ما هو الشئ اللافت في نبيل أديب المحامي، الفقيه القانونيّ ورئيس لجنة التّحقيق في فضّ الاعتصام؟ الكثيرون من النّاشطين والشّباب يعتبرونه عائقاً كيزانيّاً، أو عائقاً يتبعُ للمُكوِّن العسكري، مُهمتُه إبطاءُ تقديم مُرتكبي، ومُدبّري مَجزرة اعتصام القيادة. ربّما لذلك يعتقد نبيل أديب أنَّ العوَام لا يُمكنهم أنْ يتقدّموا القادة، حتّى ولو قاموا بفعلٍ جماهيريّ حاشد. يرى أديب أنَّ العدالة/ العدل ينبغي أنْ تكون لها الغلبة في التفكير السّياسيّ والقانونيّ. أيُ شئ عدا ذلك ليس إلّا “استهبالاً”. يقولُ أديب إنَّ الانتقام لا يبني نظاماً، مهما كان. مقلّلاً من قيمة ما يسمّى “بالشّرعية الثّورية”. سيكونُ على الجميع، بمنْ فيهم عمر البشير، الرئيس المخلوع، أنْ يحصلَ على حقوقه كاملة. يجبُ أنْ يدافع عن نفسه. إذا كان بريئاً، يطلق سراحُه. أمّا إذا كان مذنباً في التّهم الموجهة إليه، فيجب أنْ يُنفّذ عليه حكمُ القانون. ليس هناك من حاجةٍ للانتقام، بقدر حاجتنا إلى “تثقيف الشّعب” قانونيّاً، حقوقيّاً وعدلياً.
نبيل أديب رجلٌ هادئ جدّاً. على الرُّغم من تقريعه العنيف، واللهجة الحادّة التي استخدمها ضدَّ النّاشطة في الفيديو الواسع الانتشار في الوسائط. ربّما لذلك يتوجّبُ “تثقيف الشّعب”. يحدّثك بعلمٍ حقيقيّ. بلا ادعاءات. حديث المحيط بخلفيّات السياسة والاقتصاد والتّاريخ والقانون. ليس مجرّد محامٍ ينصبُّ جهده في تخليص المتّهم من حبل المشنقة، أو إخلاء المنزل المستأجر للحاجة الماسّة، كما يفعلُ ونعرفُ عن غالب المحامين. فالوضعُ القائم هو أنَّ هناك الكثير من التّجهيل والادّعاءات. تملأ أرض وسماء السُّودان وتمنعُ الأصوات أنْ تصل.
يرى أديب أنَّ ما تقومُ به لجنة إزالة التمكين إخلال بليغ بالمنظومة العدليّة. ولا يرى مبرّراً لتأخير الاستئنافات حتّى تتراكم القضايا لتبلغ أكثر من ثلاثة آلاف قضية. ليس هناك من استئناف لينظر فيها، دعْ عنك تعطيل المحكمة الدّستوريّة. ليصبح كلُّ ما تستردّه مزيداً من التعطيل الاقتصاديّ، حيث تظلُّ الأموال والأصول المستردّة مجمّدة لا يمكنُ للحكومة أنْ تحرّكها، ولا لأصحابها السّابقين، لأنَّ القضية لم تنتهِ، بعدُ. ولذلك فإنَّ مفوضيّة الفساد ستضعنا على الطّريق الصحيح، بما أنّها الوحيدة التي تستطيع أنْ توضّب قضايا رسميّة وتعالج بها استرداد الأموال السّودانيّة المنهوبة، وفقاً للأعراف الدّوليّة.
ينظرُ أديب عميقاً في التّشريع ذاته، مدخلاً للانتقام ودافعاً للمظلمات. ذلك انَّ المشرّع محكومٌ بخلفيّاتٍ ونوايا. وحين تكون هذه الخلفيّات والنّوايا مدخولة من جهة تصفية الحسابات، فإنَّ تشريعاته ستكون الأداة التي يجانبُ بها المطبّقون العدالة. وبالتّالي، فإنّنا لن نبنيَ أمّةً، دولةً أو نظاماً متحضّراً فيما لو كانتْ حوامل أفعالنا ناظرة للانتقام وتصفية الحسابات، أيّاً كانتْ، وممنْ كانت. سيكونُ الطّريق شاقّاً على الأجيال القادمة أنْ تفهم وتهضمَ كيف انبنتْ النّظم. لقد أخذتِ الثّورةُ الفرنسيّة قرناً من الزّمان قبل أنْ ترسىَ المنظومة المتكاملة للحقوق والدّيمقراطيّة. والثورات الكبرى أكلتْ قادتها ومنظّريها، كما فعلتِ الفرنسيّة، والثّورة البلشفيّة. هل يعني ذلك أنْ ننتظر مائة عام، قبل انْ نحصد ثمار غراسنا؟
ليس بالضّرورة، بالتأكيد. لكنَّ نبيل أديب لا يرى خيراً في العجلة، مطلقاً. العجلة رفيق العثرات والكبوات والوقوع في المحرّمات، وهو رجلٌ مدافعٌ صلب عن حقوق الإنسان. حقوقيٌّ من الطّراز الأوّل. وحين كان اديب يواجه نّظام الإنقاذ شرساً، رابط الجأش، قويَّ الشّكيمة، لم يكنْ ايٌّ من المطالبين له بالتسريع في القصاص من فضّ الاعتصام، يحسن بناء جملة صحيحة، وبعضهم لا يزال. شخصيّاً، يسعدني كلّ مرّة أنْ أقرأ لنبيل أديب بحثاً أو ورقةً أو استمع إليه في ندوة أو حوار تلفزيونيّ، فالرّجل لن تخرج منه خاليَ الوفاض، ولن تخرج إلّا وأنتَ موقنٌ بأنَّ البلاد ستكون محترمة لو وجدنا عشرة أمثاله في كلّ المجالات.