بائع الخضار الذي غيّر مسار الأغنية السودانية.. أحمد الجابري.. صوت عصي على التكرار!!
الخرطوم: الحوش الوسيع
ميلاده:
ولد الجابري وهو اسمه الفني الذي أخذه من عائلة أمه في العام 1937م بقرية الشرفة منطقة النيل الأزرق ورحل من دنيا عن عمر يناهز 59 عاماً، والفنان أحمد محمد عبد الله وهذا هو اسمه الحقيقي، لم يتلق الجابري تعليماً ذا مستوى أكاديمي عالٍ ولكن أسعفته دراسته في الخلوة وحفظ القرآن الكريم (مثل محمد الأمين) ولأجل ذلك كانت لغته العربية قوية وقدرته على نطق الحروف العربية فائقة الجودة إلى حد كبير .
بائع خضار:
بدأ الجابري حياته في صدر شبابه بائع خضار بسيط في سوق مدني يلبس العراقي والسروال ويفرش (التبش) على شوال من الخيش … ولكن تعلقه بالغناء دفعه إلى التقرب من حلقات الطرب والمغنى فتعلم عزف العود ومارس الغناء وكان ذلك سبباً في حدوث خلاف بينه وبين والده .. انتقل من قريته الى أم درمان وبدأ حياته العملية وهو صبي صغير كحرفي في خراطة المسابح والبداية في ذلك الحي العريق حي العرب بأم درمان، التقى خلاله مجموعة مهدت له طريق الفن فنهل منها وارتقى درجات السلم بسرعة إلى أن أصبح فناناً مرموقاً يشار له بالبنان، فقد تعلم العزف على يد الفنان المعلم أحمد حسن جمعة فردة الثنائي ميرغنى المأمون وأخذ أيضاً من الفنان الكبير التاج مصطفى.
إمكانيات صوتية هائلة:
الجدير بالذكر أن ابن أخت الشاعر عبد الرحمن الريح الذي كان مطرباً في الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي وتوقف فجأة عن الغناء واسمه علي إبراهيم، إشراقة البشاشة، واشتهر بهذه الأغنية التي ذاع صيتها ولقب بها، وكان لعلي إبراهيم الفضل الأول في تعليم دروس عزف آلة العود لأحمد الجابري، وساعدته أيضاً إمكانياته الصوتية الهائلة التي حباه الله بها وهي تمتاز بالتفرد والاستثنائية للدرجة التي وصفه فيها أحد كبار الأدباء الروائي الراحل محمود محمد مدني عندما سألته عن رأيه في صوت الجابري؟ فوصف صوته بأنه مثل البسطونة أى الخيزرانة وهي نوع رفيع من الهراوات التي يعرفها السودانيون وتتميز بالقوة واللدانة وتنثني مثل المطاط، كما تصدر أصواتاً بدرجات متفاوتة حينما تحركها بسرعة فى الهواء.
حنجرة الجابري:
وهذه هي حنجرة الجابري عميقة القرار، قوية الجواب، وعصية على التكرار والتقليد، الموسيقار محمد الأمين أجاب على سؤال عن أفضل عشرة مطربين فأجاب: الجابرى، أكررها عشر مرات، بدأت مسيرة الجابرى الفنية في مطلع الخمسينيات عندما سعى الشاعر الغنائي المعروف ومكتشف النجوم عبد الرحمن الريح لدفعه نحو الإذاعة لإجازة صوته وقد لاقت هذه المساعي الفشل مرتين قبل أن تنجح فى المحاولة الثالثة، وقد قال لي عبد الرحمن الريح في هذا الشأن وأنا أزوره بمنزله كعادة أهل الحي الواحد: بعد أن أفصح لي الجابري عن رغبته في الغناء وبعد أن تبينت حلاوة وطلاوة صوته، قمت بتأليف قصيدة أعددتها له إعداداً موسيقياً، وطلبت منه الذهاب إلى الإذاعة السودانية ليقوم بأدائها أمام اللجنة التي تجيز الأصوات.