الطاهر ساتي يكتب.. كلام المنصورة..!!
:: لم تقل وزيرة الخارجية مريم الصادق بالقاهرة ما يستدعي كل هذا التهريج.. لقد أحسنت عملاً حين ذكرت النخب السودانية المسؤولة بإحدى قضايا البلد الاستراتيجية، ومع ذلك لا تجد هذه القضية حظاً في النقاش، وهي قضية الفقر السكاني الذي تعاني منها بلادنا.. فالتعداد السكاني في بلادنا مجرد رقم يذكر عند اللزوم السياسي، وليس بغرض الدراسة والتحليل.. وحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء بأن التعداد السكاني بالبلاد أقل من أربعين مليون نسمة..!!
:: والقضية التي يجب مواجهتها بشجاعة هي أن هذا الرقم لا يتناسب مع مساحة البلد.. نعم، حتى ولو بلغ التعداد السكاني (50 مليون نسمة)، فإن هذا الرقم لا يعني غير أن بلادنا تعاني من أزمة الفقر السكاني وآثارها الاقتصادية والاجتماعية.. ومنذ عقود، ينبه العلماء والخبراء بأن السودان بمساحته الشاسعة – رغم انفصال الجنوب – بحاجة ماسة إلى ارتفاع في معدل النمو السكاني.. نعم، يجب أن يرتفع معدل النمو السكاني (أضعافاً)، حتى يتيسر للشعب إدارة موارده واستغلالها بشكل أفضل..!!
:: وفي عهد حكومة نميري، همست بعض المنابر بدراسة أشارت أن بلادنا بحاجة إلى (200 مليون نسمة)، لتكون قادرة على إدارة واستغلال مواردها الاقتصادية، أرضاً كانت أو ما فوقها وتحتها.. ثم اختفت هذه الدراسة ولم يعد شيئاً مذكوراً ولو من باب التنبيه إلى مخاطر الفقر السكاني.. فالنمو السكاني من عوامل التنمية وتحسين الدخل القومي.. وزيادة السكان – في المناخ السياسي المستقر – تعني زيادة المعرفة والعلوم والإنتاج..!!
:: السلام والاستقرار والإنتاج من أهم الوسائل التي تحقق غاية النمو السكاني.. ومن بعد ذلك، تأتي وسيلة الهجرة التي تنظمها أمريكا بين الحين والآخر.. فاللوتري واللجوء وغيرهما من المنافذ، لا يفتحها العالم الأول حباً لعيون العالم الثالث، بل يفتحها وفقاً لدراسات وبحوث توصلت إلى أن ضعف النمو السكاني يؤثر سلباً على مجمل مناحي الحياة.. هكذا هم يخططون، ويجمعون البشر- بمعايير العرق والثقافة والأعمار – لنهضة أوطانهم، بيد أن النخب هنا لا تخطط لغير الحرب والفقر..!!
:: ثم تحدثت مريم عن حدود المصالح وتبادل المنافع مع إثيوبيا وغيرها، وذلك بالاستثمار طبعاً، وقالتها بوضوح: (بعد ترسيم الحدود)، والمعنى واضح، أي بعد أن نفرض سيطرتنا على كامل أراضينا، فلماذا الصخب والتهريج؟.. (ادعاءات إثيوبيا بشأن تغول الجيش السوداني على أراضيها منافية للصحة وتتناقض مع الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، ولا يمكن تأجيل وضع علامات الحدود)، آخر تصريح لوزيرة الخارجية قبل سفرها إلى القاهرة..!!
:: نعم، بعد تحريرها بالكامل، ثم وضع العلامات، ليس هناك ما يمنع حكومة بلادنا للتعاون مع إثيوبيا في الاستثمار وتبادل المنافع، بحيث يكون العائد حدوداً مثالية تساهم في استقرار مجتمعات البلدين.. فالحدود المثالية – حدود المصالح – هي التي تساهم في استقرار المجتمعات الحدودية، وبها تطوي الدول ملفات الحرب.. والمؤسف أن حدودنا مع مصر ليست مثالية بالكامل، إذ حلايب لا تزال (محتلة)، وعلى مريم وحكومتها حسم هذا الملف، بحيث تنعم بلادنا بمنافع حدود المصالح مع كل دول الجوار..!!