علي مهدي يكتب: العلاقات السودانية الأمريكية الفنون نموذجاً
ــ فرجة (بوتقة سنار)، أول عرض عربي أفريقي على مسرح (لماما) – خارج (بردواي).
ــ تنوعت عروض مسرح البقعة بين مدن (بالتمور، فرجينيا، نيويورك، نيوجرسي، واشنطن).
ــ مكتبة الكونغرس الأمريكي استضافت محاضرتي (أثر التصوّف على المسرح المعاصر).
ـ مركز كيندي للفنون في واشنطن يبحث استخدامات الفنون الأدائية لتعزيز السلام- تجربة المسرح في مناطق النزاع السودانية والعالمية.
أحبائي، نزلتُ الغرب الأقصى من بوابة (نيويورك)، جئتها أول مرة في خواتيم الربع الأخير من سبعينات القرن الماضي، زمن، وتلك المدينة التي أحببتُها بأهلها أضحت مفتاحي (لأمريكا) الكبرى التي عرفتها، وسعيتُ من محبتي وعشقي للبناء أن نؤسس لعلاقات، تكسوها المعارف بتاج الفنون، وترقد بين ثنايا التشخيص والغناء والموسيقى التقليدية والأحدث، وكل أشكال فنون الأداء والتي بعدها أفضت لعلاقات فنية، ازدهرت في أكثر الأوقات تعقيداً، سبقت السياسات والساسة، وبنينا بها جسوراً، وتبادلنا الزيارات وتقديم العروض هنا وهناك. وتعدّدت المشاركات، ومشت بين فن الأداء المتنوع، ومحاضرات علمية وثقافية وفنية، ودورات تدريب، وورش متخصصة في الفنون هنا في البقعة المباركة، وكنانة المدينة المصنع القرية، وهناك ما بين واشنطن، ونيويورك، ولوس آنجلوس، وسانت لويس، وفرجينيا، وبلتمور، ونيوجرسي،
وتلك حكاية وحكايات تحتاج مني وفِي هذه الأوقات تفاصيل مع التصاوير، لأنها تجدد في جهود (التلاقي المدني) والتعبير به، أذهب نحو أن تلك الجهود مخلصة كانت لتعزيز علاقات بين أطراف ومؤسسات فكرية وثقافية وطنية، مدنية هنا، وهناك على الجانب الآخر الشرقي من النهر، نهر المعارف، جمعت بين المدني والرسمي بغير تشدّد، ولكن بفهم مشترك، أضاف على الجهود حلاوة على ما فيها من طلاوة، يومها وبعدها، زانت فضاءات الوطن إشراقات فنون الغرب الأقصى، وتمكنت فنون الوطن، براياتها ونوباتها وأجراسها وغنائها، ورقصات عبّرت بالقدر المستطاع، عن سر التنوّع والتعدّد، وهو رهان تأسست عليه فكرة المسرح الوطني- مسرح البقعة، ومنها البقعة المباركة احتوتها بشارتها (بوابة عبد القيوم)، تحرس المدينة، وتفتح لها آفاقاً، فكانت سفارتنا المتجوّلة في عواصم المعمورة، تدق راياتها من (مانيلا) شرقًا مرورًا بأواسط الحضارات الأوربية، فتترك في (باريس) بعض عطرها، وترمي على (اشتودقارد) برتقالة من مزرعة الأجداد في (كابتوت)، وتعود إلى (طهران) والدنيا مهدية، تراوح الفكرة القديمة بانتشار رايات سود، ترفرف حيثما تكون، وتردّنا إلى اللغة الأقدم، يوم وقف سيدنا موسى عليه السلام تحت جبل البركل المبجّل، كان قد عبر النهر الخالد بأهله ينشد النجاة والدنيا (فرعونية)، تلك عندي أسباب النجاة وقتها، ونرجوها أيامنا القادمات، وحاولنا أن نفتح بها أبواب المدائن العصية بالسياسة. دخلناها عارضين لفنون النهر العظيم، غير بعيد عنه الجبل المقدس (البركل). ورفعنا الرايات الخضراء الحمراء الزاهية على دائرة مسرح (لماما). واحد من أهم منارات الفنون العالمية، بادرت بالتأسيس الفنانة (ألن ستيوارت) الصديقة الراحلة، ولعل عرضنا الفخيم ذاك أواخر صيف عام ٢٠١٠ وفِي مفتتح زياراتنا لها أمريكا، كان آخر استقبال تشهد .
