تقرير- أمنية مكاوي
ما زال الحزب الشيوعي فاعلاً بقوة في صياغة المرحلة الانتقالية ومؤسساتها بالرغم من خروجه من قوى الحرية والتغيير، يظهر ذلك بحسب محللين من خلال تطاول الحزب باتهاماته يوماً عقب يوم، للشارع السياسي ولقوى سياسية عريضة تعريضاً أحياناً وتلميحاً أحياناً آخرى، إلا أن الحزب هذه المرة قام بتسمية من يتهمهم مباشرة مشيراً إلى دوافعه لهذه الاتهامات، وذلك حينما وجه تهمة لمركزية قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس السيادي، وإشارته إلى أنهم قاموا باختراق الثورة وتخلوا عن أهدافها، وهذا ما دفعهم للخروج مبكراً من التحالف السياسي العريض لقوى الحرية والتغيير صانع الثورة. وقال القيادي باللجنة المركزية للحزب الشيوعي كمال كرار مفسراً دواعي هذا الهروب والخروج المبكر، بأن خروجهم من التحالف السياسي للحرية والتغيير لا يعني رفضهم للثورة والتخلي عنها، وأكد لـ(الصيحة) أن موقفهم بعدم تمثيل القيادة الحالية للتحالف شعار الثورة والوثيقة التي وقعت مطلع يناير من العام 2019 لتحقيق طموح الشارع ليس إلا.
البديل الديمقراطي:
ويؤكد القيادي بالحزب كمال كرار لـ(الصيحة)، أن الحزب الشيوعي يرى تحديات كثيرة أمام الفترة الانتقالية، وليس ما نقوله الآن جديداً، بل ظللنا ننادي به قبل اندلاع ثورة ديسمبر، وما سبقته من مواثيق متفق عليها مثل البديل الديمقراطي وهيكلة الدولة السودانية.. بيد أنه يرى أن وجهة النظر هذه تنبع من موقفهم المبدئي حول التغيير الجذري وتفكيك بنية النظام البائد، وأن تكون الفترة الانتقالية جسرا نحو سودان الحرية والسلام والعدالة، تهيأ فيها الظروف من أجل الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات، للعبور نحو المؤتمر القومي الدستوري والانتخابات النزيهة. ليضيف بقوله: “وما نقوله الآن اتفقت عليه قوى الحرية والتغيير مسبقاً لدى توقيعها على الإعلان في أول يناير 2019 ولكن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر بعد ذلك أدت لانحراف البرنامج وسلكت السلطة الانتقالية سياسات وبرامج مغايرة على مستوى السياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية”.
لن نتنازل عن الثورة:
بيد أن محاولة المكون العسكري فرض هيبة الدولة والمحافظة على مجرياتها السياسية ريثما تتم عملية الانتقال السلمي إلى نظام ديمقراطي شامل بإشراك كل القوى السياسية، عامل يراه الحزب الشيوعي بأنه محاولة من العسكر لفرض الهيمنة على المشهد من خلال اختطاف ملفات مهمة كالسلام والاقتصاد.. بيد أن الشيوعي يرى أن المجلس المركزي للحرية والتغيير وقف متفرجاً إن لم يكن متماهياً مع تلك التحركات، وبالتالي وصلنا إلى نتيجة أن هذه الحكومة الانتقالية لم تعد تعبر عن الثورة، وكذا المجلس المركزي.
وقال كرار لـ(الصيحة): لذلك خرجنا من منظومة قوى إعلان الحرية والتغيير وما زلنا ننادي بفشل الحكومة الانتقالية الذي لا تخطئه الأعين، مؤكداً أنها سلطة قوى الهبوط الناعم التي لا تريد للثورة أن تحقق كامل أهدافها، وأكد كرار أن ما وراء ذلك المسعى قوى إقليمية ودولية أجهضت ثورات الشعوب في المنطقة العربية على سبيل المثال.. ولكن السودان مختلف، والثورة فيه مستمرة، وهذا الشعب العنيد لن يسمح لأي كائن باختطاف ثورته.. وزاد: نحن خرجنا من الحرية والتغيير ولم نجلس على الرصيف، كنا ولا زلنا مع الشعب، نناضل من أجل دولة مدنية كاملة الدسم، ونظام انتقالي ثوري، يحقق آمال الثوار.
