عندما تُقبر أحلام الشباب في قاع الفيافي.. انهيار المناجم.. ناقُوس الخطر!!
الخرطوم ـ محجوب عثمان
لم يتوقّع الشاب رحمة محمد أحمد القادم من دار حامد في دارفور إلى صحراء وادي حلفا بالشمالية، أن تتحوّل أحلامه بالثراء عبر التعدين الأهلي إلى كوابيس مزعجة، انهمرت على مخيلته عندما انهالت الصخور عليه مُعلنةً انهيار منجم ذهب تقليدي “بئر” في منطقة “اثنين ونص” التي تبعد 65 كم شرق مدينة وادي حلفا مساء الأحد الماضي.. رحمة الذي يُعتبر الناجي الوحيد حتى الآن من ضمن عدد غير معروف تحديداً، تم انتشاله حيّاً من بين الصخور رفقة (6) آخرين لقوا حتفهم في الانهيار، بينما لا تزال عمليات انتشال الجُثث وتحديد عدد المعدنين تتم بواسطة قوات الشرطة في المنطقة وسط أنباء عن ارتفاع الضحايا لنحو 20 قتيلاً.
انهيار البئر
شهود عيان أوضحوا لـ(الصيحة) أن إحدى الآبار الكبيرة المتفرعة من الداخل بالمنجم الواقع في منطقة “اثنين ونص” انهار بينما كانت وردية المساء تعمل بداخله يوم الأحد الماضي، مبينين أن المنجم كان قد تم هجره من قِبل مالكه منذ فترة طويلة لخطورته، لكن لأنه كان غنياً بالمعدن النفيس فإن عدداً من الشباب ظلوا يغامرون بالدخول إلى أعماقه السحيقة بغية الحصول على الذهب، وقالوا إنّهم عند الانهيار حاولوا إنقاذ الوردية العاملة داخل المنجم، إلا أنّ سرعة الانهيار جعلت جميع من كانوا بداخله حبيسين لسد من الصخور، ولفت إلى أن جميع الشباب الذين يعملون بالتعدين الأهلي من أبناء قبيلة المحاميد وعدد كبير من الشباب حول مدينة وادي حلفا.
جثامين
وبحسب متابعات “وكالة السودان للأنباء”، فقد استقبلت مشرحة مُستشفى مدينة وادي حلفا، عدداً من الجثامين يومي الاثنين والثلاثاء، وتمت مُواراة أربعة منهم بمقابر حلفا صباح أمس “الجمعة”، فيما تمت الإسعافات الأولية للناجي الوحيد رحمة محمد أحمد ومعالجة الإصابات التي تعرض لها قبل أن يتم تحويله إلى مستشفى دنقلا، وتواصلت أعمال البحث عن المفقودين داخل المنجم وكان قد تمت مواراة اثنين من الجثامين ظهر الثلاثاء الماضي بوادي حلفا أيضاً.
بلاغ
وأكد مصدر أمني مطلع أنّ الشرطة دوّنت بلاغاً بالرقم 37 بقسم حلفا تحت المادتين ٥١ / ٤٤ إجراءات، وهرع فريقٌ، قاده مدير شرطة المحلية العقيد جبريل آدم ومدير شرطة تأمين التعدين بوادي حلفا الملازم أول مراد السيد إلى موقع الحادث بصحبة النيابة، وقام الفريق باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، مبيناً أنه لم ترد حتى الآن للجهات الشرطية والنيابة بلاغات فقدان أشخاص آخرين في موقع الحادث باستثناء شباب قبيلة دار حامد الذين سقطوا إثر انهيار الموقع وتمت مواراتهم الثرى بعد اتخاذ الإجراءات القانونية، قاطعاً بأنّه لم تؤكد أي جهة عدد الذين كانوا بداخل البئر لحظة الانهيار، مؤكداً أن المفقودين من قبيلة دار حامد تم انتشال 6 جثامين من الشباب ونجا الشاب السابع.
إخلاء مسؤولية
أكدت مصادر شرطية في مدينة وادي حلفا، أن مالك البئر كان قد أبلغ السلطات المحلية والأمنية بإخلاء مسؤوليته قبل فترة كافية من الحادث، دفع فيه بأنّ البئر آيلة للسقوط، مُحذِّراً من خطورة التعامل معها، موضحاً أن الشباب كانوا يعلمون بخطورة النزول إلى البئر، مشيراً الى صعوبة التعامل مع الآبار المنهارة، مؤكداً أهمية فتح مخارج تحسباً للمزيد من الانهيار.
وأكد المصدر أن سلطات شرطة تأمين التعدين بوادي حلفا قامت بحراسة الموقع ومنع مزاولة أي نشاط فيه أو في محيطه تحسباً لوقوع حوادث مماثلة وحفاظاً على أرواح المعدنين الذين يمارسون التعدين الأهلي.