ومسرح (لماما) قال عنه المخرج البيرطاني الكبير (بيتر بروك)، لما قدّم تجاربه الأولى قبل سنوات طويلة، قال وبعدها أصبح الاسم مدرسة واتجاهات. (هذا عرض ومسرح خارج بردوي).
والشارع (بردوي) الأشهر بعروض تستمر لسنوات، فخيمة وبالغة الروعة مع التكاليف، يتمنى صُنّاع المسرح لو يقدموا على خشبات المسارح فيه عروضهم، وأصبح ملتقى العاشقين للمسرح يحج إليه يومياً آلاف بل أكثر، ولا تُحسَب لك زيارة لمدينة النور (نيويورك) إذا ما غشيته، تنظر الإعلانات والتصاوير الفخيمة .
فأسستْ (ألين ستيوارت) مسرح (لماما)، ليقدّم تجارب مُغايرة، وقال عنه صديقي (بيتر بروك) (خارج بردوي)، ويعني أنها عروض على نسق وشكلٍ جديدٍ مُغاير مختلف.
وبعدها بسنوات زارني في مكتبي في الهيئة الدولية للمسرح ITI / يونسكو في (باريس)، جلسنا وكنتُ عائداً من لقاء كبير نظمته (اليونسكو) يوم حصلتُ على جائزة الشارقة اليونسكو للثقافة العربية، سعيد فرِح بالتقدير والعرفان. هم قالوا عبر لجنة التحكيم الدولية (إننا استطعنا أن نقدم للآخر الثقافة والفنون العربية، ونعرّف في ذات الوقت بالتراث والفنون التقليدية).
قال لي: (لقد اطّلعت على التسجيل، ولا يساعد كثيرًا، لكنني أعجبتُ بأنك غيّرت في جغرافيا المسرح، أجلستَ الجمهور بحيث أحاط بفضاء العرض كما كنتَ تفعل في عروضك الأولى، كما كتبتَ عنها في تقديمك لعرضك الأول المصاحب لندوة المسرح والسياسة في نيويورك ذاك لقاء فاتني ومعه العرض، كما تقول (في مناطق النزاع)، ثم أشركتَ الجمهور في الختام، ولا أظنك وضعتَ نهاية للفرجة كما تقول).
ثم نظر بعض من (باريس)، من عند نافذة مكتبي تلمح القطار لحظة خروجه من باطن الأرض، يتهادى نحو (سان جيرمان)، ثم عاد لي مبتسماً كأنه وجد ما يبحث عنه، وأضاف كنتيجة (ياخي هذا عرض خارج خارج بردوي).
وابتسم، وطرتُ فرحاً.
تلك كانت زيارتنا الثانية، الأولى ذهبنا والفريق غير مكتمل، بفضل تأخّر منحِنا تأشيرات الدخول، أيامها تعقيدات السياسة أكثر والاختراقات تحتاج صبراً وسعياً وصدقاً وحواراً امتد خارج الوطن وأمريكا، كنّا نلتقي في الفضاءات الفنية نتبادل الرسائل وأفلحت جهودنا المشتركة هم ونحن، فذهب بَعضُنَا نحو مدينة (بلتمور) غير بعيد عن (واشنطن) الكبرى، وتلك كانت أولى خطوات التطبيع الجادة مع منظمات الفنون القومية الأمريكية، وقد تحاورنا منذ سنوات أظنها مطلع العقد الأول بعد الألفية، وقد زرتُها (نيويورك) مراراً، أعمل مع الأصدقاء هناك، ونلتقي في فضاءات عملنا الإبداعي المشترك، خاصة بعد أن وجدتْ تجربتُنا (المسرح في مناطق النزاع) القبول والاستحسان بخاصة عند الجامعات الأمريكية ومراكز البحوث فدعتني جامعة مدينة (نيويورك) لتقديم محاضرة، والمشاركة بعدها في ملتقى عن المسرح والسلام، وإدارة ورشة عن فنون الأداء في الفضاءات المفتوحة بعيدًا عنها الخشبات المسرحية، بالنظر إلى تجاربنا من (ملكال) إلى مدن وقرى ومعسكرات وميادين (دارفور الكبرى). يومها الجامعة الأهم في (نيويورك) حظيت بجمهور طيب للحضور والمشاركة، ودوّت في قاعاتها وخرجنا بها للحدائق، أصوات ما عرفتُها منذ أن غاب الإمام (عيسى المهدي)، وذاك رجل جاء بفكرة أمسك بها ثم تركها ولم يترك لها وله أثر بعدها، التقيه كنتُ، ثم غاب عني وعن الناس، كما حضر وحده.
