار نحو هذا الفتى اليافع هو جمال صوته وقوته في آن واحد..
(3)
كان مزيجاً من التطريب والشجن له قدرة فذة على اختراق الوجدان وإثارة مكامن الشعور الحية، كان من الواضح أنه يبشر بموهبة واعدة فوق التصور والاحتمالات، كان هناك إحساس عام بأن خوجلي موهبة استثنائية ولدت لتعمق مسيرة الأغنية العطبراوية من حيث أنها تتويج لمسيرة الخصوصية.
وحقاً أنها لخصوصية يعرف بها، فخوجلي ردد الكثير من الأغاني المسموعة في بداية حياته الفنية، ولكنه صبغها بلونيته فأصبحت خوجلية الأداء والتطريب بُصمت بحنجرته المتفردة، فأصبح المسموع عنده يضاهي الجديد لتفرده في كيفية التناول.
(4)
في مطلع العام 1987 تولى أصدقائي أمر تجهيز حفل زواجي وأجمعوا على خوجلي هاشم صمت أمام إصرارهم رغم أنني لم أستمع إليه قبلها، ولما كان منتمياً ضمن فرقة الدفاع المدني تم التعاقد مع الفرقة التي كانت تعج بالمطربين المميزين فغنى عبد السلام وعادل طحنية ومبارك وجاء دوره ليقدم الفاصل الأخير فأبدع فيه أيما إبداع، وكعادة المطربين التي تعارفوا بها في التغني في ختام الحفل بأغنية تدور رحاها حول كلمات الوداع بدأ في ترديد رائعة مصطفى مضوي
لمن دنت ساعة الوداع.. ما شفتو كيف عيني بكن..
حاولت كتمان الدموع.. يا غاليه ليك اشتكن..
ما عمري محسوب بالثواني.. الضائعة من عمر الزمن..
ما إنت إسمك.. أنا
شايلو في أعماقي أنشودة وغنا
(4)
وبدأ في تكرار المقطع الأخير فلكزته حينها كي استبقيه فهمست له في إذنه إن هذه الفرقة برمتها طلبت من أجلك لذا نأمل منك أن تواصل حينها استقبل كلماتي وأومأ أن حاضر، وفي الحال ردد أغنية صلاح مصطفى قال لي كلمة طيبة فربطت بين قولي له وكلمات الأغنية فعرفت أن هذا الشبل اليافع يتخير كلمات أغانيه ويتعمقها وهذا من شأنه أن يخرج لنا فناً ناضجاً عميق المعاني يتخلله الفكر بتأنٍّ وقد كان، فما مضت بضع سنوات حتى امتلك ذخيرة من الأغنيات التي تلامس وتخاطب العقل والوجدان في آن واحد.