:: قبل الانفصال، عندما يُسألون عن خياراتهم ما بين الوحدة والانفصال، كان السواد الأعظم من أهل الجنوب ينحازون للوحدة، ولكن وفق (أسس جديدة)، ومنها دولة المواطنة، الاعتراف بالتنوع، فصل الدين عن السياسة، المساواة في الحقوق والواجبات، وغيرها من ركائز الوحدة.. وعندما عجزت النُّخب الشمالية عن توفير (الأُسس الجديدة)، أصبح انفصال الجنوب واقعاً مؤلماً..!!
:: وبما أن حكومة الثورة تسعى لخلق نوع جديد من العلاقة بين السودان ومصر، حسب حديث حمدوك، فإن هذا النوع الجديد من العلاقة يجب أن يتم وفق (أسس جديدة)، حتى لا يصبح ما عليه حال النوع القديم واقعاً مؤلماً للشعبين، وقد ينحدر هذا الحال نحو الأسوأ – في أية لحظة – كما يحدث مع الجارة إثيوبيا منذ ديسمبر الماضي.. وبالمناسبة، كان متوقعاً اشتعال المعارك – في أية لحظة – مع الجارة إثيوبيا، لتوفر أحد أهم أسباب الاشتعال (الاحتلال)..!!
:: وكما تعلمون، فإن هناك منطقة وسطى في علاقات الدول والشعوب، وهي المنطقة الواقعة ما بين الهُيام والعداوة، وهي المُسمّاة بعلاقة المصالح.. والعلاقة مع مصر يجب أن تكون علاقة مصالح، وقبل هذا يجب حل القضايا العالقة بين الجارتين، ومنها أم القضايا (مثلث حلايب).. ولقد أحسن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك – عملاً وقولاً – بالدعوة إلى فتح ملف هذا المثلث من أجل التفاهم حوله..!!
:: وكما قال حمدوك – مخاطباً النخب المصرية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية – فإن ملف حلايب (مسكوت عنه)، وهذا ما يعكر صفو علاقة الشعبين، مهما تظاهرت الأنظمة بكريمات التجميل وتطييب الخواطر.. وليس من الحكمة ألا تطوي الإرادة السياسية بمصر هذا الملف وتنجح في الامتحان.. نعم، حلايب هي الامتحان لعلاقة البلدين، وعلى مصر تجاوز هذا الامتحان، كما تجاوزت امتحان طابا وتيران وصنافير..!!
:: والشاهد أن مصر لم تُحرر طابا بقواتها المسلحة، ولا السعودية فرضت سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير بجيشها، ومن الحكمة أن تمضي مصر على ذات الخطى نحو حلايب أيضاً.. أي بالحوار المباشر مع حكومة السودان، كما فعلت مع السعودية حول ملكية صنافير وتيران، هذا أو بالتحكيم الدولي، كما فعلت مع إسرائيل حول طابا.. بالحوار أو التحكيم، يجب طي هذا الملف المسكوت عنه (رسمياً)، وليس شعبياً..!!
:: وبعد طي ملف حلايب، بالحوار المباشر أو بالتحكيم الدولي، فليس هناك ما يمنع بأن تكون أرض السودان لأهل مصر، وكذلك أرض مصر لأهل السودان، أو كما تنص اتفاقية الحريات الأربع التي يجب تطويرها، لتحقق غايتها.. وبالمناسبة، في الحريات الأربع، تنفذ مصر ثلاث حريات (الإقامة والعمل والتملك)، ولم تنفذ حرية التنقل، بحيث السفر بلا تأشيرة يستثني المرأة وما فوق الخمسين سنة من الرجال، ويُلزم الشباب بالتأشيرة..!!
:: وكذلك السودان، ينفذ ثلاث حريات (التنقل والإقامة والعمل)، ولم ينفذ حرية التملُّك، لأنها مخالفة لقانون الأرض.. ليبقى السؤال، هل الحكومة مُستعدة لتعديل قانون الأرض، بحيث يكون للمصري حقّ الامتلاك كما تنص الاتفاقية؟.. فالإجابة هي الحقيقة (المسكوت عنها)، وعلى الحكومة مُواجهتها بشفافية، بدلاً من إعادة إنتاج رومانسيات (العلاقات الأزلية).. وعليه، فإنّ النوع الجديد من العلاقة مع مصر يجب أن يتم وفق (أسس جديدة)..!!