جهازهم يقترح الحلول.. متاريس أمام ثورة المغتربين
الخرطوم ـ محجوب عثمان
مُمتلئاً بجرعات وطنية دافقة حقنتها داخله حملة بعنوان “حوِّل قروش بالبنك” عقب إقرار الحكومة السياسات النقدية الجديدة، توجّه المواطن السوداني هيثم محمد عثمان الذي يعمل بإحدى الدول العربية، نحو مدينة أخرى متحملاً مشقة الوصول لفرع بنك سوداني في الإمارات العربية المتحدة وقام بتحويل مبلغ تحتاجه أسرته في الخرطوم بصورة عاجلة لأمر طارئ، متحملاً من أجل الوطن أن يدفع قيمة التحويل التي تزيد عن ٤٪ من المبلغ المرسل لصالح الوسيط؛ غير أن مقصده النبيل تحول إلى ندم كبير بعد أن ظل المرسل إليه في الخرطوم يتجوّل بين الصرافات والبنوك على مدى يومين دون أن يتسلم المبلغ المرسل، تارة بانتهاء يوم العمل وتارة بسبب فراغ خزينة الصرافات من الأموال، وأخرى بسبب اكتمال العدد المقرر إجراء تعاملاته خلال اليوم.
هيثم اتخذ قراراً سريعاً بتحمل الخسارة واتّجه لسحب المبلغ من فرع البنك هناك والاتجاه لذات الطريقة التي كان يتعامل بها لسنوات من خلال السوق المُوازي، خاصةً وأنها لا تكلفه غير أن يحول المبلغ لحساب الوسيط ومن ثم يتسلم المرسل إليه المبلغ كاملاً دون خصم رسوم.
عودة للموازي
قصة هيثم غير بعيدة عن قصص أخرى موازية جرت في الخرطوم خلال الأيام الماضية، عنوانها جميعاً فشل الجهاز المصرفي في الإيفاء بمتطلبات التحويلات المالية، أو تعمد إفشال سياسات تجاوب معها الشعب السوداني رغم مرارتها عليها تكون المَخرج من أزمة يعاني منها الوطن كله وتكاد تعصف به، واتجاه العديد من السودانيين العاملين بالخارج مرةً أخرى لإجراء تعاملاتهم المالية عبر السوق المُوازي الذي يضمن لهم وصول الأموال في وقت وجيز.
إنهاء العمل والمال
وفي حديث لـ(الصيحة)، أكد محمد محسن أنه كان من المفترض أن يتسلم حوّالة بُعثت على صرافة “ويسترون يونيون” ظهر أمس الأول، ولكنه عندما وصل إلى الصرافة كانت عقارب الساعة تشير الى الثانية وعشر دقائق ليجد أبواب الصرافة مُوصّدة ويخبره أحد رجال الشرطة بأنها أغلقت أبوابها، ويشير لورقة مُثبتة على الباب توضح أن يوم العمل في الصرافة يبدأ عند الثامنة صباحاً وينتهي عن الثانية بعد الظهر.
يقول محسن إنه قدم يوم أمس للصرافة نفسها عند الثانية عشرة، لكن أخطروه بأنهم ليس لديهم مقابل نقدي لتسليمه الحوالة رغم أنها لا تمثل مبلغاً كبيراً، ويرجعون الأمر الى أنهم ظلوا يسلمون المواطنين طوال الأسبوع الماضي أموالاً بالعملة السودانية دون أن يتحصلوا على أي مبالغ من بنك السودان، وطالبوه مرة أخرى بالحضور مبكراً بعد غد “الأحد” عسى ولعل ينجح في استلام المبلغ.
تلاعُب بالحياة
محسن يشير إلى أن المبلغ يحتاجونه لدفع رسوم عملية جراحية لمريض كان يجب أن تُجرى أمس الخميس، معتبراً ان في الأمر تسويفاً ليس إلا وتلاعباً بحياة المواطنين في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، لافتاً الى أنها المرة الأولى التي يلجأ فيها شقيقه للتحويل عبر البنك لكنها بالتأكيد ستكون الأخيرة، مفضلاً التعامل عبر السوق الموازي، كون أن الوسطاء كانوا خلال التعاملات السابقة يوصلون له التحويلات حتى منزله.
نظام مختلف
وغير بعيدٍ من صرافة “ويسترون يونيون”، سجل المواطن حسام الطاهر اسمه بالرقم 171 في ورقة يمسك بها رجل شرطة أمام الصرافة لضبط الدخول، وظل ينتظر دوره من الساعة الواحدة والنصف ظهراً حتى الرابعة والنصف، وعندما دخل إلى الصرافة أخطروه بأن الحوالة مبعوثة على صرافة أخرى ولا يستطيعون صرفها له، رغم أنها مرسلة من صرافة الأنصاري في أبو ظبي، موضحين أن النظام الآن لا يمكنهم من صرفها، رغم أنهم كانوا يعملون بذات النظام يوم السبت الماضي، ونفوا في ذات الوقت وجود تعقيدات في استلام الحولات، وبيّن أحد الموظفين لـ(الصيحة) بأن الأمر مختلف ولا يمكن أن يلبوا طلب صرف الحوالة، وقال “لن تفهم السبب، فقط لن نستطيع صرفها”.