توعية
دعا ممثل قبيلة المحاميد أثناء مواراة الجثامين بوادي حلفا أمس “الجمعة”، لضرورة التحرك السريع لتوعية الشباب وتبيين مخاطر اندفاعهم للعمل من أجل كسب العيش، من الأخطار التي يُواجهونها في البحث عن الذهب من خلال التّعدين الأهلي، خاصةً بعد أن أصبحوا يُشكِّلون شريحة كبيرة، وأكد أهمية ردم الآبار التي تشكل خطورة على المعدنين بالقانون، مشيراً الى أن قبيلة دار حامد هي السند الأقوى للدولة في إنتاج الذهب.
مُناشدة
ونعى المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة مبارك أردول، الذين لقوا حتفهم في المنجم، وأكد في تغريدة على تويتر أن شرطة التعدين انتشرت لمنع الاقتراب من المناجم المهجورة، وناشد المعدنين الأهليين بالتعاون مع مشرفي البيئة والسلامة للشركة السودانية بغية تقليل الحوادث.
حوادث مُتكرِّرة
ولم يكن انهيار منجم منطقة حلفا الأول من نوعه، فقد ظلت حوادث الانهيار تحصد أرواح المعدنين كل فترة خاصة مع انتشار التعدين الأهلي بجميع أنحاء السودان، ما جعل حوادث انهيار آبار التعدين تتزايد بشكل ملحوظ وسط غياب نُظم السلامة وأدوات الإنقاذ، فيما أكدت إحصائية غير رسمية أن العام 2018 وحده شهد عدداً من الحوادث راح ضحيتها أكثر من 150 شخصاً في الولايات التي يوجد بها تعدين أهلي.
انهيار قبقبة
في العام 2018، أعلنت الشركة السودانية للموارد المعدنية عن مصرع ثلاثة من عمال المناجم ومُحاصرة أكثر من عشرة آخرين تحت الأرض، عندما انهار منجمٌ للذهب كانوا يعملون به في منطقة قبقبة بصحراء أبو حمد شمال البلاد، التي تعد منطقة رئيسية لتعدين الذهب بولاية نهر النيل، قبل أن يعود معتمد محلية أبو حمد حينها عبد العال خرساني، ويعلن تمكنهم من إنقاذ حياة 11 شخصاً من داخل المنجم بعد مجهود متواصل لفرق الإنقاذ استمر لنحو 20 ساعة.
انهيارٌ بالجملة
وفي الرابع من فبراير الماضي، كشف مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول، عن انهيار 14 منجماً للذهب بمناطق التعدين الأهلى في جنوب كردفان، وأوضح أن المناجم انهارت بمنطقة حدودية في الولاية، وأنه يجري انتشال الضحايا من تلك المناجم التي يصل عمقها إلى 20 متراً.
تعويل
ورغم المخاطر الكبيرة التي أصبحت تُواجه مَن يعملون في قطاع التعدين الأهلي، إلا أنه لا يزال يتوسّع ويجتذب الكثيرين في ظل الضائقة الاقتصادية التي تُواجه البلاد.
وتشير تقارير رسمية إلى أن التعدين الأهلي أصبح متاحاً في أكثر من 320 موقعاً بجميع ولايات السودان الـ(18)، فيما يُقدّر عدد العاملين في هذا النشاط والمهن المُصاحبة له بنحو خمسة ملايين، ينتجون أكثر من 90% من إنتاج البلاد من الذهب، ووفق تصريحات رسمية، فإنّ هذا النشاط بات يسهم بشكلٍ ملحوظ في تطوير الاقتصاد السوداني.
سلبيات التعدين
في أوقاتٍ سابقةٍ، كشفت دراسات رسمية عن وجه سلبي لنشاط التعدين الأهلي مثل التأثير على الأنشطة الأخرى، خاصّةً النشاط الزراعي الذي عَانَى في مواسم كثيرة من نُدرة العمال، فضلاً عن تأثيره السلبي على الأطفال والشباب من واقع هجرة غالبيتهم مقاعد الدراسة والاتجاه نحو مواقع التعدين، سيما مع تطاول أمد الإجازات التي فرضها انتشار فيروس كورونا بالبلاد.
وأشارت الدراسات إلى أن للتعدين مضاراً صحية كونه يَعتمد على غسل الخام بواسطة مادة الزئبق المسببة لكثير من الأمراض، فَضْلاً عن استخدام مادة السيانيد عالية السمية، ولفتت لتفشي الأمراض والأوبئة بين العاملين في التعدين الأهلي، خاصة الصغار منهم.