زيارتي تلك للمدينة والجامعة رصفتْ لنا درباً مشينا فيه كثيراً وبه وعن طريقنا زارتنا وفود وفرق فنية كلها كانت البقعة المباركة بوابتها، وأعيد القول في أكثر الأوقات تعقيدًا .
وفِي بحثنا عن الخطوات العملية بعد زيارتنا تلك الأشهُر وفِي الدورة العاشرة لمهرجان أيام البقعة المسرحية مارس ٢٠١٠، احتفينا بمرور مئة عام على ميلاد المسرح السوداني، وثلاثين عاماً على تأسيس المسرح الوطني وعشر سنوات على تأسيس المهرجان.
لكن الاحتفال كان بأول عرض مسرحي أمريكي في تاريخ العلاقات، دبلوماسية واقتصادية وثقافية، تعرفت على المسرحي المجدّد (مارك جوزيف) في واحدة من مشاركاتي لمناشط نظّمتها مجموعة مسرح الاتصال الأمريكي TCG ، بيننا تفاهمات ووقّعنا اتفاقية تعاون وعمل مشترك هنا في الخرطوم تُسهّل تبادل البرامج بين مركز مهدي للفنون وبينهم في خلال زيارتهم الكبرى للوطن، مجموعة من الفنانين والعلماء وممثلين لمؤسسات هامة مثل مكتبة (الكونقرس الأمريكي في واشنطن) وجامعة (جورج تاون واشنطن) ومسرح الاتصال الأمريكي (TCG) وفرقة مسرحية من (سان فرانسيسكو)، ذاك الوفد تجوّل في أنحاء الوطن، كلٌّ في الذي يسعى له، فزار الصديق (تادرس سمعان) مسؤول الشرق الأوسط في مكتبة (الكونقرس الأمريكي) الإذاعة السودانية، وتوصّلوا لاتفاقيات تتنعّم بها الأطراف الآن من تبادل للمعلومات والمحتويات. ونظّمنا في استديو (علي شمو) بمركز مهدي للفنون، ورشة للموسيقيين الشباب مع ضيوف المهرجان من المختصين في الوفد الأمريكي الأكبر بين الحضور ذاك العام وتلك الدورة، وكانت الاولى في حالة كونها الدولية، وجلسنا كلنا بعدها نتشارك في الملتقى الفكري الدولي
( المسرح والمأثور الشعبي)، يتطابق العنوان مع جهد البقعة المباركة في فتح أبواب العالمية والتلاقي وامتداد الشراكات بعدها، مثل نموذج التعاون السوداني الأمريكي.
يقول بعض الأحباب إن اختراقات حدثت في الاتجاهين، رغم جدار الساسة والسياسة، وأن خطوات كبيرة بل قفزات حدثت، بدليل الحضور الكبير للمبدعين والمفكرين في المسافات بين واشنطن والخرطوم.
العام قبل الماضي بحمده تعالى، أكملنا إجراءات تسجيل مركز مهدي للفنون في مدينة (نيويورك)، أكمل الإجراءات الحبيب الأمير حسن عيسى التجاني رئيس مجلس إدارة المركز السوداني الأول فيها أمريكا، وراعي نشاطاتنا على مدى عقدين، يُرتب ويقّدم المشورة، ويُسهم، ويُشارك في حضور الاجتماعات مع الأصدقاء الأمريكان لا في نيويورك بل أحياناً يسبقنا إليها المدن البعيدة، ثم يحضر للبقعة المباركة للتشاور هنا في فعل سيحدث عندهم في أمريكا .
قلنا ينظم المركز (مركز مهدي للفنون) الأنشطة والبرامح، نمشي في ذات اتجاهات جهودنا الناجحة السابقة، ويعزز المركز بعد أن أصبح لة مقر وعنوان وملف ضريبي ومجلس إدارة، البرامج المشتركة هناك وهنا في البقعة المباركة.
دهليزي القادم أحدثكم عنها تفاصيل التعاون، وما تحقّق منها، وما توقّف، وأدوار مركز مهدي للفنون في نيويورك.
سلمتوا..