عدد محدود
إبراهيم آدم مواطن آخر تحدث لـ(الصيحة)، مشيراً الى أن ما قابله هنا لاستلام حوالة لم يجده في أي دولة اخرى، موضحاً انه ذهب لفرع احد البنوك فأخطروه بأنهم يقومون بإجراء معاملات محدودة لعدد محدد من العملاء، وأن العدد اكتمل وعليه أن يحاول مرة اخرى الوصول إليهم مبكراً يوم الأحد المقبل، لافتاً الى أنه قدم من دولة اوروبية الاسبوع الماضي واحتاج لمبلغ، قام أحد أصدقائه بتحويله له امس الأول، غير أنه حتى مساء امس لم يستطع ان يستلم المبلغ، لافتاً الى أنه فقد فرصة مميزة لشراء قطعة أرض بسبب تأخير المبلغ.
تبرير
أحد العاملين في صرافة “ويسترون يونيون” أكد لـ(الصيحة) أن ما لديهم من السيولة انتهى خلال الأيام الماضية، مبيناً أنهم ظلوا يطالبون بنك السودان بدعمهم لكونه وكيلاً أساسياً لعدد كبير من المؤسسات النقدية في الخرطوم، مشيراً إلى أنهم سلموا حوالات خلال الأيام الماضية بواقع 35 مليوناً في يوم و32 مليوناً في يوم آخر و17 مليوناً في يوم ثالث، وظلوا هكذا طوال الأسبوع، مشيرا الى ان بنك السودان لم يقم بشراء تحويلاتهم بالعملة المحلية، وقال إن “القرار لم يصدر بعد”، موضحاً أن هناك مؤسسات أخرى في السودان يُمكن أن تقوم بتسليم المواطنين، غير أن العدد الذي يأتيهم كبير جداً، ووجّه بأن يقوم المتعاملون باستلام تحويلاتهم من بنك المشرق أو بنك الخرطوم أو صرافة الأنصاري.
واقع وخصم
كثير من العملاء شكوا من تأخير المعاملات وارتفاع العمولات.. بعض من تعاملوا مع “ويسترون يونيون” أشاروا إلى عمولة تأخذها الشركة من الحوالة رغم دفع عمولة الإرسال بواسطة المرسل، والبعض أشار إلى أن بعض البنوك مثل البنك الأهلي وبنك فيصل، تخصم مبلغاً محدداً نظير توصيل الحوالة، بينما شكا الغالبية من تحديد عدد من البنوك لعدد عمل محدد خلال اليوم بالإضافة لشكاوى عن أن فروع البنوك التي تعمل في التحويلات قليلة جداً وتتطلب مشقة ورهقاً ومواصلات للوصول إليها.
اعتراف واتهام
ربما اتفق بنك السودان المركزي بوجود تعقيدات لا تزال في قضية التحويلات خاصة عبر الصرافات، لكنه نفى أن يكون سبباً فيها من واقع إقراره كل التشريعات التي تُمكِّن من انسياب التحويلات وصول المرسل إليه عليها دون تعقيدات.
وأكد نائب محافظ بنك السودان محمد البشرى في حديثٍ مُقتضبٍ لـ(الصيحة) بأن المشكلة ليست في بنك السودان، إنما تتعلق بالصرافات، نافياً أن يكون بنك السودان المركزي قد منع تمويل الصرافات بالنقد المحلي أو شراء حصائلها من النقد الأجنبي، وقال “بنك السودان ملتزم بتوفير المقابل المحلي لأي عملات أجنبية تدخل عبر الصرافات، لكن الصرافات خاصة ويسترن يونين قالت ما دايرة تبيع”، لافتاً الى أن بنك السودان بصدد إصدار بيان متكامل عن التحويلات ستحمله الصحف ليُبيِّن للرأي العام حقيقة قضية تأخير التحويلات.
مطلوبات
وصف الأمين العام جهاز السودانيين العاملين بالخارج مكين حامد تيراب، إقبال السودانيين بالخارج على التحويلات عبر البنوك بأنه ثورة جديدة حرّكها الدافع الوطني للشعب السوداني، ولفت مكين في تصريحات لـ(الصيحة) الى أهمية أن تقابل تلك الثورة ثورة داخل القطاع المصرفي وانتهاج معالجات داخلية، مبيناً أن البنوك مطلوب منها أن ترفع قدراتها الفنية، وأن تعالج مشكلات النقد، وأن توسع المنافذ وتزيد ساعات العمل وتقر آليات للخدمة السريعة، وأن تتواصل مع الجاليات وتعمل على فتح فروع وتواكيل لها بالخارج.
كما طالب بنك السودان بتكوين غرفة طوارئ، وأن يشدد الرقابة، وقال: “لا بد أن نكون جميعاً في مستوى الحدث لتقديم الخدمات السريعة والسهلة على المواطن في الداخل والخارج حتى لا يبحث عن منافذ اخرى لتقديم الخدمة له”.
منافذ بديلة
ويبدو أن بنك السودان قد أحسّ بخُطورة تدافع المواطنين على جهات بعينها وما يمكن أن ينعكس سلباً على مرامي وأهداف سياسة تحرير الصرف، فقام بإصدار توضيح مهم للجمهور يُبيِّن أن التحويلات المُرسلة عبر صرافة “ويسترن يونيون” يمكن أن تصرف من منافذ أخرى حدد منها 25 فرعاً لبنك الخرطوم في العاصمة والولايات، إضافة لثلاثة فروع لبنك النيل الأزرق المشرق، فضلاً عن دخول 28 فرعاً لبنك التضامن الإسلامي الأسبوع المقبل، و20 فرعاً لشركة ميج للصرافة، وصرافة الأنصاري.