وسمى كرار الجهات التي تسعى لعرقلة حكومة الفترة الانتقالية وقال إنها “المجلس السيادي ومركزية الحرية والتغيير”. ولكنه قال إن الحل في العبور بهذه الحكومة يكمن في إعادة هيكلة الحكومة المدنية على رأس مجلس السيادة وإخلائها من العسكر وإعادة هيكلة مجلس الوزراء ومركزية قوى الحرية والتغيير التي تتمثل في أشخاص معينين، مؤكداً عدم تنازلهم عن مطالب الثورة وإن وصلوا إلى إسقاط الحكومة.
المصالح الشخصية:
ووافق المحلل السياسي صلاح الدومة الحزب الشيوعي في اتهاماته لحكومة الثورة ومحاولة اختطافها، وقال لـ(الصيحة) بأنه ليس في اتهام الحزب الشيوعي أي خطأ، الحزب الشيوعي يسمي “الأسماء بأسمائها والصفات بصفاتها”، هنالك من ارتكب جرائم وسلوكيات لا تليق بهم، وهنالك ما لا يليق بمجلس السيادة اختياره. وزاد بقوله (من يهن يسهل الهوان عليه). واتهم الدومة بعض المسؤولين بميوله للعمالة وأصبح ينفذ مصالح دول أخرى ليعمل على مصلحته الشخصية وليس مصلحة الدولة، ولذلك لا بد من تقديم نقد شديد اللهجة لهذه الجهات والأفراد ومطالبتهم بالرجوع إلى الطريق الصحيح.
مساومة للعودة:
تعتبر اتهامات الحزب الشيوعي لقوى الحرية والتغيير بأنها فقدت ثوريتها وتخلت عن أهداف الثورة، جزءاً من الصراع السياسي المستمر حول السيطرة على مقاليد السلطة السياسية في مرحلة الفترة الانتقالية بين الحزب الشيوعي والأحزاب الأخرى، بما في ذلك حزب الأمة والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام. وأكد المحلل السياسي د. الفاتح محجوب في تصريح لـ(الصيحة)، أن الحزب الشيوعي كانت له اليد العليا في مرحلة الحكومة الانتقالية الأولى، إذ أن أكثر وزراء الحكومة آنذاك نفوذاً ولديهم ارتباط قديم أو مستمر مع الحزب الشيوعي.
وبرأي الفاتح محجوب، فإن المكون العسكري لم يكن ليتفق مع أهداف الحزب الشيوعي في حكومة ثورية مدنية ذات قيم حداثية تعيد بناء السودان على أسس جديدة بما يمنع استمرار سيطرة الأحزاب الطائفية والإسلامية على المشهد السياسي في السودان، ولكن الحكومة الانتقالية الجديدة التي تكونت بعد خروج الحزب الشيوعي من قوى الحرية والتغيير طواعية جاءت مهادنة للمكون العسكري ومتحالفة مع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، بعد استبعاد أو ابتعاد حركة الحلو وحركة عبد الواحد نور، القريبتين من أجندة الحزب الشيوعي، وهو ما جعل الحزب الشيوعي يشعر بخيبة أمل كبيرة في حلفائه السابقين في قوى الحرية والتغيير. ومع ذلك لا زال الحزب الشيوعي فاعلاً بقوة في صياغة المرحلة الانتقالية ومؤسساتها بالرغم من خروجه من قوى الحرية والتغيير وهو يريد التعويل على نفوذ كبير في المجلس التشريعي لاستعادة دوره كأحد أهم القوى السياسية في مرحلة ما بعد نظام البشير، وأيضًا باعتباره صانعاً ومخطط للمرحلة الثورية الانتقالية، أي أن الاتهامات التي يكيلها الحزب الشيوعي لقوى الحرية والتغيير وأيضاً للمكون العسكري بحسب الفاتح محجوب، فإنه يريد بها زيادة حظوظه في عضوية المجلس التشريعي وربما أيضاً مساومة على عودته لقوى الحرية والتغيير وبمشاركة أقوى في حكومة حمدوك.