سراج الدين مصطفى يكتب :نقر الأصابع
قاسم أبوزيد … شاعر يقاسمك الدهشة والحضور!!
قاسم أبوزيد .. شاعر غير عادي.. وهذا معروف ومؤكد بالضرورة.. اختط لنفسه خطاً شعرياً ابتعد به عن السائد والمألوف.. قصائده غير مكررة.. تكسر إطار العادية والرتابة.. فهو صاحب قلم مغموس في حبر التجديد والتجريب.. وكل مفردة أو قصيده عنده تمثل موقفاً إنسانياً شاهقاً.. ذلك يتضح بمعنى حينما نعاين ونتأمل معه:
ضليت هرب مني الأمل.. جنيت وجافاني الشروق…
حنيت وكنتي معايا في لمة دليب..
شاشاي وفي إيقاع حش المردوم..
وفي جيد الزمن سوميت..
مرقت علي محطات السفر غربة…
وما لقيتك أمل شارد..
وكما قال عنه الكاتب شهاب (ها هو ربان آخر في باخرة (مصطفى سيد أحمد)… قائد ماهر يعرف كيمياء البحر.. والطريق إلى اليابسة يقود الباخرة بمهارة وفن كما الفراش يتهادى فوق الموج.. يرتشف من كل زهرة أريجها.. ويحيله إلى عسل صافٍ يرفد به تجربة مصطفى تلك الخلية الدائبة بالحيوية والنشاط. (قاسم) يقاسمك الدهشة والحضور يحيلك من مستمع الى مستمتع ومشارك في صياغة النص الشعري.. (أبو زيد) يزيدك رقياً وألقاً.
انضم (قاسم) إلى ركب شعراء المفردة المجنحة ورفض السائد.. غيروا شكل الأغنية ورفضوا القوالب الجاهزة لأغنية كانت تخاطب الأنثى كأنثى عباءتها كلمات ضيقة وشفافة تلتصق بالجسد وجمل قصيرة لا تغطي سوى ركبتي الأسئلة..
شارك مع مصطفى في بداياته الغنائية.. وكان ميلاد مسرحية ضو البيت – بندر شاه رائعة الأديب العالمي الطيب صالح !!! وأحالوا ذاك النص إلى سيمفونية رائعة!!! هو بالإخراج ومصطفى راوٍ غنائي للنص!! بمشاركة مجموعة من فرقة (السديم المسرحية). وكانت بحق تجربة مشرفة تهمس بميلاد شاعر من نوع آخر.. رجل يطوع الكلمة ويغسلها بماء الجمال وبحروف من نور، تخرج المفردة منه وهي حية متحركة، فهو مخرج يخرج الدرر من فمه، ويخرجك من نفسك لترقص طربًا مع شعره.
وكانت تلك اللجان وهي مجموعة من الجثث التي تتحنط خلف مسمى – لجنة النصوص – وهم حراس القبح ويدعوننا إلى التأصيل والرجوع بالأمة إلى تراثها وما أدراك ما حمى التأصيل وغيرها من الأوهام الجماعية السائدة حينها وسطع نجم شعراء التجديد أصحاب فكر وقدموا لنا رقاع دعوة مفتوحة لتجاوز الحزن الكثيف الذي أصبح يلتصق بجوانب أجسادنا من الداخل، يلتصق ولا يزول، ألا تشعرون بالطبقة اللزجة فوق لسانكم، في جدران عروقكم من الداخل لذا انصتوا لقاسم يقطر شهداً عبر كمان مصطفى:
سافر.. محطات الوداع ضجت قدامك وراك بيضاء
وسماك غناي.. مساحات الأسى الفي عيونا تتفجر مدينة وناي
بطاقات دعوة الرجعة تساب عينين من الفرحة
دموع للحاضرين ضجت
زغاريد غطت الدنيا وعاد فرح الرجوع منية
وقد زاد الأغنية شدواً وبهاء (الموصلي)، موزارت السودان.. وها هو قاسم وما زال يواصل عطاءه وفنه وما زال قابضاً على جمر القضية والفكرة بداخل محرقة الوطن (الذي كانت مساحته مليون ميل مربع)، وقد ضاق الآن بأهله!! وبرغم شح الإمكانات وبفضل موهبته وغنى نفسه الخلاقة.
وما يميز مصطفى عن غيره من (المغنين) تلك العلاقة الحميمة بينه وشعرائه ومستمعيه، وحينما يحكي لك أحد المقربين منه كأنه يحكي لك عن طائر خرافي أو طيف!! لذا إنا موقنون أنه لن يتكرر لا اسمه ولا رسمه وهو خليط من الإنسانية والسلوك الراقي، نعم هناك الكثيرون جيدو الأداء و الألحان ولكنهم ليسوا مصطفى صاحب الفكرة والمبدأ والموقف.